من يقود هذه الطائرة ؟! نهاية دور الطيارين
بول ماركس
ترجمة صفية مختار
١٩ يناير ٢٠١٥
......
الطيار الآلي يمكن أن يجعل الأخطاء البشرية أمرًا من الماضي؛ لكن هل ستوافق على الصعود على متن طائرة تتحكم فيها آلة بدلًا من الطيار؟
١ يونيو ٢٠٠٩: كانت طائرة الرحلة ٤٤٧ التابعة لشركة إير فرانس متجهة من ريو دي جانيرو إلى باريس عندما ضربتْها عاصفة استوائية في منتصف المحيط الأطلنطي. وبعد عدة دقائق، سقطتْ الطائرة — التي كانتْ من طراز إيرباص إيه ٣٣٠ — في المحيط وأسفر الحادث عن مقتل ٢٢٨ شخصًا كانوا على متْنها.
وبعد أربع سنوات، في صباح يوم مشرق من شهر يوليو أثناء اقتراب طائرة تابعة لخطوط أسيانا الجوية من مطار سان فرانسيسكو، ارتطمتْ بالجدار البحري المواجه للمَدْرَج، وانفصلتْ مجموعة الذيل بأكملها، وأخذ جسم الطائرة المتحطِّم ينقلب في حركة دائرية على المَدْرَج، وأسفر الحادث عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة العشرات.
بول ماركس
ترجمة صفية مختار
١٩ يناير ٢٠١٥
......
الطيار الآلي يمكن أن يجعل الأخطاء البشرية أمرًا من الماضي؛ لكن هل ستوافق على الصعود على متن طائرة تتحكم فيها آلة بدلًا من الطيار؟
١ يونيو ٢٠٠٩: كانت طائرة الرحلة ٤٤٧ التابعة لشركة إير فرانس متجهة من ريو دي جانيرو إلى باريس عندما ضربتْها عاصفة استوائية في منتصف المحيط الأطلنطي. وبعد عدة دقائق، سقطتْ الطائرة — التي كانتْ من طراز إيرباص إيه ٣٣٠ — في المحيط وأسفر الحادث عن مقتل ٢٢٨ شخصًا كانوا على متْنها.
وداعًا أيُّها الطيار!
وبعد أربع سنوات، في صباح يوم مشرق من شهر يوليو أثناء اقتراب طائرة تابعة لخطوط أسيانا الجوية من مطار سان فرانسيسكو، ارتطمتْ بالجدار البحري المواجه للمَدْرَج، وانفصلتْ مجموعة الذيل بأكملها، وأخذ جسم الطائرة المتحطِّم ينقلب في حركة دائرية على المَدْرَج، وأسفر الحادث عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة العشرات.
تبدو هاتان الحادثتان غير مترابطتين، لكنهما تشتركان في وجهِ شَبَهٍ مأساويٍّ؛ أَلَا وهو اعتقاد قائد كل طائرة أن أنظمة التحكم في طائرته سوف تمنع بشكل تلقائي انخفاضَ الطائرة بشكل كبير، وستَحُول دون الطيران البطيء الذي يستحيل معه بقاء الطائرة في الجو، لكنهم كانوا مخطئين.
لقد اتضح أن هذا النوع من الْتِباس الأمور يُعَدُّ سببًا أساسيًّا في عدد من حوادث تحطم الطائرات، بل إن هذا الالتباس في طريقه ليصبح أسوأ؛ فمع تحويل كثير من المهام إلى التشغيل التلقائي، من الممكن أن يُصاب الطيار بالارتباك عندما تخرج الأمور بشكل خطير عن مسارها الصحيح، فلا يعرف أين تنتهي مسئولية الطيار الآلي وأين تبدأ مسئوليته؛ وهذا ما يؤدِّي حتمًا إلى كارثة (انظر الرسم البياني).
إذن هل حان وقت التخلي عن الطيار البشري تمامًا؟ بالتأكيد كثير من المؤسسات في هذا المجال تميل لهذا الرأي؛ فهم يرون أنه من الأفضل بكثير أن تحلِّق الطائرات ذاتيًّا، تحت إشراف طيارين جالسين في مكتب على بُعْد آلاف من الكيلومترات. ومن باب تحرِّي السلامة، يبدو هذا التوجُّه منطقيًّا أيضًا؛ إذ ثبت أن أخطاء طاقم الطائرة هي المتسببة في نصف حوادث الطيران المميتة تقريبًا (انظر الشكل).
