تصل الحافلة إلى الحي وتطلق نفيرها بمحاذاة المدخل. في اللحظات ذاتها، تستنفر عليا بعد أن تكون قد أنجزت استعداداتها: حمامٌ سريع، عطر على الملابس، حقيبة السفر الصغيرة، بعض الحاجيات، والزي الرسمي. تفتح الباب على مهلٍ كي لا توقظ زميلات أخريات موعد رحلتهنّ مختلف. بعدها، ضغط على أزرار المصعد، صعود في الحافلة، وانطلاق نحو المطار.
لا تختلف تجربة عليا عن تجربة أي مسافر، إلا في تكرارها اليومي. كل يوم في عاصمة، ولكنّ المبيت في المنزل نفسه إن كانت الرحلة قصيرة (بضع ساعات ذهاباً وإياباً)، في حين يكون للفنادق النصيب الأكبر من احتضان «جميلة السفر» في الرحلات البعيدة.
لا تختلف تجربة عليا عن تجربة أي مسافر، إلا في تكرارها اليومي. كل يوم في عاصمة، ولكنّ المبيت في المنزل نفسه إن كانت الرحلة قصيرة (بضع ساعات ذهاباً وإياباً)، في حين يكون للفنادق النصيب الأكبر من احتضان «جميلة السفر» في الرحلات البعيدة.
نادل / نادلة في الجو
ثلاث فتياتٍ لبنانيات يقطنّ في شقة مستأجرة في العاصمة الأردنية عمّان، لصالح شركة طيران عربية، وشاب يقطن في مدينة دبي في الإمارات العربيّة المتحدة، يعملون كمضيفي طيران. هو أمرٌ يحسدون عليه في العادة، لكنه يفرض عليهم صورة نمطية تختصرهم بجمال القوام.. بغض النظر عمّا يختزلونه من ثقافةٍ ومشاعر. من هم هؤلاء الشباب والفتيات؟ ما الذي دفعهم/نّ لاختيار هذه المهنة، ما هي الإيجابيات والسلبيات والأمور المتكتم عليها في هذه التجربة؟!
تعرّف إيلينا عن نفسها: «كمضيفة طيران، أنا أمشي فوق العالم، أقطع بين الغيوم، أعيش حياةً طبيعيّة، وأخدم وأنقذ الناس. أستمتع بوقتي، آكل، أنام، أضحك وأصاب بنوبات الغضب». في حين يشرح عماد عن العمل كمضيف جوي بالكلمات التالية: «جيد، ممتع، أماكن جديدة طوال الوقت وحضارات متعددة لاكتشافها»، ويضيف أنّ في مهنته: «لا مجال للروتين».
أمّا عليا (24 سنة)، فتمزح: «العمل ممتع لولا الخدمة فوق متن الطائرة»، مدركةً بأنّه السبب الذي تتقاضى لأجله مرتبها. أقبلت على هذه المهنة لأسباب عدة، من بينها أن «فكرة السفر حول الدنيا مغرية». أمّا إيلينا فتعتبر وظيفتها الحالية محض صدفة، بعد أن تعلن: «أحب الناس وأخذ المسؤولية والاهتمام بهم في اللحظات الحرجة، أنا إنسانة سعيدة وأشكر الله».
تخالف ميراي رأي زميلاتها، بالقول: «من أسوأ اللحظات عندما يبدأ الناس بالتذمر وطلب الأمور المستعصية على متن الطائرة. ماذا تظن وظيفتي؟ أنا مجرد نادلة ولكن على متن طائرة!». وتضيف: «أحياناً يكون العمل مزعجاً، بعض الأشخاص ينظرون إلينا بطريقة مريبة!». تعود إيلينا لتخبر عن الأمور التي لا تنساها: «السفرات الطويلة، وإحدى المرات التي لم تستطع فيها أن تساعد رجلاً عجوزاً مريضاً بجوار مطبخ الطائرة (في الخلف) لم تجد سوى الدموع ملاذاً». لكن أن تلتقي بالفريق البرازيلي لكرة القدم مثلا، فهي من إحدى أجمل الصدف، كما جرى مع عماد أثناء السفر من ساو باولو. لا يخفي بالطبع امتعاضه من «التعامل مع بعض الركاب ومن إجراءات الأمن والتفتيش في العديد من الدول بحق الرعايا العرب».
تعرّف إيلينا عن نفسها: «كمضيفة طيران، أنا أمشي فوق العالم، أقطع بين الغيوم، أعيش حياةً طبيعيّة، وأخدم وأنقذ الناس. أستمتع بوقتي، آكل، أنام، أضحك وأصاب بنوبات الغضب». في حين يشرح عماد عن العمل كمضيف جوي بالكلمات التالية: «جيد، ممتع، أماكن جديدة طوال الوقت وحضارات متعددة لاكتشافها»، ويضيف أنّ في مهنته: «لا مجال للروتين».
