[serag eldin]

إنهاك الطيارين قد يؤدي إلى عواقب وخيمة

العامل البشري.. وحوادث الطيران

مرة أخرى يطل موضوع حوادث الطيران لكن من زاوية أخرى، تتعلق بالعامل البشري، الذي يعد المسؤول عن أكثر من 80% من تلك الحوادث، ومنذ مدة قليلة أدى وقوع طاقم قيادة طائرة مكون من طيار ومساعده في النوم أثناء مزاولتهما الخدمة في رحلة جوية قصيرة إلى طرح مسألة العامل البشري في التعرض للخطر مرة أخرى إلى حيز الوجود، ومن هذا المنطلق تتجه وكالة «ناسا» إلى تعزيز الدور التوعوي لدى الطيارين من خلال جهاز تختبره حديثا، لكن قبل الخوض في فحوى ذلك الجهاز لا بد من الخوض في أمور أخرى تختص بهذا الموضوع.
خلال رحلة جوية في وضح النهار لطائرة تابعة لشركة طيران داخلي بجزيرة هاواي، خرجت الطائرة عن مسارها فجأة من دون سابق إنذار بعد أن اجتازت نقطة البدء بالهبوط بالمطار المقصود، وبعد محاولات يائسة من قبل برج المراقبة وبعض الطائرات المحلقة في رحلات جوية معتادة كانت قريبة منها للاتصال مع الطائرة الخارجة عن المسار، تمكن طاقمها بعد مضي 26 دقيقة من معاودة الاتصال ببرج المراقبة وإخطاره أن عطلا ما على ما يبدو قد تسبب في خروج الطائرة عن مسارها، لكن الحقيقة تم اكتشافها بعد هبوط الطائرة واعتراف الطيار ومساعده بأنهما قد غفيا بالوقت نفسه من دون أن يعي أحدهما بالآخر نتيجة للإرهاق الذي أصابهما جراء عدم تلقيهما راحة كافية بعد أداء الرحلات الجوية، ليفقد كلاهما وظيفتيهما بالشركة.

غفوة بألف
لم تكن الحادثة المذكورة الأولى في وقوع طاقم القيادة للطائرة في حالة غفوة عارضة، فقد وقع طياران بشركة الخطوط الجوية الفيتنامية في إحدى الرحلات الجوية الروتينية فوق التشيك في غفوة نوم كادت أن تؤدي إلى إسقاط الطائرة بمن فيها من ركاب وطاقم من قبل مقاتلات سلاح الجو التشيكي الذي واكب الطائرة لحين خروجها من الأجواء التشيكية، بعد أن صحا الطياران من غفوتهما القصيرة. وعادة ما تسمح شركات الطيران لطياريها بأخذ غفوة قصيرة لأحد الطيارين شريطة أن يبقى الآخر يقظا لكن قوانين الـFAA لا تسمح بذلك لأسباب تتعلق بالسلامة، وبالطبع لمنع وقوع كلا الطيارين (بعد أن أصبحت قمرات الطائرات تعمل بطيارين فقط) في النعاس من دون أن يكون هناك من يراقب الوضع.

جهود «ناسا»
منذ عام 1989 ووكالة الطيران والفضاء الوطنية (ناسا) منكبة في دراسة هذه الظاهرة وقامت بعدها بتجارب عدة لقياس مدى تأثير تلك الظاهرة على سلامة الطيران، فقد وجدت أن الطاقم الذي يأخذ قسطا من الراحة خصوصا على الرحلات البالغة الطول مدته لا تتجاوز 40 دقيقة يكون أكثر تركيزا ويقظة من أولئك الذين لا يأخذون أي فترة للراحة خصوصا في مرحلة الاقتراب من المدرج والهبوط، التي تعد الأكثر حرجا. لقد تبين أن غفوة لا تتجاوز الـ30 ثانية أثناء عملية الهبوط في نهاية رحلة جوية طويلة قد تجعل من الطيار يغفل عن وميض لمصباح تنبيه لخلل ما قد يطرأ على الطائرة أثناء ذلك، كافية لتهديد حياة الركاب إلى جانب الطاقم وتعريضهم للخطر.

