عمان والدولة الأموية
حين أطلت الفتنة بين المسلمين في زمن عثمان وحين قبل على بنأبي طالب التحكيم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان , بدأت عمان تكون رأياً سياسياًمخالفاً لما قامت عليه خلافة بني أمية ثم إستقلت تماماً على الدولة الأموية وذلكمنذ سنة 37هـ/657م بعد إجتماع الحكمين – عمرو بن العاص وعبدالله بن قيس أبي موسىالأشعري – وخلعهما عليا بن أبي طالب من خلافة المسلمين .
وتجمع المصادرالتاريخية على إنه عقب وقوع الفتنة وإفتراق الأمة وبعد أن صار الملك والسلطانلمعاوية بن أبي سفيان لم يكن للأمويين شئ من الشأن والسلطان في عمان .
لقد إنتقل مركز السلطة المركزية للدولة العربية الإسلامية من الكوفة إلىدمشق بعد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة سنة 41هـ لصالح معاوية وكانت إهتماماتالخليفة الأموي بالدرجة الأساسية إستتباب الأمن وإستقرار أقاليم الدولة العربيةالإسلامية الرئيسية ومن جملتها العراق حيث عهد بإدارة الكوفة للمغيرة بن شعبةالثقفي وجعل لولاية البصرة عبدالله بن عامر ثم عين زياد بن أبيه الثقفي عام 45هـبدلاً منه .
ورغم هذه التطورات السياسية التي طرأت على سلطة الدولةالعربية الإسلامية إلا أن إدارة عمان ظلت تحت نفوذ آل الجلندي , حيث بقوا محافظينعلى إستقلالهم الإداري وخاصة في بداية العصر الأموي ولعل إنتقال مقر الحكم الأمويإلى دمشق قد جعل عمان أكثر إستقلالاً نظراً لبعدها الجغرافي وخصوصاَ وأن أبناءالجلندي لم يعلنوا صراحة عن نزعة إنفصالية في خلافة معاوية بن أبي سفيان الذي حكممن عام 41هـ إلى 60هـ .
وقد بقيت عمان مستقله إستقلالاً شبه كامل فيبداية العصر الأموي ولا تحدثنا المصادر عن أي تدخل من قبل الأمويين في شؤون عمانطيلة الفترة السفيانية وحتى عهد عبدالملك بن مروان .
لقد بدأ الوضعالسياسي يضطرب في الأقاليم خلال حكم يزيد بن معاوية 60-64هـ ونشطت المعارضةة فيالحجاز والعراق وتعرضت عمان في هذه الفترة لخطر نجده بن عامر الحنفي زعيم الخوارجالنجدات الذي تمكن من السيطرة على البحرين وتطلع إلى مد نفوذه إلى عمان التي أرسلإليها حملة عسكرية بقيادة عطية بن الأسود الحنفي عام 67هـ وكانت عمان وقتئذ تحتحكم عباد بن عبد الجلندي يعاونه أبناه سليمان وسعيد في تدبير أمور عمان وتمكن عطيةالحنفي من مفاجئة آل الجلندي بقواته حيث تمكن من هزيمة آل الجلندي وأستولى علىعمان بالقوة .
كما أزعجت هذه الإنتصارات عبدالله بن الزبير الذي كان يسيطرعلى الحجاز وقسم كبير من العراق فأرسل جيشاً إلى الخوارج النجدات ولكن نجدهوأتباعه هزموه وأضطروا للفرار .
لقد راح العمانيون يتحينون الفرصة للتخلصمن سلطة نجده بن عامر وقد حانت تلك الفرصة عندما قتل القائد الخارجي عطية الحنفيأثناء عودته إلى البحرين تاركاً واءه كنائب عنه أبا القاسم في إدارة شؤون عمانوأنقض العمانيون بقيادة آل الجلندي على أبي القائم وقتلوه وشتتوا أتباعه وعادتعمان مستقلة مره أخرى .
لقد كان تعيين الحجاج بن يوسف الثقفي علىالعراق والمشرق الإسلامي سنة 75هـ من قبل الخليفة عبدالملك بن مروان نقطة تحولهامة في تاريخ العلاقات بين سلطنة الدولة المركزية وعمان لذا فقد وضع الحجاج عمانضمن أولويات خططه بهدف إعادتها إلى الدولة الأموية .
وقد حاول الحجاج أنيخضع عمان للسيطرة الأموية مستعملاً القوة والعنف وتشير المصادر التاريخية إلى أنأول حملة عسكرية بعث بها الحجاج إلى عمان كانت بقيادة القاسم بن شعوة المزني وقدرست الحملة في ساحل حطاط إلا أن العمانيين قاوموا مقاومة باسلة مما أدى إلى إندحارالحملة وقتل قائدها لذا فقد أخذ الحجاج يعد العدة لإرسال حملة كبيرة تحت قيادةمجاعة بن شعوة المزني وهو شقيق القائد الذي لقي حتفه في الحملة الأولى وبلغ عددالمقاتلين أربعين ألفاً وقسمت القوات إلى قسمين قوة سلكت طريق البر وأخرى أخذتطريق البحر وأختار الحجاج بن يوسف كل المقاتلين من النزاريين الذين لا يمتون للأزدبصلة .
