لميلبث العمانيون أن ثاروا سنة 177هـ وخلعوا الطاعة للخلافة العباسية وإختاروا محمدبن عبدالله بن عفان اليحمدي إماماً إلا أنه كان شديداًَ تنقصه المرونة فأجمعالعلماء على عزله وإختاروا الوارث بن كعب الخروصي وفي عهده إستقرت الأمور وسادالنظام والأمن بفضل حزمه وعزمه .
لم يرض هارون الرشيد عن الوضع فأرسلحملة كبيرة بقيادة عيسى بن جعفر بن سليمان لإخضاع عمان سنة 189هـ ولكن هذه الحملةباءت بالفشل الأمر الذي أغضب الخليفة هارون الرشيد الذي لم يلبث أن توفي قبل أنيثأر من عمان وأهلها .
إجتمعت كلمة أهل عمان على مبايعة غسان بنعبدالله اليحمدي بالإمامة بعد وفاة الوارث بن كعب سنة 192هـ وقد بقي إماماً خمسعشرة سنة وسبعة أشهر وفي عهده إمتد نفوذ عمن إلى أقاليم أخرى من شبه الجزيرةالعربية مثل اليمامة وحضرموت فضلاً عن بعض الجزر القريبة مثل سقطرى .
وبوفاة الإمام غسان بن عبدالله اليحمدي إنتقلت الإمامة إلى عبدالملك بنحمير بن ماء السماء الأزدي وخلال إمامته حدثت العديد من المشكلات والفتن الداخليةإلى أن أختير الإمام مهنا بن جيفر اليحمدي الذي بويع عام 226هـ وقد تنبه إلىالمخاطر التي كانت تتعرض لها عمان وكان أكثرها يأتي من ناحية البحر لذا فقد أخذ فيتقوية الأسطول الذي وصل في عهده إلى ثلاثمائة سفينة كاملة التسليح , مهيأة لخوضغمار الحرب أما جيشه البري فقد وصل إلى درجة أن حامية نزوى وحدها كانت تضم عشرةآلاف مقاتل وسبعمائة ناقة وستمائة فرس .
ثمة إمام آخر عظيم الهمة هوالصلت بن مالك بن بلعرب الخروصي , الذي بويع بالإمامة في نفس اليوم الذي مات فيهالإمام مهنا في السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 237هـ وقد بويع الصلت على مابويع عليه آئمة العدل من قبله , أصلاح في الداخل وجهاد في الخارج وكانت أرض عمانفي عهده مترامية الأطراف إذ كانت سقطرى والمكلا وحضرموت والمهرة كلها تحت الحكمالعماني وفي عهده أعتدى النصارى الأحباش بإسطولهم على سقطرى واطلقوا الأجراسوجعلوها نصرانية وإستغاثت به إمرأه من أهل سقطرى وكانت بمثابة (وامعتصاه) التيإطلقتها إمراة مسلمة في عمورية , وإذا كان المعتصم في قاد جيشاً من الفرسان حتىظفر وإنتصر فإن الإمام الصلت بعض إسطولاً من مائة سفينة حربية تحمل جنوداً أشاوسوفرساناً يحتسبون أرواحهم في سبيل الله وتمكنوا من إستعادة الجزيرة من مغتصبيهاوقد أمضى الإمام الصلت في الحكم خمساً وثلاثين سنة من 237- إلى 272هـ الموافق 851إلى 885م .
وفي عهد الإمام الصلت إستقلت عمان عن الدولة العباسيةإستقلالاً كاملاً وقد عاصر هذا الإمام العادل ستة من خلفاء بني العباس هم المتوكلوالمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد .
وفي أواخر القرن الثالثالهجري دخلت إمامة عمان مرحلة من مراحل الضعف حيث إشتدت الصراعات بين القبائل ولجأبعضهم إلى الإستعانة بالوالي العباسي في البحرين ضد خصومه ومنافسيه مما أغرى محمدبن نور الوالي العباسي في البحرين بغزو عمان سنة 281هـ/893م فأستولى على سواحلعمان وأقام الخطبة للخليفة العباسي المعتضد وفرض على العمانيين خراجاً سنوياً ومعذلك فقد ظل العمانيون يختارون آئمتهم بعيداً عن سطوة العباسيين .
لقدبقيت عمان متماسكة قوية في ظل آئمتها العظام من أمثال الصلت بن مالك إلى أن تولىأمر عمان عدد من الأئمة لم يكن الواحد منهم يبقى في منصبه إلا بقدر ما يكيد لهالأخرون وفي عهد الإمام عزان بن تميم وقعت حرب أهلية طال أمدها وأتسع مداها إلىأن أكلت الأخضر واليابس .