إضافة إلى تحسين مستوى السلامة، فإن طائرات الركاب التي تطير بدون طيار يمكن أن توفر تكاليفَ خرافيةً لشركات الطيران والركاب على حدٍّ سواء؛ فبدون الطيارين ستنفق شركات الطيران مبالغ أقل بكثير على المرتبات وتدريبات محاكاة الطيران، والرعاية الصحية، والمَبِيت في الفنادق لاستئناف الرحلات، ومزايا التقاعُد، حسبما تقول ماري كامينجز؛ الباحثة في مجال الطيران الذاتي في جامعة دوك في دورام في كارولاينا الشمالية. ويجب أن يُترجَم هذا إلى أُجْرة سَفَر أقلَّ. وستكون الطائرات الذاتيةُ التحليق أكثرَ كفاءة في حرق الوقود؛ مما سيساعد على خفض التكاليف وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة. ومع عدم احتلال الطاقم للطرف المدبَّب للطائرة، سيصبح متاحًا أمام ركاب المقاعد الأمامية منظرٌ بانوراميٌّ رائع، بشرط أن يدفعوا أجرة إضافية بالطبع. ويظل أمامنا سؤال أساسي؛ ألا وهو: كيف سيكون شعورك وأنت على متن طائرة لا يقودها إنسان؟
وترتكز هذه الثورة التكنولوجية على حقيقة بسيطة تتمثل في أن أجهزة الكمبيوتر تقوم بالكثير من المهام على متن الطائرات لدرجة أن الطيارين نادرًا ما يضطرون إلى تولِّي القيادة. ويمكن لأجهزة الكمبيوتر المسئولة عن الطيران الآلي أن تتولَّى قيادة الطيارة عندما تصبح على ارتفاع ٣٠ مترًا فحسب من الأرض، وأن تلتزم بالسرعة والمسار والارتفاع التي أدخلها الطاقم في نظام التحكم في الطيران. ولطالما كان الكمبيوتر قادرًا على تتبع المنارة اللاسلكية للمَدْرَج والهبوط بالطائرة ذاتيًّا.
ورغم ذلك، تقدِّم الأَتْمَتَة تحديات جديدة للطيارين؛ فعندما تواجه كمبيوترات الطيران الآلي مواقفَ لم تُبرمج على التعامل معها — مثل تعرض هيكل الطائرة للتلَف أو مواجهة ظروف جوية قاسية مثل التي واجهتْها الرحلة ٤٤٧ — فإنها من الممكن أن تلقي بزمام المسئولية فجأة ليعود إلى الطيارين. وقد يرتبك هؤلاء الطيارون من قَدْر المسئولية الذي أُلقي فجأة على كاهلهم بعد أن أصبحتِ الأمور في غاية الخطورة. وعلى القدْر نفسِه من الخطورة أن أجهزة الكمبيوتر بكابينة القيادة يمكن أن تُثقِل كاهل الطيارين بعدد هائل من التنبيهات وقوائم التدقيق والإنذارات الصوتية في اللحظات الحَرِجة. فعلى سبيل المثال، في نوفمبر ٢٠١٠، انفجر أحد المحركات في طائرة الرحلة ٣٢ التابعة لشركة كانتاس، التي كان على متنها ٤٦٩ شخصًا، وتسبب انفجار هذا المحرك في قطع ٦٥٠ سلكًا من أسلاك التحكم. وعلى الرغم من ذلك، فإنه عندما حاول الطيار ريتشارد دي كريبني الهبوط في سنغافورة، شتَّتَ تركيزَه ومساعدِه ١٢٠ قائمة تعليمات كانتْ تومض على الشاشات أمامهما.
