عرض مشاركة واحدة
قديم 27-05-2007, 11:40 PM  
  مشاركة [ 1 ]
لايطول غيابك لايطول غيابك غير متواجد حالياً
عضو خط الطيران
 
تاريخ التسجيل: 16 - 05 - 2007
المشاركات: 27
شكر غيره: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
معدل تقييم المستوى: 208
لايطول غيابك مازال في بداية الطريق
لايطول غيابك لايطول غيابك غير متواجد حالياً
عضو خط الطيران



مشاهدة ملفه الشخصي
تاريخ التسجيل: 16 - 05 - 2007
المشاركات: 27
شكر غيره: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
معدل تقييم المستوى: 208
لايطول غيابك مازال في بداية الطريق
افتراضي قصة مراقب في مطار الملك خالد

كادت أن تكون وجهاً لوجه...


(قصة من الواقع برؤيتي)

-----------------------------------

عرفت نفسي منذ أن عملت في حقل المراقبة الجوية حريصاً جداً.. ولم يكن ذلك سلوكي قبل الانضمام إلى المراقبة الجوية،لكن بعد التحاقي بالدراسة في مجال المراقبة الجوية كان هناك بعض التركيز على مسائل الحرص وأخذ الحيطة والحذر في التعامل سواء مع الزملاء المراقبين الجويين أو الطيارين ولابد أن يكون الرسالة بين الطرفين واضحة حتى يتم تفادي الخطأ... حيث أن قيمة الخطأ في مجال المراقبة الجوية مكلف جداً.. وبما أن تدريبي كان في أوروبا وتحديداً في السويد فقد كانت جرعات دروس الحرص والحذر والجدية في العمل مكثفة وكانت تعرض بعض أشرطة الفيديو التي توضح بعض الأخطاء الفادحة لبعض المراقبين الجويين نتيجة الإهمال واللامبالاة مما أدى إلى عدة كوارث جوية. أصبحت هذه الدروس مكوناً أساسياً في تشكيل شخصية المراقب الجوي الحريص لدي وأصبح الحرص والحيطة والحذر هو السلوك السائد خلال عملي وتعاملاتي مع الزملاء بسبب معرفتي المسبقة بفداحة الأخطاء التي تحدث من هفوات بسيطة،وكنت أتعامل بوضوح وحريص على أن الجميع يفهم ما أقصد سواء الزملاء المراقبين الجويين في المناوبة معي أو الزملاء في قطاعات المراقبة الجوية التي أتعامل معها خلال ساعات العمل اليومية حتى الطيارين أحرص شديد الحرص على أن يفهم ما أقصد خلال عملية الاتصال بيني وبينهم. وأصبح حرصي هذا موضع تندر ونكات وضحك وسخرية من قبل بعض الزملاء في العمل،وكنت أعلم أنني على حق ولكن كان وجه اعتراضهم بأن حرصي وحذري هذا لن يقيني مما هو مقدر ومكتوب أولاً وثانياً أنهم يرون أنني أبالغ كثيراً في قضية الحذر والحيطة وأن حرصي شديد وأكثر من اللازم وكان يحدث كثير من الجدال والنقاش بيننا في موقع العمل حول هذا الموضوع .. ومنهم من هو مقتنع ومنهم من يعارض بشده ويرى أن هذا الحرص والحذر تعطيل للعمل وقتل للمرونة التي تتطلبها مهنة المراقبة الجوية.. لم أكن يوماً مقتنعاً بما يقال عني وعن حرصي وكنت مع مرور الوقت أزداد تمسكاً وتطبيقاً لهذا المفهوم الذي شربته كأسلوب من خلال دراستي للمراقبة الجوية وطبقته عندما التحقت كأحد العاملين في حقل المراقبة الجوية وحاولت أن أعلمه للأجيال التي أقوم بتدريبها من المراقبين الجدد .. لكن أقولها بكل صراحة لم يقتنع كثير من المراقبين الجدد بطريقتي وتعاملي وحرصي الشديد.. لذا كانوا يستفيدون من خبراتي في العمل ويهملون طريقة الحرص والحذر التي كنت أعلمهم إياها لعدم اقتناعهم بها.. وذات يوم.. كنت أعمل في موقع الاقتراب النهائي وكانت الحركة ليست كثيفة ولكنها متوسطة.. والأجواء عاصفة رعدية ممطرة .. والرياح متقلبة .. مرة شمالية ومرة أخرى جنوبية ومرات متعددة شرقية.. أو غربية. ومع تقلب الرياح وشدتها .. وتقلب الأجواء تزيد الأعباء على المراقب الجوي والطيار ..