وفي أوائل القرن الرابع الهجري أي العاشرالميلادي تعرضت عمان لهجمات القرامطة الذين إتخذوا البحرين مقراً لهم , ولم تحلسنة 317هـ/929م إلا وكان القرامطة قد سيطروا على بعض أجزاء عمان في الوقت الذيأخذت فيه الخلافة العباسية طريقها نحو الإنحلال والضعف وإزداد نفوذ بني بويه فيالدولة وإنعكس ذلك بشكل واضح على عمان التي تغلب عليها يوسف بن وجيه وهو رجل مغامرسبق له أن حاول إحتلال البصرة مرتين إلا إنه فشل في محاولاته سنة 331هـ وسنة 341هـ , فقد تمكن يوسف من الإستقلال بعمان بعيداً عن الخلافة العباسية .
وتشيرالمصادر التاريخية إلى أن العمانيين لم يرضخوا لسلطة يوسف بن وجيه وإختاروا سعيدبن عبدالله بن محمد الرحيل إماماً عليهم سنة 320هـ/930م .
وإستطاع هذاالإمام إنتزاع عمان الداخل من قبضة يوسف بن وجيه الذي بقى محصوراً في المناطقالساحلية وبعد إستشهاد الإمام سعيد بن عبدالله بالقرب من الرستاق سنة 320هـ/939مإختار العمانيون راشد بن الوليد إماماً لهم وواصل الحرب ضد مغتصبي بلاده وحققإنتصارات متوالية على يوسف بن وجيه الذي إعتاله مولاه نافع سنة 342هـ وتولى الأمرمكانه وأعلن ولاءه للعباسسن ووجدها الخليفة معز الدولة فرصة لغزو عمان إلا أنمحاولاته جميعها باءت بالفشل , وبلغ من سوء الأحوال عندئذ أن بعض المتنافسين علىالسلطة في عمان إستعانوا بالقرامطة في البحرين سنة 355هـ مما عرض عمان لخطرالقرامطة من جديد .
لقد أفزع هذا الوضع المخلصين من العمانيين فنظمواصفوفهم وتمكنوا من طرد القرامطة نهائياً من عمان سنة 375م وإتبعوا ذلك بالعمل علىإستئصال نفوذ الخلافة العباسية من عمان .
لقد ظلت عمان خاضعة للولاة مدةخمسة وستين عاماً منذ وفاة الإمام راشد بن الوليد سنة 342هـ حتى إختير الخليل بنشاذان إماماً في العقد الأول من القرن الخامس الهجري .
وقد إنتعشتالإمامة الأباضية بسبب هذه الإنتصارات المتلاحقة وأحسن بنو مكرم وهم من أعيان اهلعمان بمنافسة الإئمة لهم فأشتد الصراع بين الطرفين ووقعت الإضطرابات والحروبالأهلية مرة ثانية ولم يجد العمانيون مخرجاً من هذا الوضع المتردي إلا بالإتفاقحول الإمامة الأباضية .
وكان إن سقطت الخلافة العباسية في بغداد على أيديالتتار في أواسط القرن السابع الهجري ولم يكن التتار قوة بحرية ليفرضوا سيطرتهمعلى الخليج لذا فقد بقيت عمان بمنأى عن سيطرتهم ومضت في طريقها بعيداً عن نفوذالتتار ولم تلبث إن دخلت منتصف القرن السادس للهجرة في عصر بني نبهان .
النباهنة حكاماً على عمان
يتفق المؤرخون على أن حكم بني نبهان , إستمر خمسة قرون تقريباً 1154-1624م عرفت الأربعة القرون الأولى بفترة النباهنة الأوائل والتي إنتهت بحكمسليمان بن سليمنا بن مظفر النبهاني .
وعرفت الفترة الثانية بفترةالنباهنة المتأخرين والتي إمتدت من عام 1500 إلى 1624م حيث إنتهت مع قيام دولةاليعاربة وظهور الإمام ناصر بن مرشد سنة 1624م .
والنباهنة من أصول عربيةحيث سنتسبون إلى قبيلة العتيك الأزدية العمانية العريقة وقد وصفهم إبن زريق بأنهمملوك عظام وكان من أشهر ملوكهم جوداً وكرماً الفلاح بن المحسن .