وتدرك إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية أن البشر وأجهزة الكمبيوتر قد لا يمثلون التركيبة الأكثر أمنًا في رحلات الطيران. وفي عام ٢٠١٣ نُشِرت نتائج لدراسة استمرت سبع سنوات، كشفت عن مجموعة من الأخطار ناجمة عن الجمع بين البشر وأجهزة الطيران الآلي في مقصورة القيادة. ووجدتْ كاثي أبوت — كبيرة المحققين في إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية — أن الطيارين في العادة «يبالغون في الاعتماد» على أنظمة الطيران الآلي «ويترددون في التدخل حتى عندما يشتبهون في أن الأنظمة لا تعمل على النحو المطلوب.» ويحذر التقرير من أن الطيارين ما زال يختلط عليهم أمر تقييم حالة نظام الطيران الآلي.
على المدى القصير، تحاول شركات الطيران تقليلَ هذه المخاطر من خلال إعادة تصميم أنظمة الكمبيوتر وإعطاء الطيارين تدريبات إضافية. أمَّا على المدى البعيد، فقد يبدو التقليل من الاعتماد على الأَتْمَتَة في مقصورة القيادة حلًّا حكيمًا. وعلى الرغم من ذلك، فكثير من الشركات العاملة في مجال الطيران تسلك اتجاهًا آخر يتمثل في تقليل دور البشر المحتمل ارتكابُهم الأخطاءَ في مقصورة القيادة إلى حدٍّ أكبر.
بدأ اتحادٌ من الشركات المصنِّعة للطائرات، يضمُّ كلًّا مِن بوينج وإيرباص وبي إيه إي سيستمز وداسو، مشروعًا بحثيًّا مُدَّتُه أربعُ سنوات، وتكلفتُه ٣٠ مليون يورو؛ لتقديم دعمٍ حاسوبيٍّ للطيارين أثناء حالات الطوارئ. ويطلق على هذا المشروع اسم أكروس (المقصورة المتطورة لتقليل ضغط وأعباء العمل)، ويهدف إلى استخدام أجهزة الكمبيوتر للمساعدة في تقليل الزيادة البالغة الخطورة في أعباء العمل التي يمكن أن تؤدِّي إلى التشوش خلال أزمة من الأزمات. وتتمثل فكرة المشروع في أن الأَتْمَتة سوف تساعد الطيارَ أو مساعدَ الطيار على قيادة الطائرة في حالة عجز الآخر. ويمتدُّ هدف المشروع إلى أفق أبعدَ مِن ذلك؛ فمن أهدافه أن يحدِّد التحديات الأساسية اللازمة لصنع نظام طيران آلي يحلُّ محلَّ مساعد الطيار تمامًا؛ أي يسمح لطيار واحد فقط بالعمل بدايةً من إقلاع الطائرة.
ومن ناحية أخرى، حتى إذا تمكَّن الذكاء الاصطناعي الفائق من مزاولة مهام مساعد الطيار على نحوٍ جيِّد، فماذا سيحدث إذا أصبح الطيار الوحيد عاجزًا عن القيادة؟ حسبما تقول كامينجز، فإن أي مساعد طيار مُحَوسَب يتميَّز بالكفاءة اللازمة للعمل مع شخص وحيد لا بد أن يكون قادرًا على الاضطلاع بالسيطرة الكاملة — المتمثلة في الإقلاع والطيران والهبوط بالطائرة من تلقاء نفسه بالكامل — في حالة سقوط الطيار مريضًا. فلماذا نشغل بالَنا بالبشر؟ إن عدم وجودهم سيقلل بالتأكيد من احتمال التشوش.
بَشَر فائضون عن حاجة العمل؟
لقد اتضح أن هذا النوع من الْتِباس الأمور يُعَدُّ سببًا أساسيًّا في عدد من حوادث تحطم الطائرات، بل إن هذا الالتباس في طريقه ليصبح أسوأ؛ فمع تحويل كثير من المهام إلى التشغيل التلقائي، من الممكن أن يُصاب الطيار بالارتباك عندما تخرج الأمور بشكل خطير عن مسارها الصحيح، فلا يعرف أين تنتهي مسئولية الطيار الآلي وأين تبدأ مسئوليته؛ وهذا ما يؤدِّي حتمًا إلى كارثة (انظر الرسم البياني).
ما سبب تحطم الطائرة؟ غالبية حوادث الطائرات المؤدِّية للوفاة ترجع لأسباب بشرية.
