[عاشق الضيافه الجويه]

معركة الإقلاع الاقتصادي بالطيران الخاص


طيران صفاقس...محاولة لخلق ربيع اقتصادي.

بورزو داراجي من تونس

حينما أطلق رجل الأعمال التكنولوجيّة التونسي محمد فريخة أول شركة خطوط جوية له في آذار (مارس) 2012، لم يحضر أحد الافتتاح باستثناء الرئيس التونسي منصف المرزوقي في مدرج المطار في صفاقس، ثاني أكبر المدن التونسية.
ولتكريم الثورة التي أطاحت بالدكتاتورية التونسية منذ عام مضي، تم تسمية أول طائرتين لخطوط شركة ''سيفاكس'' الجوية الكرامة والحرية.
لكن فريخة يجد أن التوفيق بين مشروعه الجديد مع روح الثورة، ليس كافياً لإبعاد التغيرات عن المصالح الراسخة.
يقول فريخة البالغ من العمر 49 عاماً في مقر شركة ''تالينت'' لهندسة البرمجيات التي أسسها عام 1994: ''المشكلة الوحيدة التي تواجهني هي شركة الخطوط التونسية للطيران، إنهم يحاولون محاربة كل ما أحاول أن أقوم به''.
فريخة الشهير بتهوره في تونس، تمكن من النجاح في فترة كانت تعاني فيها دولته تحت ديكتاتورية خانقة، وخضعت لثورة صاخبة وكافح عبر فترة انتقالية مؤلمة.
لكنه يحاول الآن أن يطلق عملاً يتحدى احتكاراً قوياً للدولة. ولبناء روابط قام بها كمورد تكنولوجي لشركة ''أيرباص'' أطلق فريخة العام الماضي شركة ''سيفاكس'' في محاولة جريئة للاقتحام سوق الملاحة في شمالي إفريقيا، والتي نمت في العقد الماضي من 5 في المائة إلى 11.5 في المائة من الأسفار الجوية كافة.
توضح تجربة فريخة مفارقة لأصحاب المشاريع الذين يحاولون إحداث اختراق في العالم العربي الذي يخضع لتغيرات سياسية.
على الرغم من أن الحكومة تعترف بالحاجة إلى الإصلاح، إلا أن المصالح القديمة تقاوم هذا. بينما كان يجني ثروة بتطوير التكنولوجيا وتصديرها، كان يربح إشادة عالمية. لكن تحديه المباشر الآن لقطاع قائم خلق له أعداءً.
منذ بداية حياته المهنية في عالم الأعمال، أظهر فريخة أن باستطاعته اجتياز الاضطرابات السياسية في تونس، وأن ينجح في بيئة عمل لطالما اعتبرت خطرة بفضل محاباة الأقارب وانعدام الكفاءة والفساد.
فريخة من أبناء بلدة صفاقس، كان ابناً مفضلاً منذ وقت باكر؛ كونه طالباً متفوقاً في المدرسة، دخل مدرسة ''إيكول بوليتيكنيك'' في باريس، أحد أشهر المدارس العليا التي تخرج فيها قادة أعمال وسياسة فرنسيون.
وبعد أن عُيّن في شركة الاتصالات الفرنسة الكبرى ''ألكاتل'' في عام 1989، طلب إرساله إلى وطنه، حيث أطلق مركز برنامج خارجيا كان الأول من نوعه في تونس.
كان لا يزال في العشرينيات من عمره حينما بدأ هو وستة مهندسين زملاء له، ومعهم نحو 65 ألف دولار ''مكافأة'' نهاية خدمة من ''ألكاتل'' وظفوها لإطلاق شركة ''تالينت جروب''. كانت نجاحاً نادراً في شمال إفريقيا، وهي الآن توظف 600 مهندس برمجيات و100 موظف داعم في تونس وباريس.
تطوير شركة ''تالينت'' للبرامج المدمجة للشركات مثل ''مرسيدس بينز'' و''داسو'' يجعلها في درجة مختلفة عن عديد من مراكز الاتصال والمستودعات التي يُستعان بها كمصدر خارجي في شمال أفريقيا.
مكاتب ''تالينت'' مليئة بالمبرمجين الشبان الموهوبين الذي يكتبون ويحلون الشفرات، ويقومون بأنواع وظائف الخريجين التي يعتقد البعض أنها قد تحول دون السخط السياسي المستعر الذي يعانيه الشباب العربي، على الرغم من الثورات التي أطاحت بالحكومات في الإقليم.
