د. عدنان بن عبد الله الشيحة
فاجأني تعليق مدير عام ''الخطوط السعودية'' المهندس خالد الملحم في جريدة ''الاقتصادية'' العدد 6889 بتاريخ 21 آب (أغسطس) 2012 حول النقاط الحرجة التي تواجه ''الخطوط السعودية'' والتي أوردتها في مقال سابق في جريدة ''الاقتصادية'' العدد 6865 بتاريخ 28 تموز (يوليو) 2012، فلم أتوقع أن تؤخذ الملاحظات على محمل النقد السلبي واتخاذ موقف دفاعي وردة فعل مبنية على النفي وعدم الاعتراف بوجود مشاكل. وهذا أمر جد خطير وينبئ عن ثقافة تنظيمية منغلقة لا تعتمد على التعلم والانفتاح والشفافية والتطوير والبحث عن الأخطاء والعمل على عدم تكرارها. كان القصد من إبراز تلك المشاكل بعموميتها هو لإيضاح أبعاد المشكلة الرئيسة، وإلا فالمقام ليس مقام تفصيل أو تبيان لحالات شاذة أو استثنائية فردية، فهذه مكانها صندوق الشكاوى (إن وجد)، ومع ذلك فقد سيقت عدة أمثلة ودلائل لتأكيد وجود قصور في الخدمات المقدمة. التنوية بوجود مشاكل من منطلق وطني صرف ورأي موضوعي بحت رغبة في معالجتها والانتقال بالناقل الوطني إلى وضع تنافسي أفضل تكون فيه الخدمة مميزة وراقية وسهلة وسلسة ومهنية. كما أنه لم يُتعمد بأي حال من الأحوال التغافل عن الجوانب الإيجابية والتقليل من الجهود المبذولة والنوايا الصادقة، ولكن الموضوع يتعلق بالتطوير ومواجهة التحديات وتخطي الصعاب وتجسير الهوة بين الوضع الراهن والوضع المرغوب فيه، وليس ذكر الإنجازات والتوقف عند محطة واحدة من التطوير. فكما يعلم الجميع هناك خطوط طيران خليجية حصدت جوائز عالمية واعتلت منصات التتويج وأصبحت تستقطب المسافرين السعوديين وتحملهم لكل ركن من أركان المعمورة. هذه حقيقة وإن كانت مرة، يجب أن نعترف بها وهي وحدها كافية لأن تعلن الطوارئ وتدق جرس الإنذار وتستنفر كل إمكاناتنا للتغلب عليها. ومع ذلك ما زال التفكير وأسلوب الإدارة بيروقراطيين وما زلنا نقبع في منطقة الراحة والأمان ونتصرف وكأن شيئا لم يكن أو أن المسؤولين في الخطوط لا يقرأون التقارير ولا يطلعون على التصنيفات العالمية أو لا يعيشون في العالم الذي نعيشه نفسه ويشاهدون الفرق الشاسع بين خدمة الناقل الوطني وشركات الطيران الإقليمية الذي لا تخطئه عين ولا يغفل عنه إحساس من خاض تجربة التعامل مع ''الخطوط السعودية'' وخطوط الطيران الأخرى. والدليل أن رد مدير عام الخطوط السعودية يعكس تلك الحالة من البيات الإداري فقد كان سردا لأنشطة وأعمال سماها حقائق وهي لا تعدو حديث عن المدخلات وحجم الإنفاق الكبير دون ربطها بالنتائج والتأثير النهائي على الأرض. فعملاء ''الخطوط السعودية'' لا يعنيهم أسلوب التنظيم، ولا الإجراءات الإدارية المتبعة، ولا كم أنفقت الخطوط السعودية، ولا كم دربت ولا يهمهم نوع وكفاءة نظام الحاسب الآلي المستخدم، ولكن المهم أن يكون الأداء مميزا والتعامل راقيا ومهنيا يحقق رضا العملاء، فالعبرة بالنتائج. ونتائج التقارير الدولية تشير إلى أن الناقل الوطني ما زال يقبع في ذيل القائمة في التصنيف العالمي، بينما الخطوط الخليجية حديثة النشأة تتنافس على المراتب العشر الأول. فالتصنيف الذي أصدره سكاي تراكس 2011 Skytrax على موقع جوائز خطوط الطيران
WORLD AIRLINE AWARDS | the Passengers Choice Awards يشير إلى أن الخطوط السعودية تحتل المرتبة 87 في العالم متقدمة بمرتبتين عن العام الماضي، ويوضح التقرير أن سبب حصول الخطوط الجوية السعودية على مركز متأخر يرجع لعدم تحقيقها رضا المسافرين على متن طائراتها، ولا الخدمات المقدمة في المطار. في المقابل احتلت الخطوط القطرية المرتبة الأولى في التصنيف نفسه للعام الثاني على التوالي، كما حافظ طيران الاتحاد على المرتبة السادسة للسنة الثانية، وجاءت الإماراتية في المرتبة الثامنة مقارنة بالعاشرة في العام الماضي، فيما تقدمت العمانية إلى المرتبة الـ 22 مقارنة بالمرتبة الـ 28 العام الماضي. أما العربية للطيران وهي طيران اقتصادي فقد احتلت المرتبة الثانية ضمن أفضل شركات الطيران أداء، كما ورد في جريدة ''أخبار الخليج'' العدد 12541 في 24 تموز (يوليو) 2012. هذه الإحصاءات تشير وبقوة إلى أن هناك مشكلة بحجم الهوة بين المستويات المتميزة لخطوط الطيران الخليجية والخطوط السعودية، وأنه يلزم العمل على إعادة النظر بأسلوب العمل والتقييم والأهداف والانعتاق من تعقيدات البيروقراطية.