إذن هل حان وقت التخلي عن الطيار البشري تمامًا؟ بالتأكيد كثير من المؤسسات في هذا المجال تميل لهذا الرأي؛ فهم يرون أنه من الأفضل بكثير أن تحلِّق الطائرات ذاتيًّا، تحت إشراف طيارين جالسين في مكتب على بُعْد آلاف من الكيلومترات. ومن باب تحرِّي السلامة، يبدو هذا التوجُّه منطقيًّا أيضًا؛ إذ ثبت أن أخطاء طاقم الطائرة هي المتسببة في نصف حوادث الطيران المميتة تقريبًا (انظر الشكل).
انظروا، إنني أقود الطائرة دون أن أستخدم يديَّ: منذ ما يزيد على قرن والمهندسون يعكفون على اختبار طائرات مصمَّمة للقيادة ذاتيًّا.
إضافة إلى تحسين مستوى السلامة، فإن طائرات الركاب التي تطير بدون طيار يمكن أن توفر تكاليفَ خرافيةً لشركات الطيران والركاب على حدٍّ سواء؛ فبدون الطيارين ستنفق شركات الطيران مبالغ أقل بكثير على المرتبات وتدريبات محاكاة الطيران، والرعاية الصحية، والمَبِيت في الفنادق لاستئناف الرحلات، ومزايا التقاعُد، حسبما تقول ماري كامينجز؛ الباحثة في مجال الطيران الذاتي في جامعة دوك في دورام في كارولاينا الشمالية. ويجب أن يُترجَم هذا إلى أُجْرة سَفَر أقلَّ. وستكون الطائرات الذاتيةُ التحليق أكثرَ كفاءة في حرق الوقود؛ مما سيساعد على خفض التكاليف وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة. ومع عدم احتلال الطاقم للطرف المدبَّب للطائرة، سيصبح متاحًا أمام ركاب المقاعد الأمامية منظرٌ بانوراميٌّ رائع، بشرط أن يدفعوا أجرة إضافية بالطبع. ويظل أمامنا سؤال أساسي؛ ألا وهو: كيف سيكون شعورك وأنت على متن طائرة لا يقودها إنسان؟
وترتكز هذه الثورة التكنولوجية على حقيقة بسيطة تتمثل في أن أجهزة الكمبيوتر تقوم بالكثير من المهام على متن الطائرات لدرجة أن الطيارين نادرًا ما يضطرون إلى تولِّي القيادة. ويمكن لأجهزة الكمبيوتر المسئولة عن الطيران الآلي أن تتولَّى قيادة الطيارة عندما تصبح على ارتفاع ٣٠ مترًا فحسب من الأرض، وأن تلتزم بالسرعة والمسار والارتفاع التي أدخلها الطاقم في نظام التحكم في الطيران. ولطالما كان الكمبيوتر قادرًا على تتبع المنارة اللاسلكية للمَدْرَج والهبوط بالطائرة ذاتيًّا.
ورغم ذلك، تقدِّم الأَتْمَتَة تحديات جديدة للطيارين؛ فعندما تواجه كمبيوترات الطيران الآلي مواقفَ لم تُبرمج على التعامل معها — مثل تعرض هيكل الطائرة للتلَف أو مواجهة ظروف جوية قاسية مثل التي واجهتْها الرحلة ٤٤٧ — فإنها من الممكن أن تلقي بزمام المسئولية فجأة ليعود إلى الطيارين. وقد يرتبك هؤلاء الطيارون من قَدْر المسئولية الذي أُلقي فجأة على كاهلهم بعد أن أصبحتِ الأمور في غاية الخطورة. وعلى القدْر نفسِه من الخطورة أن أجهزة الكمبيوتر بكابينة القيادة يمكن أن تُثقِل كاهل الطيارين بعدد هائل من التنبيهات وقوائم التدقيق والإنذارات الصوتية في اللحظات الحَرِجة. فعلى سبيل المثال، في نوفمبر ٢٠١٠، انفجر أحد المحركات في طائرة الرحلة ٣٢ التابعة لشركة كانتاس، التي كان على متنها ٤٦٩ شخصًا، وتسبب انفجار هذا المحرك في قطع ٦٥٠ سلكًا من أسلاك التحكم. وعلى الرغم من ذلك، فإنه عندما حاول الطيار ريتشارد دي كريبني الهبوط في سنغافورة، شتَّتَ تركيزَه ومساعدِه ١٢٠ قائمة تعليمات كانتْ تومض على الشاشات أمامهما.
