[(AirArabia)]

آخر تحديث : 22/12/2015
هل أصبحت شركة الخطوط الجوية الفرنسية معقلا "للمتطرفين" كما جاء على لسان رئيس نقابة الكونفدرالية العامة للعمل (سي جي تي)؟ يتحدث بعض الموظفين والنقابات عن صعود الطائفية الدينية داخل الشركة، لكنهم ينددون في نفس الوقت بوجود نوع من "الخيال الوهمي" حول الموضوع.

تذكر صوفي* جيدا قضية اللحم الحلال في مطار رواسي-شارل ديغول (ضاحية باريس) عام 2011، عندما "أرادت الكونفدرالية العامة للعمل CGT فرض اللحم الحلال في المطعم الخاص بموظفي إير فرانس على مستوى المطار. تأزم الوضع ووقعت احتجاجات وأصدرت عرائض...".

طلبت صوفي، التي تعمل منذ نحو عشر سنوات في هذا المطار الذي يعد أكبر مطار في فرنسا، التحفظ على هويتها. فهذه القضية كانت قد أثارت في تلك الفترة اضطرابات داخل شركة الطيران، إذ احتجت نقابات أخرى وعلى رأسها الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل CFDT والكونفدرالية الفرنسية للعمال المسيحيين CFTC على ما اعتبرته توجها طائفيا تقف وراءه الكونفدرالية العامة للعمل CGT التي حظيت طويلا بهيمنة قوية داخل إير فرانس.

بعد أربع سنوات على قضية اللحم الحلال، وقعت حادثة جديدة. لكن هذه المرة كانت نقابة (سي جي تي) في موقف المهاجم لـ "المتطرفين الإسلاميين". ففي الثاني من ديسمبر/كانون الأول قال فيليب مارتيناز، وهو الأمين العام لـ (سي جي تي) في إير فرانس، لإذاعة "فرانس أنفو" إن النقابة قامت بعملية "تنظيف" في صفوف المشاركين في الفرع. فتم رصد وإقصاء 500 مشارك في النقابة من أصل ألفين على أنهم "متطرفون".

"عدد قليل من الأشخاص يثيرون مشاكل"

هل يوجد داخل الشركة الفرنسية الشهيرة أشخاص ذوو"تصرف مريب" حسب أقوال المدير العام لمطارات باريس أوغوستان رومانيه؟ وذلك بمعنى تصرف لا يحترم مبدأ الحياد الديني داخل الشركة ويمكن أن يدخل الاضطراب على نظام العمل أو يعكر العلاقات بين الموظفين.

اتصلت فرانس24 بإدارة إير فرانس التي تفادت الإجابة بشأن هذه المسألة. فرفضت الرد على الأسئلة واكتفت بالتذكير عبر بيان بالمحتوى الأساسي لميثاقها الأخلاقي. وتعهدت الشركة "في سعيها لتأطير (...) موظفيها في مجال تحقيق التوافق بين العقائد الشخصية والمهام المهنية (...) دون تنازلات".

بالنسبة لصوفي التي تعمل يوميا في الميدان، فإن المسؤولين يعتمدون لغة الخشب. فتقول "طبعا هناك تجاوزات والكل يعرف ذلك. عموما كل شيء يسير على ما يرام فإير فرانس شركة مختلطة ومتعددة الثقافات. لكن توجد دائما أقلية من الأشخاص يثيرون المشاكل، فيمارسون الضغط على زملاء آخرين مسلمين مثلهم".

23 بالمئة من المدراء في فرنسا أمام ضرورة النظر في "مشاكل" دينية

تضيف صوفي أن "هذا العدد القليل من الأشخاص" كانوا يناضلون في الكونفدرالية العامة للعمل. وتتابع "يجب أن نوضح أنه في فترة غير بعيدة كان الكل يشارك في هذه النقابة، وأنا واحدة منهم. فهذه النقابة كانت الوحيدة الظاهرة، كانت مرجعا ومعها فقط تفاوض الإدارة".

ووردت في الصحافة العديد من الشهادات التي تؤكد أقوال صوفي. فهنا وهناك نقرأ حول حوادث موظفين يرفضون مصافحة النساء أو حتى التحدث إليهن ويوجد آخرون يمارسون الضغط على زملائهم الذين لا يصومون شهر رمضان... وتقول أيضا صوفي "إنها مجموعة صغيرة لكنها مجموعة تفرض قانونها نوعا ما". من جهة أخرى تشير صوفي إلى أن الأمور تغيرت شيئا ما. فصار الناس يفضحون أكثر التصرفات "المريبة"، وصارت الأخيرة "تظهر أقل". وتوضح صوفي "لكن المشكلة هي أنه وعلى مدى سنوات تم التقليل هنا من "خطورة" مثل هذا السلوك".