أمّا عليا (24 سنة)، فتمزح: «العمل ممتع لولا الخدمة فوق متن الطائرة»، مدركةً بأنّه السبب الذي تتقاضى لأجله مرتبها. أقبلت على هذه المهنة لأسباب عدة، من بينها أن «فكرة السفر حول الدنيا مغرية». أمّا إيلينا فتعتبر وظيفتها الحالية محض صدفة، بعد أن تعلن: «أحب الناس وأخذ المسؤولية والاهتمام بهم في اللحظات الحرجة، أنا إنسانة سعيدة وأشكر الله».
تخالف ميراي رأي زميلاتها، بالقول: «من أسوأ اللحظات عندما يبدأ الناس بالتذمر وطلب الأمور المستعصية على متن الطائرة. ماذا تظن وظيفتي؟ أنا مجرد نادلة ولكن على متن طائرة!». وتضيف: «أحياناً يكون العمل مزعجاً، بعض الأشخاص ينظرون إلينا بطريقة مريبة!». تعود إيلينا لتخبر عن الأمور التي لا تنساها: «السفرات الطويلة، وإحدى المرات التي لم تستطع فيها أن تساعد رجلاً عجوزاً مريضاً بجوار مطبخ الطائرة (في الخلف) لم تجد سوى الدموع ملاذاً». لكن أن تلتقي بالفريق البرازيلي لكرة القدم مثلا، فهي من إحدى أجمل الصدف، كما جرى مع عماد أثناء السفر من ساو باولو. لا يخفي بالطبع امتعاضه من «التعامل مع بعض الركاب ومن إجراءات الأمن والتفتيش في العديد من الدول بحق الرعايا العرب».
التعب والأتعاب
تقضي عليا حوالى 75 ساعة في الجو شهرياً. تجول في معظمها بين العواصم العربيّة وأحياناً في سفراتٍ طويلة. في حين أنّ إيلينا تنتقل إلى 16 وجهة مختلفة قاطعة أكثر من 90 ساعة شهرياً في الجو. أمّا عماد فيحسب سفراته على الشكل التالي: «بالمعدل هي 3 سفرات طويلة (بين القارات) و5 قصيرة، لكن من الممكن أن يرتفع الرقم إلى 6 سفرات قاريّة».
تتراوح أجور العاملين كمضيفين بحسب الخبرة (السنوات) وعدد الساعات ونوع الرحلة، ولكنّ المعدل هو بين 2000 و2500 دولار كراتب. تقول إيلينا إنها ما تزال تدين لجامعتها بمبلغ خمسة آلاف دولار لتحصل على شهادتها، ولذلك تعمل كمضيفة على أمل أن تستطيع جمع المبلغ المطلوب والدوران حول العالم في عامين، ومن ثمّ الشروع في مهنة المحاماة. تقوم بإرسال 700 دولار على الأقل إلى لبنان، والمعيشة في الأردن غالية، فلا تقدر على حصر النفقات. تقول عليا: «حلمي أن أجمع قرشين وأنهي دراستي ومن ثمّ العمل في مجال تخصصي وأصبح أفضل قليلاُ من مضيفة جوية». يقوم عماد بتحويل قسم من راتبه إلى ذويه، ويحلم بأن ينشئ عمله الخاص ولكنه يتحسر لأنّ الأمر يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل بتقديره
تتراوح أجور العاملين كمضيفين بحسب الخبرة (السنوات) وعدد الساعات ونوع الرحلة، ولكنّ المعدل هو بين 2000 و2500 دولار كراتب. تقول إيلينا إنها ما تزال تدين لجامعتها بمبلغ خمسة آلاف دولار لتحصل على شهادتها، ولذلك تعمل كمضيفة على أمل أن تستطيع جمع المبلغ المطلوب والدوران حول العالم في عامين، ومن ثمّ الشروع في مهنة المحاماة. تقوم بإرسال 700 دولار على الأقل إلى لبنان، والمعيشة في الأردن غالية، فلا تقدر على حصر النفقات. تقول عليا: «حلمي أن أجمع قرشين وأنهي دراستي ومن ثمّ العمل في مجال تخصصي وأصبح أفضل قليلاُ من مضيفة جوية». يقوم عماد بتحويل قسم من راتبه إلى ذويه، ويحلم بأن ينشئ عمله الخاص ولكنه يتحسر لأنّ الأمر يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل بتقديره
الطائر والسرب
يعيش معظم المضيفين/المضيفات الجويين في عواصم مختلفة لوحدهم، فرادى أو جماعات. هم أشبه بطائر يغرّد في الأعالي مبتعداً عن السرب (الوطن)، ولكلٍ منهم علاقته بهذا الوطن الذي يختم على أوراق جوازه عناوين مغامراتهم. تقول إيلينا: «أنا مدمنة على العيش لوحدي، ولكنني أشعر بالوحدة أحياناً، لم أجد من أثق به في هذه الوظيفة، لا استقرار عندي ولكنني سعيدة».