وتدرك إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية أن البشر وأجهزة الكمبيوتر قد لا يمثلون التركيبة الأكثر أمنًا في رحلات الطيران. وفي عام ٢٠١٣ نُشِرت نتائج لدراسة استمرت سبع سنوات، كشفت عن مجموعة من الأخطار ناجمة عن الجمع بين البشر وأجهزة الطيران الآلي في مقصورة القيادة. ووجدتْ كاثي أبوت — كبيرة المحققين في إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية — أن الطيارين في العادة «يبالغون في الاعتماد» على أنظمة الطيران الآلي «ويترددون في التدخل حتى عندما يشتبهون في أن الأنظمة لا تعمل على النحو المطلوب.» ويحذر التقرير من أن الطيارين ما زال يختلط عليهم أمر تقييم حالة نظام الطيران الآلي.
على المدى القصير، تحاول شركات الطيران تقليلَ هذه المخاطر من خلال إعادة تصميم أنظمة الكمبيوتر وإعطاء الطيارين تدريبات إضافية. أمَّا على المدى البعيد، فقد يبدو التقليل من الاعتماد على الأَتْمَتَة في مقصورة القيادة حلًّا حكيمًا. وعلى الرغم من ذلك، فكثير من الشركات العاملة في مجال الطيران تسلك اتجاهًا آخر يتمثل في تقليل دور البشر المحتمل ارتكابُهم الأخطاءَ في مقصورة القيادة إلى حدٍّ أكبر.
بدأ اتحادٌ من الشركات المصنِّعة للطائرات، يضمُّ كلًّا مِن بوينج وإيرباص وبي إيه إي سيستمز وداسو، مشروعًا بحثيًّا مُدَّتُه أربعُ سنوات، وتكلفتُه ٣٠ مليون يورو؛ لتقديم دعمٍ حاسوبيٍّ للطيارين أثناء حالات الطوارئ. ويطلق على هذا المشروع اسم أكروس (المقصورة المتطورة لتقليل ضغط وأعباء العمل)، ويهدف إلى استخدام أجهزة الكمبيوتر للمساعدة في تقليل الزيادة البالغة الخطورة في أعباء العمل التي يمكن أن تؤدِّي إلى التشوش خلال أزمة من الأزمات. وتتمثل فكرة المشروع في أن الأَتْمَتة سوف تساعد الطيارَ أو مساعدَ الطيار على قيادة الطائرة في حالة عجز الآخر. ويمتدُّ هدف المشروع إلى أفق أبعدَ مِن ذلك؛ فمن أهدافه أن يحدِّد التحديات الأساسية اللازمة لصنع نظام طيران آلي يحلُّ محلَّ مساعد الطيار تمامًا؛ أي يسمح لطيار واحد فقط بالعمل بدايةً من إقلاع الطائرة.
ومن ناحية أخرى، حتى إذا تمكَّن الذكاء الاصطناعي الفائق من مزاولة مهام مساعد الطيار على نحوٍ جيِّد، فماذا سيحدث إذا أصبح الطيار الوحيد عاجزًا عن القيادة؟ حسبما تقول كامينجز، فإن أي مساعد طيار مُحَوسَب يتميَّز بالكفاءة اللازمة للعمل مع شخص وحيد لا بد أن يكون قادرًا على الاضطلاع بالسيطرة الكاملة — المتمثلة في الإقلاع والطيران والهبوط بالطائرة من تلقاء نفسه بالكامل — في حالة سقوط الطيار مريضًا. فلماذا نشغل بالَنا بالبشر؟ إن عدم وجودهم سيقلل بالتأكيد من احتمال التشوش.
بَشَر فائضون عن حاجة العمل؟
ويدعم وجهةَ النظر السالفةَ الذكْر دراسةٌ في ٢٠١٣ قام بها فريقٌ في مركز أبحاث إيمز — التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا — فقد وجدتِ الدراسةُ أن نظام الطيران الآلي لجيل جديد من الطائرات النفَّاثة الخفيفة للغاية، التي يقودها طيار وحيد، ما زال يؤدِّي إلى تراكُم أعباء عمل كثيرة تُثقِل كاهلَ الطيار «لدرجة حدوث أخطاء في الملاحة والتوجيه».