إير فرانس ليست الشركة الوحيدة التي تواجه هذه "الوقائع" الدينية. فحسب دراسة أجراها مرصد الأحوال الدينية في الشركات في أبريل/نيسان 2015، خلصت إلى أن 23 بالمئة من المدراء في فرنسا يقولون أنهم مضطرون لحل "مشاكل" دينية، مقابل 12 بالمئة عام 2014.

"لا يمكن أن نسمح بالقول أن هناك ’مشكل‘ تطرف"

يعترف رونالد نوارو، وهو الأمين العام للاتحاد الفرنسي للتأطير-الاتحاد العام للكوادر CFE CGC، النقابة التي صارت اليوم تحظى بالأغلبية داخل إير فرانس، بوجود بعض التجاوزات. لكن يحاول الطمأنة بشأنها فقال لفرانس24 "في ظرف أربع سنوات، ومن أصل 60 ألف موظف في الشركة رصدنا أقل من عشر حالات تطرح إشكالا". وبين هذه الحالات يذكر نوارو مثلا أن أحد الموظفين رفض الاضطلاع بمهمة تخص إحدى حاويات الشحن لأن بداخلها كحولا. لكن يؤكد "أشدد على أنها حالات هامشية للغاية. لا يمكن أن أسمح بالقول أن هناك ’مشكل‘ تطرف داخل الشركة، إننا نواجه أكثر مسألة طائفية وهو شأن مختلف".

وهو أيضا رأي نقابة CGT التي تنكر علنا تصريحات أمينها العام لإذاعة "فرانس أنفو". ففي بيان صدر غداة تصريح فيليب مارتيناز جاء فيه "على أسس معلومات غير دقيقة وأمام أسئلة الصحافيين الملحة، استعمل (مارتيناز) كلمتي "متشددون" و"متطرفون إسلاميون" اللتين لا توافقان حقيقة ما عاشته نقابتنا". وقال لفرانس24 مهدي كمون، وهو نائب الأمين العام لهذه النقابة "لا يوجد تشدد ديني في إير فرانس".

فكيف تبرر إذا الشركة إقصاء 500 شخص؟ تقول نقابة CGT إن السبب هو الفساد. وجاء في بيان للنقابة أن "مسؤولين نقابيين في قسم مطار رواسي شارل ديغول" تورطوا في قضايا "محسوبية". والفرق بين تصريح مارتيناز وموقف النقابة يبعث على الحيرة. فهل كان حديثه حول تطرف بعض الموظفين ضربا من الخيال الوهمي؟ تقول صوفي "لم يتخيل (مارتيناز) شيئا لكن الحال أنه لا تقال أشياء مثل هذه في شركة (كإير فرانس)، فصورتها هي أولوية (الإدارة والنقابات). وبما أننا نعمل في مجال الطيران فيصير الموضوع أكثر حساسية".

حذف 70 ترخيصا "خصوصا بسبب قضايا سرقة وعنف"

إير فرانس ليست الشركة الوحيدة التي تواجه مثل هذه المسائل على مستوى المطارات. ففي 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري أكد المدير العام لشركة "مطارات باريس" (التي تدير مطاري رواسي شارل ديغول وأورلي) أنه منذ بداية العام 2015 تم سحب رخص 70 عاملا من أصل 86 ألف يعملون في المناطق المؤمّنة للمطارات، خصوصا لأسباب متعلقة بتشدد ديني.

تلقب هذه الرخص بـ"الرخص الحمراء" وتمنحها محافظة الشرطة لموظفي شركة "مطارات باريس" حتى يتمكنوا من دخول المناطق "المخصصة": كمدارج الهبوط والمنطقة الخاصة بالحقائب ومنطقة محلات بيع المنتجات المعفاة من الرسوم الجمركية... أما مصلحة الاتصال لشركة "مطارات باريس" فأصرت على تخفيف حدة تصريحات المدير فقالت "تم حذف الرخص بعد قضايا سرقة وعنف، وعدد قليل منها بسبب التشدد الديني".

وأوضحت شركة "مطارات باريس" أن عدد الرخص المسحوبة "70 من أصل 86 ألف"، وهي قطرة ماء لا يجدر أن تثير الهوس ولا أن تترك مجالا للتمييز.

في 16 ديسمبر/كانون الأول ندد عنصرا حراسة يعملان في مطار أورلي بقرار شركة "سيكوريتاس" تسريحهما بسبب اللحية. وقال محاميهما "معاملات بعض الشركات صارت تطرح إشكالا" منددا من جهته بـ " تشدد الشركة".