ولكن الأعباء على المراقب الجوي تصبح أكثر وأكبر بسبب تعدد الطائرات التي تحت سيطرته ويتبع ذلك توجيهات عديدة وطلبات عديدة من الطيارين ويتبع ذلك أيضاً اتصال دائم مع برج المراقبة ومع القطاع الآخر وهو القطاع العلوي الذي يتحكم في الطائرات على مستوى أعلى (Upper Sector) أو Enroute Controller .. ازدادت حالة الطقس شراسة ..وزاد معها الاتصالات على الخط الساخن من برج المراقبة في مطار الملك خالد وبرج المراقبة في مطار قاعدة الرياض الجوية .. من يطلب إذن للمغادرة ..ومن يتساءل عن إمكانية تغيير المدرج المستخدم .. وهناك من يطلب اتجاه وارتفاع لطائرة مغادرة بسبب وجود عواصف رعدية في جهة ما .. طيارين يسألون عن أحوال الجو حول المطار.. ومنهم من يطلب سرعة الرياح .. ومنهم من يطلب التصريح له بالانعطاف لليمين أو لليسار لتجنب عواصف رعدية.. وهكذا.. عندما تسوء الأحوال الجوية فإن المراقب الجوي يذهب للعمل على أعصابه .. وبما أن عمل المراقب الجوي يعرضه لضغوط وظيفية هائلة إلا أن سوء الأحوال الجوية يزيد هذه الضغوط أضعاف بسبب الجهد الكبير الذي يبذله المراقب الجوي في حالات الأجواء السيئة، حيث تتراكم عليه الضغوط من كل جانب. الحقيقة لم تكن حركة الطائرات على مطار القاعدة الجوية بالرياض كثيفة بل كانت متدنية أو لاتذكر في تلك الساعة ،ولكن كانت الحركة على مطار الملك خالد متوسطة وفي تزايد ..لكن سوء الأحوال الجوية جعلها وكأنها تبدو كثيفة بالنسبة لي بسبب تعدد الأدوار التي يتطلب الوضع قيامي بها .. كان مراقب البرج في مطار الملك خالد الدولي على اتصال دائم بي.. ويمكن أن يكون الوضع مزعج بالنسبة لي بسبب تكرار اتصاله به على الخط الساخن.. وطلباته المتعددة وتكرار تلك الطلبات سبب لي بعض الانزعاج الوقتي مالبث أن زال بسبب تفهمي لوضعه النفسي ..حيث أن مثل هذه الأجواء المتقلبة وقلة خبرته العملية وضعاه في موقف صعب ،ولكن بالتأكيد فإن هذه المواقف هي التي تبني رصيد الخبرات وتعلم المواقف المتعددة والمتكررة كيفية التعامل الصحيح والخروج من هذه المواقف بقرار سليم يضمن سلامة الأرواح والممتلكات. كانت اتصالات برج المراقبة ـ كما قلت ـ متعددة ومتكررة وكنت في كل مرة حريص كل الحرص على أن يكون كلامي مفهوم وأطلب منهم إعادة ما ذكرته حتى أتأكد أن ما قلته قد فهم الفهم الصحيح .. كان كل من حولي يقول لي: لماذا كل هذا ؟ فالكلام مفهوم ولا يحتاج للترديد .. وكنت لا ألتفت لما يقولون لأنني مقتنع جداً بما أفعل ... اتصل بي المراقب الجوي من البرج وقال: لي سنقوم بتغيير المدرج المستخدم بسبب تغير اتجاه الرياح .. ووافقت على الفور حيث كان المدرج المستخدم 15يسار وقمنا بتغييره إلى 33يمين أي العكس .. بعد ذلك بقليل اتصل البرج مرة ثانية وقال سنقوم بتغيير المدرج إلى 15يسار وقلت موافق فالطائرات التي لدي لازالت بعيده .. واستمر العمل على المدرج 15 يسار فترة من الزمن .. بعدها تغير اتجاه الريح بشكل قوي .. فاتصلت ببرج المراقبة وقلت سنقوم بتغيير المدرج إلى 33 يمين .. قال لي : وهو كذلك ولدي طائرة مغادرة سأرى ماذا سيقرر هل سيغادر من المدرج 15 يسار أو 33 يمين .. قال لي هذا الكلام وكنت مشغولاً عدة طائرات كانت تقترب من المطار وتحتاج إلى توجيه متواصل وعمل ترتيب الهبوط لهم. في مطار الملك خالد فإن المراقب الجوي في برج المراقبة لا يطلب تصريح للطائرات المغادرة إذا كان المدرج المستخدم 33 يمين أو 33 يسار أما في حالة استخدام المدرج 15 يسار و15 يمين فإن المراقب الجوي في البرج يجب أن يطلب تصريح أو إذن للمغادرة من المراقب الجوي في الاقتراب .. وفي حالة استخدام المدرج 15 يسار أو يمين فإن المراقب الجوي في البرج مضطر للاتصال بالمراقب الجوي في الاقتراب للحصول على إذن المغادرة لكل طائرة.. كنت قد أعطيت طائرة الاتجاه للاقتراب النهائي للمدرج 33 يمين .. وكان المراقب الجوي بالبرج يتصل علي للحصول على إذن الإقلاع لطائرة مغادرة .. كنت مستغرباً من اتصاله للحصول على إذن الإقلاع بينما المدرج المستخدم هو 33 يمين والذي لا يتطلب الحصول على إذن من مراقب الاقتراب.. لكن قفز إلى مخيلتي أن الرجل قد أثرت عليه الأجواء المتقلبة وأصابته العدوى ـ مني طبعاً ـ وأصبح هو الآخر حريص على العمل لدرجة أنه يطلب مني الإذن بالمغادرة لهذه الطائرة .. لكن المصيبة الكبرى أن الرجل كان يطلب الإذن بالمغادرة لطائرة من المدرج 15 يسار والذي هو الاتجاه المعاكس للمدرج 33 يمين .. في هذا الوقت كانت الطائرة التي وجهتها للاقتراب النهائي .. هي الآن على مسافة 12ميل في الاقتراب النهائي للمدرج 33 يمين وقمت بتحويل هذه الطائرة إلى موجة برج المراقبة.. بعد برهة إلا وعلى الموجة طيار ينادي:" رياض هذه رحلة السعودية رقم 1748أقلعت من المدرج 15يسار وقد تخطينا 3000قدم إلى ارتفاع 6000قدم " ارتعبت مما سمعت وقفزت من الكرسي ووجهي في شاشة الرادار وبسرعة متناهية حدقت في معلومات الطائرة ووجدتها فعلاً قد تخطت 3000قدم وفعلاً متجهة إلى الجنوب في اتجاه متعاكس مع الطائرة التي في الاقتراب النهائي.. طبعاً المسافة بين الطائرتين كانت تقريباً 7 إلى 8 أميال ولكن لاتنسى أنهما متعاكستان وأن سرعتهما مضاعفة .. وقفت ثم جلست ووقفت وجلست وأنا أصيح وأهذي بكلام لا معنى له .. وأصبح العالم كله بالنسبة لي هو هاتين الطائرتين .. ضغطت على زر المايك وصحت بأعلى صوتي : " رحلة السعودية رقم 1748 التف إلى اليمين ..وحينما لاحظت أن الطائرة تتجه إلى اليسار .. رجعت وقلت: التف إلى اليسار .. التف إلى اليسار .. وكنت في هذه اللحظة التف بجسمي إلى اليمين وتارة إلى اليسار أتصور أنني الطائرة وأحلق بعيداً عن الطائرة الأخرى.. رجع الطيار وقال لي : التف إلى اليمين أو إلى اليسار .. وكان قد ابتعد عن خط الاقتراب النهائي إلى اليسار.. فقلت له : بل استمر في الالتفاف إلى اليسار .. حيث كان من حسن الحظ والطالع أن الطائرة كانت مغادرة إلى الدمام .. وإجراءات المغادرة(SID) للطائرات المتجهة إلى الشرق والمستخدمة للمدرج 15 يسار أو يمين ..