لقد أشادإبن بطوطة آثناء زيارته لعمان بتواضع الحكام النباهنة حيث إتيح له أن يلتقي بالملكالنبهاني أبي محمد الذي قال عنه : (ومن عاداته أن يجلس خارج باب داره ولا حاجب لهولا وزير ولا يمنع أحداً من الدخول إليه من غريب أو غيره ويكرم الضيف على عادةالعرب ويعين له الضيافة ويعطيه على قدره وله أخلاق حسنة).
يعتبر عصرالنباهنة بأنه من أكثر فترات التاريخ العماني غموضاً بسبب قلة المصادر التي تناولتهذه الفترة لكن ما وصل إلينا من معلومات يعطي إنطباعاً بأن عصرهم كان عصر تنافسوصراعات داخلية ويصعب تتبع أحداث هذه الصراعات لكن من الثابت أن تدهور الأوضاعالداخلية قد أغرى الفرس لمحاولة إحتلال عمان وأن هجوماً قام به الفرس في عهد الملكالنبهاني معمر بن عمر بن نبهان لكن العمانيين تصدوا لهذا الهجوم وقضوا عليه إلا أنهجوماً آخر قد وقع سنة 660هـ/1261م في عهد الملك أبي المعالي كهلان بن نبهانبقيادة ملك هرمز محمود بن أحمد الكوستي الذي تمكن من الإستيلاء على قلهات مستغلاًالصراعات القبلية ثم مضى نحو ظفار حيث قامت قواته بنهب الأسواق ومنازل الأهاليوسبي رقيقهم وبلغ عدد السبي إثنى عشر ألفاً وحملت الأمتعة والأموال المسلوبةوالرقيق إلى قلهات ثم إتجه معظم الجيش متوغلاً في داخل عمان عن طريق البر يقودهملك هرمز بنفسه ولما وصل جيشه إلى منطقة القرى حيث جبال ظفار الشاهقة تم الإستعانةبعشرة رجال من أهل ظفار كأدلاء للطريق فلما وصلوا بهم إلى داخل عمان هربوا عنهمليلاً وعلى حد تعبير أبن رزيق : (أصبحوا حائرين يترددون في رمال عالية وفيافيخالية) فتاهو في تلك الصحاري الواسعة ونفذ ما معهم من ماء وطعام ونفقت دوابهم منالجوع والعطش وهام ملك هرمز على وجهه في الصحراء فهلك ومعظم جيشه ومن بقي منهم قتلعلى يد عرب البادية إلا نفر قليل واصلوا سيرهم حتى وصلوا إلى جلفار ومنها أبحرواإلى هرمز .
أما بقية الجيش في قلهات فقد أغار عليهم رجال قبيلة بنيجابر وقضوا عليهم ودفنوهم في مقابر جماعية تعرف إلى اليوم بقبور الترك .
وفي عام 647هـ/1276م وخلال حكم عمر بن نبهان أغار الفرس على عمان بقيادةفخر الدين بن الداية وأخيه شهاب الدين نجلي حاكم شيراز وعندما نزل الجيش الفارسيمدينة صحار التقى بهم عمر بن نبهان في حي عاصم بمنطقة الباطنة وظل يقاتل حتىإستشهد وثلاثمائة من جيشه وزحف الغزاة إلى نزوى التي إستولى عليها الغزاة ونهبوامنازلها وسوقها واحرقوا المكتبات وأخرجوا أهل عقر نزوى من منازلهم وحلوا محلهم ثمتوجهوا إلى بهلا العاصمة الثانية للنباهنة وحاصروها إلا إنها إستعصت عليهم وخلالفترة الحصار قتل فخر الدين أحمد بن الداية وكان لقتله أكبر الأثر على معنويات جندهالذين قرروا الإنسحاب من عمان نهائياً بعد أم مكثوا فيها أربعة أشهر عاشوا خلالهافساداً وقتلاً .
وفي عام 866هـ/1462م أغار الفرس على عمان وإتخذوا منبهلا مقر لهم بعد أن طروا الملك النبهاني سليمان بن مظفر الذي فر إلى الأحساء التيإتخذها مكانا لإعادة ترتيب جنده ثم عاود هجومه على الفرس وتكن من تحرير عمانوإعادة ملكه لكن يبدوا أن إنقساماً قد وقع بين النباهنة أنفسهم لذا فقد رحل سليمانبن مظفر إلى شرق إفريقيا حيث أسس مملكة بته (بات) بعد أن ترك ولداه سليمان وسحامفي عمان وإشتد بينهما الصراع على السلطة وإنتهى الأمر بإنتصار سليمان على أخيه لكنالصراع بينه وبين زعماء القبائل لم يتوقف إلى أن إختارت القبائل محمد بن إسماعيلإماماً .