تحتوي المكاتب على صالة رياضية وغرفة استجمام بها طاولة لعبة البلياردو، إضافة إلى غرفة للصلاة، والتي أثارت الدهشة خلال الديكتاتورية العلمانية لزين العابدين بن علي، والذي أطيح به منذ أكثر من عامين.
في الحقيقة، كان بن علي يأخذ شركة ''تالينت'' على أنها مثالاً لنباهة الأعمال الحرة في الدولة.
زار هو ومستشاره مقر الشركة وشجعوا كبار الشخصيات الأجنبية، ومن بينهم الرئيس السوري بشار الأسد أن يقفوا لرؤية تونس الحقيقية قائدة الصناعة.
وعلى الرغم من أن بن علي وأصهاره من عائلة الطرابلسي، كانوا دوماً يطلبون نِسباً من الأعمال الناجحة، إلا أنهم تركوا شركة ''تالينت'' وشأنها.
يقول فريخة: ''إنهم يفهمون في العقارات والفنادق والسيارات، ولا يفهمون في التكنولوجيا''.
بعد ثلاثة أشهر فقط من ثورة كانون الثاني (يناير) 2011 في تونس، أتمّ فريخة طرحه المدروس لأسهم شركة ''تالينت'' للاكتتاب في سوق الأوراق المالية التونسية؛ ما أدر له صافي دخل سبعة ملايين دولار.
قال إن فكرة بدء شركة خطوط طيران ولدت نتيجة لنزوة خلال رحلة عمل إلى صفاقس. كان لغزاً أنه لا يوجد كثير من الرحلات إلى هذه البلدة مسقط رأسه: مقر شركة ''تالينت'' مجاور لمطار تونس الرئيس، وبإمكانه حرفياً أن يستشعر الأصوات العالية للأعداد المتزايدة للطائرات التي تُقلع.
من ناحية أخرى يعترف بأنه كان خائفاً من التأثير الدرامي الذي قد يحل بثروته الكبيرة الجديدة خلال درب حياته.
وباستخدام كل المال الذي جاءه من الطرح العام الأولي لشركة ''تالينت'' ونسبة 20 في المائة حصة من ''تالينت''، استأجر فريخة طائرتي ''أيرباص 319 إس'' وأطلق شركة ''سيفاكس'' في آذار (مارس) 2012، معطياً إياها الاسم الروماني القديم لصفاقس ولرفع مهابة المدينة التي ازدريت من الدكتاتورية السابقة.
يقول فخيرة: ''صفاقس هي مدينة صناعية – لا يوجد هناك كثير من التسلية، يذهب الناس للمدرسة والعمل. إنهم أناسٌ جادون. لكن بن علي لم يمد لهم يد العون. وهو أمر أردت أن أفعله. أريد أن أضرب مثلاً لجميع التونسيين لتغيير عقليتهم''.
ومع طائرتين و150 موظفا يصرح فريخة أنه لا يشكل تهديداً للخطوط التونسية، والتي يقول إنها يجب أن تكون مهتمة أكثر بشركات الطيران العالمية، والتي تتخلف عنها في الخدمة والانضباط في المواعيد.
مع ذلك تستمر ''سيفاكس'' في تحدي الخطوط التونسية بطرق أخرى.
وقّعت على صفقة بقيمة 600 مليون دولار مع شركة ''أيرباص'' مقابل عشر طائرات، ومن صفاقس تطير مرتين في الأسبوع بالفعل إلى إسطنبول والدار البيضاء، ومرتين في الأسبوع إلى باريس، وتريبولي ومدينة سبها الليبية. إنها على وشك إطلاق رحلات أسبوعية إلى جدة قريباً.
ومع أن خطوط تونس تمقت ''سايفاكس''، إلا أنها قد وضعت بالفعل تغييرات مسعورة، مثل خطة لتسريح ألفين من عدد موظفيها البالغ عددهم 8400 وتجميل نفسها لتصبح شريكاً محتملاً لواحدة من الشبكات العالمية الرائدة.
كل من ''سيفاكس'' والخطوط التونسية تسعيان جاهدتين كي تصبحا أول شركة طيران تونسية تقوم برحلات إلى أمريكا الشمالية، في إشارة أخرى إلى صحة التنافس في الإقليم الذي تأرجح بين محسوبية القطاع الخاص وركود القطاع العام.
يقول فريخة: إن الاستثمار ''ليس مخاطرة، بل هو قناعة. حينما نساعد بلدنا يكون الله معنا – والنجاح حليفنا''
.https://www.aleqt.com