طــيـروا واغـــتــــنــــوا
عندي خبر طيب لجيل الشباب ، وخبر مزعج لجيل الأطفال والشباب والعواجيز.. الخبر المفرح يقول إن شركة الطيران الفلبينية فقدت 104 من طياريها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.. مفرح لأن الفقد جاء نتيجة الاستقالة وليس نتيجة سقوط الطائرات، وخلال الشهر الماضي رفعت الشركة رواتب الطيارين بنسبة 60%.. شركة طيران دراقونير DRAGONAIR المسجلة في هونغ كونغ اضطرت لالغاء عدة مسارات لرحلاتها بعد استقالة العشرات من طياريها.. شركات الطيران الآسيوية بمفردها ستكون بحاجة الى 6000 طيار سنويا حتى عام 2020م، جمهورية ايرلندا التي تنطلق منها بضع شركة طيران تعبانة وغير معروفة تخطط لاستيعاب 640 طيارا خلال العام الجاري.. بطريقة هات من الآخر فإن قطاع الطيران سيكون بحاجة الى 17 ألف طيار سنويا طوال الـ 12 سنة المقبلة.. ما المفرح في كل هذا؟ المفرح هو ان أي شاب يقتحم مجال الطيران خلال السنوات المقبلة سيجد ألف شركة تتمناه وتطلب يده.. والطيران ممتع: أولا "تفتك" من العالم العربي لنصف ما تبقى من عمرك وتطوف وتشوف بلاد وجيبك مليان.. رواتب الطيارين ستشهد تصاعدا فلكيا خلال السنوات المقبلة ولكن حتى في يومنا هذا فإن الطيار المتمرس يتقاضى نحو 15 الف دولار في الشهر وطبعا يأكل ويقيم في فنادق فخمة ببلاش.. وأحاديث الطيارين كلها من نوع: ما أقدر أشوفك يوم الاثنين لأني باكر رايح طوكيو.. وأبيت فيها ليلتين ومن هناك على لوس انجلوس... وأكون في بيروت مساء الأحد بإذن الله.هل أحسد الطيارين على تمتعهم بالسياحة المجانية والرواتب العالية؟ أبدا بل أسأل الله لهم السلامة والعافية.. طيب هل من الوارد ولو نظريا ان أعمل كطيار؟ حاشا لله فأنا – وبدون فخر – أخاف من الطائرات أكثر من خوفي من المخابرات..
ذات مرة كنت مسافرا جوا من مدينة جدة الى أبها الحلوة ولسوء حظي"الطيار طلع معرفة"، وفوجئت بمضيف يقول لي ان الكابتن طلبني في قمرة القيادة.. دخلت القمرة وأنا أتلو المعوذتين وفوجئت بالمضيف يجلسني على مقعد بائس ويربطني بحزام على شكل المقص.. لم يكن في عشرات العدادات التي أمامي ما يشرح الصدر وكان الوقت ليلا، ولم يكن بمقدوري ان ارى شيئا من مقدمة الطائرة.. واكتشفت ان الطائرة ليست بها مصابيح أمامية: طيب كيف يتفادى المطبات والطائرات التي تأتي من الاتجاه المعاكس (دون الحاجة الى فيصل القاسم)؟ ثم تلاعب الكابتن ببعض الأزرار والتفت الى الوراء حيث كنت أجلس ودخل معي في فاصل ونسة فقلت له بكل ذوق: لا أريد ان أشغلك عن عملك.. وسأعود الى مقعدي مع بقية الركاب.. ولكنه قال: ما في شغل والطيارة ماشية بروحها.. وواصل الحديث معي معطيا ظهره للدركسيون والبلاوي التي في مقدمة القمرة.. استنتجت ان الرجل مستهتر.. وقلت له بحزم: بص قدامك الله يخليك وبلاش تودينا في داهية.. وقبل أن أكمل الحديث كانت أبها قد بدت متلألئة.. وقرأت الفاتحة على روحي فقد كان المشهد الذي أمامي يوحي بأننا سنصطدم بعدة جبال.. وبهبوط الطائرة كنت قد أصبت بهبوط في القلب ما زلت أعاني منه.