هذه الإحصاءات تثير القلق وتتطلب يقظة استراتيجية، ومع ذلك فالنقاط التي أوردها مدير عام الخطوط في معظمها إنشائية عمومية لا تناقش جذور المشكلة ولا تحدد تاريخا للإنجاز ولا معايير مهنية للتطبيق ولا خطوات عملية جادة للارتقاء بجودة العمل وتحقق رضا العميل، ويبدو أنه يُكتفى بإجراء التحسينات على النهج التنظيمي نفسه، والسعي لتحقيق الأهداف العليا البيروقراطية، وإعداد تقارير ودراسات نمطية دون أن تتحول إلى تأثير حقيقي يلمسه عملاء السعودية. ماذا يعني زيادة عدد الرحلات بين الدمام والرياض وجدة، بينما تعاني مدن أخرى في الشمال والجنوب شح الرحلات؟ ماذا يعني التوسع الكبير في الخدمات الإلكترونية، بينما لا يستطيع المسافر استرجاع التذكرة أو على أقل تقدير تعديلها؟ ويضطر العميل لمراجعة مكاتب السعودية المزدحمة والمعقدة، وربما لا تتم خدمته؟! ماذا يعني تطوير خدمات مركز الحجز الموحد وتقليل مدة انتظار العميل على الخط إلى أدنى حد ممكن، دون تحديد الزمن الأعلى؟ ماذا يعني إعداد وتدريب الكوادر السعودية والارتقاء بمستوى التعامل وخدمات المسافرين مع استمرار الوضع على ما هو عليه دون المستوى المهني؟ فما زالت أرتال الصفوف الطويلة من العملاء تصطف أمام موظفين أقل ما يقال عن معظمهم أنهم غير مدربين أو ليس لديهم الدافعية للعمل؟ وعلى أن المدير العام للخطوط أشار إلى اتخاذ الإجراء النظامي الفوري حيال أي تجاوزات سلوكية أو تقصير في خدمة المسافرين لكن الإشكالية هي غياب المعايير المهنية والثقافة التنظيمية التي تحدد السلوكيات المقبولة وغير المقبولة ليمضي الجميع في متاهة من المسؤول وتبادل التهم.
المقال السابق عنوانه ''الخطوط السعودية.. هناك مشكلة'' وكنت أقصد أنه يلزم الاعتراف بوجود مشكلة لأن الاعتراف بها هو أول خطوات معالجتها، ولكن ما زال يتلبسنا شعور بالكمال الوهمي وتعليق الأخطاء والقصور على عوامل خارجية وأنه يكفي أن نعمل ونجتهد وننفق الأموال ونطبق الإجراءات الروتينية دون أن نسأل ماذا تحقق؟ المشكلة الحقيقة عندما لا نعترف بأننا جزء من المشكلة وبالتالي لا نكون جزءا من الحل. الكل يتطلع أن يحدث المهندس خالد الملحم نقلة نوعية في الخطوط السعودية كما فعل في شركة الاتصالات، والسبيل إلى ذلك في خصخصتها والانعتاق من التنظيم البيروقراطي.
https://www.aleqt.com/2012/08/25/article_685965.html