وقد وصلت القوات البرية قبل القوات البحرية وكان سليمان بن عبادالجلندي على علم بخروج الحملة ووقعت المجابهة بالقرب من وادي بوشر ونزلت الهزيمةبجيش الحجاج في القوت الذي كانت فيه القوات البحرية قد وصلت إلى جلفار (رأسالخيمة) ولجأ العمانيون إلى إستخدام أساليبهم البحرية من بينها إحراق أكثر منخمسين سفينة من أسطول الحجاج مما دفع بقية السفن إلى الفرار نحو البحر .
وكتب القائد الأموي مجاعة المزني إلى الحجاج ينبئه بظروفه العسكرية الصعبةفأمده الحجاج بقوات بلغت خمسين ألف مقاتل كان معظمهم من أهل الشام الذين لجأوا إلىالسيطرة على المناطق الساحلية من عمان وتؤكد الروايات التاريخية أن سعيد وسليمانولدي الجلندي قد حوصرا في الجبل الأخضر وبذلك ضعفت روح المقاومة لدى العمانيينوزاد الموقف سوءاً حروب سعيد وسليمان إلى شرق إفريقيا وهكذا أصبحت قوات الحجاجتسيطر على عمان .
وظلت عمان تابعة للأمويين إلى أن توفي عبدالملك بن مروانوولى الخلافة إبنه الوليد بن عبدالملك 86-96هـ وبوفاة الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 95هـ تولى أمر العراق بدلاً منه سيف بن الهاني الهمداني .
وفي عهد سليمانبن عبدالملك 96-99هـ بدأت قبضة الأمويين تخف عن عمان وأخذ العمانيون يستعيدونإستقلالهم تدريجياً وخصوصاً بعد أن عين يزيد بن المهلب الأزدي والياً على العراقوخراسان حيث ولى يزيد أخاه زيادا على عمان حيث أحسن إلى أهلها .
وفي عهدعمر بن عبدالعزيز 99-101هـ كتب العمانيون إلى الخليفة العادل يشكون من ظلم عمالهفأختار الخليفة بنفسه عمر بن عبدالله الأنصاري الذي أحسن السيرة فيهم ولم يزلوالياً على عمان مكرماً بين أهلها يستوفي الصدقات بن أغنيائهم ويردها إلى فقرائهمحتى وفاة عمر بن عبدالعزيز , حيث خرج من عمان قاصداً زياد بن المهلب قائلاً له: هذه بلاد قومك فشأنك بها .
وفعلاً قام زياد بن المهلب بشؤون عمان حتى ظهرأبو العباس السفاح وصار ملك بني أميه إليه وقامت على يديه الخلافة العباسية فيالوقت الذي قامت فيه في عمان أول إمامة أباضية على يد الجلندي بن مسعود وتحققإستقلال عمان عن الدولة العباسية الوليدة .
عمان والدولة العباسية
بقيام الدولة العباسية فوض الخليفة أبو العباس السفاح أخاه أبا جعفر المنصور علىأقاليم عمان واليمامة والبحرين وقد إختار أبو جعفر جناح بن عبادة بن قيس الهنائيعاملاً على عمان فظل في منصبه مدة قصيرة حتى حل محله إبه محمد بن جناح الذي حسنتسيرته في أهل عمان فأحبوه وقد تأثر كثيراً بالأفكار الأباضية مما دعاه إلىالإعتراف بنفوذهم فبادر أهل عمان وعقدوا الإمامة للجلندي بن مسعود الذي يعتبرالمؤسس الحقيقي للإمامة الأباضية وبذلك خرجت عمان من يد العباسيين زمن أبي العباسالسفاح .
على أن الخلافة العباسية كان لا يمكن أن يطول سكوتها عما كانيحدث في عمان مما يشكل سابقة خطيرة تؤدي إلى تمزق الدولة العباسية وإنفصال أطرافهالذا فقد أرسل الخليفة أبو العباس السفاح سنة 134هـ حملة بحرية بقيادة خازم بنخزيمة لاخماد الثورة التي تأججت في جزيرة أبن كاوان القريبة من عمان وأخضاع عمانلنفوذ الخلافة العباسية , وفي الحروب التي دارت بين الجيش العباسي وبين الجلندي بنمسعود قتل الأخير وبضع آلاف من رجاله في موقعة جلفار ومع ذلك فإن أوضاع عمان لمتستقر طويلاً ولم يستطع الولاة العباسيون أن يسيطروا على البلاد بسبب معارضةالعمانيين لهم .
لقد تركت وفاة الجلندي فراغاً سياسياً كبيراً وصدمة بينأتباعة وعلى الرغم من ذلك فلم يستطع العباسيون إخضاع عمان , فالعمانيون لميستكينوا للوالي العباسي وظلوا يناوئون العباسيين ويعارضون حكمهم .