تنص على الالتفاف إلى اليسار مباشرة بعد الإقلاع من المدرج 15 وكان هذا ماحدث للرحلة 1748حيث اتجه بعد الإقلاع مباشرة إلى اليسار وأدى ذلك والحمد لله إلى الخروج من الكارثة.. رميت بجثتي على الكرسي .. وأخذت نفساً عميقاً .. أسمع خلفي همسات زملائي .. جاء البعض يهنئني .. والبعض كان يضحك ويقهقه على ما شاهد من حركات كنت أقوم بها أثناء الموقف .. البعض الآخر كان يتشفى ويقول لي أن حرصك وحذرك لم ينفعك ، فعلى الرغم من حذرك وحرصك إلا أن الكارثة كادت أن تقع اليوم . كنت في هذا الخضم أبحث عمن يستلم الموقع مني لأذهب وأصعد إلى البرج .. حيث استلم الموقع منى أحد الزملاء وصعدت إلى البرج .. وجدت زميلي الذي حدث معه الموقف قد خرج من الموقع.. وجلس في الاستراحة وقد نشفت الدماء في عروقه بسبب ماحدث .. حيث كان يرى الطائرتان تتجهان إلى بعضهما البعض بشكل مخيف إلا أن الله سلم وقدر ولطف.. الحقيقة كنت لا أدري ماذا أصنع به ..وحينما رأيت وضعه النفسي قررت أن أسامحه . . سألته: لماذا فعلت هذا ؟ قال:حينما غيرنا المدرج إلى 33 يمين كانت هناك طائرة متجهة إلى المدرج 15يسار فطلب مني السماح له بالإقلاع من هذا المدرج فأخبرته بأننا المدرج المستخدم الآن هو 33 يمين وأن اتجاه وسرعة الرياح تتجه إلى المدرج 33 يمين فقال لي أعلم ذلك ولكنني أريد المغادرة من المدرج 15 يسار .. عندها طلبت منك الإذن لهذه الطائرة بالمغادرة وذكرت لك بأنها ستغادر من المدرج 15 يسار .. ووافقت على الفور. قلت له : أبداً لم أسمعك تذكر لي أنها ستقلع من المدرج 15 يسار . قلت : لا بل ذكرت ذلك ويمكننا الرجوع إلى التسجيل . قلت : فلنفرض أنني سمحت لهذه الطائرة بالمغادرة من المدرج 15 يسار .. ألا ترى على شاشة الرادار أن هناك طائرة قادمة في الاتجاه المعاكس. قال لي:معك حق فأنا لم انتبه لشاشة الرادار ولم ألحظ أنا هناك طائرة قادمة من الاتجاه المعاكس، فالوضع في البرج كان مزعجاً والبرج كان يهز ويصدر أصواتاً في اهتزازاته وكنت على أعصابي وكنت مرتبكاً.. والنتيجة كادت أن تكون كارثة جوية وجهاً لوجه.. لكنني أحمد الله كثيراً أن انتهت على خير . قلت له: أجزم بأن هذا الخطأ لن يتكرر في حياتك العملية وستكون أحرص وأدق كثيراً مما كنت عليه اليوم,وهذه الحادثة ستفيدك كثيراً في حياتك العملية وستكون نقطة تحول في حياتك المهنية .. بسبب أن الدروس المستفادة كثيرة ، صحيح أن هناك بعض الآلام النفسية التي سببها هذا الموقف ولكن الفوائد كثيرة وعظمية وأرجوا أن يكون درساً لك ولغيرك وعبرة لأولي الألباب. سيظل هذا الموقف في مخيلتي ولن تمحوه السنين؛ لأنه أعظم من أن يتخيله بشر وهو الموقف الخطير والكارثي الوحيد في حياتي المهنية وأتمنى أن يكون الأخير.


( القصة منقولة واسف اذا كانت مرت عليكم من قبل )

تحياتي
التوقيع  لايطول غيابك
the sky's the limit
لايطول غيابك غير متواجد حالياً