خوذة «ناسا»!
يتطلب الطيران في معظم الأحيان تركيزا عاليا إلى جانب يقظة كاملة من قبل الطيارين، ومع زيادة ساعات التحليق فإن أولئك الطيارين قد يتعرضون للإجهاد وتشتت الذهن إلى جانب الضغوط المحيطة بحياتهم العملية، ولهذا تختبر وكالة «ناسا» خوذة معدلة تشبه إلى حد كبير تلك التي لطياري المقاتلات ولكن يحيط بها عدة وصلات ملحقة بجهاز كمبيوتر يعمل بالأشعة تحت الحمراء، حيث تقوم تلك الأشعة باختراق جلد الرأس وصولا إلى المخ لقياس كمية الدم التي يتم ضخها إليه، وذلك ضروري لتحديد مدى يقظة ونشاط الطيار لتحديد ما إذا بدأ يعاني الإجهاد والإرهاق. وتهدف هذه التجارب بواسطة تلك الخوذة، إلى معرفة القصور الذي قد يتعرض له ذهن الطيار أثناء مزاولته لعمله ومدى تأثير ضغط العمل عليه، وبالتالي يمكن معه تحسين نسبة اتخاذ الطيار للقرار السليم من دون أن يعرض نفسه وأفراد طاقمه والركاب للخطر.

طاقم مزدوج
مع دخول الطائرات الحديثة القادرة على الطيران من دون توقف لمدة قد تصل الى 20 ساعة مثل إيرباص A340-500 وبوينغ B777-200LR إلى الخدمة، فإن شركات عدة قد بدأت في تطبيق قوانين هيئة الطيران المدنية العالمية مثل FAA وغيرها والتي تنص على أن يكون هناك طيار احتياطي ثالث عندما تتجاوز مدة الرحلة الجوية 8 ساعات، فيما يتعين أن يكون هناك طاقم بديل أي طيارين احتياطيين للرحلات التي تتجاوز مدتها 12 ساعة، إلى جانب كابينة للراحة عند تبديل المناوبة بينهما، وقد جُهزت بوينغ وإيرباص طائراتها الحديثة من فئة البدن العريض بتلك الكبائن الموضوعة في سقف الكابينة الرئيسية للطائرة.
لقد أضحت الطائرات أكثر قدرة من حدود القدرة البشرية ولهذا بات من الضروري أن يتم تجهيز الطاقم بتجهيزات تكفل لهم مواكبة ذلك التطور.

هل يحل الروبوت محل الطيار
مسألة قصور الأداء في القدرات الجسدية والذهنية للعنصر البشري خصوصا بعد أن تم طرح طائرات ذات مديات بالغة الطول، يعيد طرح فكرة اعتماد الروبوت (الإنسان الآلي) كبديل للعنصر البشري، وخصوصا مع دخول الجيل الأول من طائرات القتال غير المأهولة إلى الخدمة الفعلية مع أسلحة الجو للدول المتقدمة حديثا. فالمفوضية الأوروبية خصصت ميزانية لأبحاث ترمي لدراسة جدوى تصنيع طائرات للنقل الجوي والشحن من دون طاقم قيادة بشري، وفي بريطانيا أعلن عن إمكانية تحليق الطائرات غير المأهولة جنبا إلى جنب الطائرات المدنية الأخرى ذات الطاقم البشري في الأجواء البريطانية بشكل مألوف ممكن في عام 2012، أي بعد 3 أعوام من الآن، وبالتالي ربما نشهد في منتصف العقد المقبل ظهور طائرات ركاب من دون طيارين، من يدري؟!... كل شيء ممكن!










https://www.alqabas.com.kw/Article.as...&date=16012009