يخالفها عماد، الاجتماعي بطبعه، الرأي: «العمل في الخارج يرافقه دائماً الشعور بالشوق، الشوق للعائلة، للأصدقاء، للأرض.. أمّا العيش المنفرد فهو قاتل بالنسبة لي، قد تكمن إيجابياته أحياناً في المساحة المتاحة للتفكير». لا تمانع عليا من العيش بمفردها، فهي تعتبرها تجربة مفيدة تعلم العديد من الأمور وتحمل المسؤولية.
علاقة المد والجزر مع لبنان واضحة في كلمات وغصات كلٍ من عماد وإيلينا. تقول الفتاة الزحلاويّة: «أجيء إلى لبنان كل 15 يوما لقضاء يومين، أكره فكرة الابتعاد عن الأهل والأصحاب، دفعتني الأسباب السياسيّة للهروب من لبنان». تعلن أنها لم تجد في أي سياسي لبناني ما يبقيها في وطنها. تقابل على متن الطائرة لبنانيين في رحلات مختلفة، تقسمهم لنوعين: «القسم الأول في السفرات الطويلة، وهم ظرفاء وأجد بهم ملاذاً، أما في السفرات القصيرة فتجدهم يسألون كثيراً ويريدون الحصول على كل شيء في سفرة الخمسين دقيقة».
يحاول عماد العودة إلى لبنان كل ثلاثة أشهر، يتابع دائماً أخبار الصحف، والقنوات اللبنانيّة ويتفقد المعلومات على الإنترنت. يتمنى لو أنه لم يغادر الوطن، يتحسّر قائلاً: «لكنّ الوضع السياسي، والأزمات الاقتصاديّة، وغياب الاستقرار أمور دفعتني مثل آلاف الشباب غيري للمغادرة». ومع كل الصعاب والأمور المزعجة التي يواجهها المضيفون والمضيفات، اتفق الجميع على عدم الندم على هذا الخيار المهني. فالعودة إلى لبنان تعني بالنسبة لهم ما يلي: «إمّا بطالة أو معاشات متدنيّة»، أو «الاختفاء من الوجود بسبب مشكل سياسي!».. ورغم ذلك، يختم عماد، الذي جال العالم كلّه، بأنه لم يجد مكاناً أفضل من لبنان
يخالفها عماد، الاجتماعي بطبعه، الرأي: «العمل في الخارج يرافقه دائماً الشعور بالشوق، الشوق للعائلة، للأصدقاء، للأرض.. أمّا العيش المنفرد فهو قاتل بالنسبة لي، قد تكمن إيجابياته أحياناً في المساحة المتاحة للتفكير». لا تمانع عليا من العيش بمفردها، فهي تعتبرها تجربة مفيدة تعلم العديد من الأمور وتحمل المسؤولية.
علاقة المد والجزر مع لبنان واضحة في كلمات وغصات كلٍ من عماد وإيلينا. تقول الفتاة الزحلاويّة: «أجيء إلى لبنان كل 15 يوما لقضاء يومين، أكره فكرة الابتعاد عن الأهل والأصحاب، دفعتني الأسباب السياسيّة للهروب من لبنان». تعلن أنها لم تجد في أي سياسي لبناني ما يبقيها في وطنها. تقابل على متن الطائرة لبنانيين في رحلات مختلفة، تقسمهم لنوعين: «القسم الأول في السفرات الطويلة، وهم ظرفاء وأجد بهم ملاذاً، أما في السفرات القصيرة فتجدهم يسألون كثيراً ويريدون الحصول على كل شيء في سفرة الخمسين دقيقة».
يحاول عماد العودة إلى لبنان كل ثلاثة أشهر، يتابع دائماً أخبار الصحف، والقنوات اللبنانيّة ويتفقد المعلومات على الإنترنت. يتمنى لو أنه لم يغادر الوطن، يتحسّر قائلاً: «لكنّ الوضع السياسي، والأزمات الاقتصاديّة، وغياب الاستقرار أمور دفعتني مثل آلاف الشباب غيري للمغادرة». ومع كل الصعاب والأمور المزعجة التي يواجهها المضيفون والمضيفات، اتفق الجميع على عدم الندم على هذا الخيار المهني. فالعودة إلى لبنان تعني بالنسبة لهم ما يلي: «إمّا بطالة أو معاشات متدنيّة»، أو «الاختفاء من الوجود بسبب مشكل سياسي!».. ورغم ذلك، يختم عماد، الذي جال العالم كلّه، بأنه لم يجد مكاناً أفضل من لبنان
تعليق