وتستطرد كامينجز قائلة: «كل الباحثين في مجال الطيران يدركون أن الانتقال من الاعتماد على طيارَيْنِ اثنيْن إلى الاعتماد على طيار واحد هو خطوة وسيطة ستسمح لنا بالانتقال من الاعتماد على طيار واحد إلى عدم الاعتماد على أيِّ طيارين.»
في الواقع، تعتَقِد كامينجز أن عصر الطائرات المُؤَتْمَتَة بالكامل قادم لا محالة. وخلال عملها السابق كطيار في البحرية الأمريكية، أدركتْ أن نظام الطيران الآلي في طائرتها النفَّاثة المقاتِلة جعلها زائدة عن حاجة العمل. وعن هذه التجربة تقول إنه يستطيع الهبوط بالطائرة على سطح حاملة الطائرات أفضلَ من الطيار البشري، وتضيف: «إنه يضبط الاتجاه والسرعة الجوية والارتفاع أسرع مما أستطيع أن أقوم به.»
يتفوق الكمبيوتر على الإنسان في العمليات التي تستغرق أجزاء من الثانية؛ لأن التواصل بين العين والدماغ أبطأ من عملية الإرسال من المستشعِر إلى المعالِج. وتعلِّق كامينجز قائلة: «ما بين وقت رؤية المؤثِّر المستدعي للتصرف إلى وقت التصرف يمر نصف ثانية على أفضل تقدير»، في حين يستغرق الكمبيوتر مجرد أجزاء قليلة من الثانية تُقدَّر بوحدة الميلِّي ثانية للتعرف على إشارات المستشعِر والاستجابة لها، «والبشر لا يستطيعون مواكبة ذلك.»
وتؤكِّد تجربة الطائرات العسكرية الأمريكية بدون طيار هذا الأمرَ؛ فقد انخفض معدَّل تحطُّم الطائرات انخفاضًا ملحوظًا كلما زادتْ نسبة أَتْمَتة تلك الطائرات. وبصفة خاصة، حدثتْ تلك التحسينات من خلال منع الطيارين من الإقلاع والهبوط بالطائرة؛ ففي هاتين العمليَّتَيْن تَكْثُر حوادث التحطُّم. وتعلق كامينجز قائلة: «يكاد الإقلاع والهبوط يكونان من أكبر الأعباء التي يتحملها الطيارون؛ فتقريبًا نصف حوادث الطائرات المميتة تحدث خلال هاتين المرحلتين من الطيران.»
إذن كم يلزمنا من الوقت كي نحصل على طائرات ركاب بدون طيار؟ حسنًا، يمكن القول إنه بطريقة أو بأخرى توجد بالفعل طائرة ركاب دون طيار؛ فقد سافرتْ طائرة نفاثة بدون طيار تابعة لشركة طيران بي إيه إي سيستمز في رحلات قطعتْ فيها مسافة ٨٠٠ كيلومتر لمعرفة كيف تتعامل الطائرة مع الطائرات الأخرى والمراقبين الجويين، على الرغم من أنها ما زالتْ تضم طاقمًا على متنها تحسُّبًا للظروف.
ويمكن القول بأن الطائرة النفاثة تضم بدايات الذكاء الاصطناعي، الذي سوف تحتاجه الطائرات بدون طيار، متمثِّلة في برنامج إدارة طيران ذكي يُطلَق عليه «معالج التكامل الجوي». يتجنَّب معالج التكامل الجوي حوادث الاصطدام باستخدام مستشعِرات لاسلكية ورادارية ومستشعِرات تعتمد على الكاميرات، ويتواصل مع طيار أرضي من خلال الأقمار الصناعية. ويقول رود بيوكانان — مهندس الطيران في شركة بي إيه إي: «بعد إعطائه إحداثيات الوِجْهة، يمكن لمعالِج التكامل الجوي أن يضع نقاطًا لمراحل الرحلة واضعًا في اعتباره الظروفَ الجوية الخطيرة وقيودَ المرور الجوي.»
وعلى الرغم من هذه التطورات، فمِن غير المحتمل أن تكون شركات طيران نقل الركاب هي أول من يطرح الطائرات بدون طيار. وتتوقع كامينجز أن تكون شركات الشحن الجوي مثل فيديكس أو يو بي إس هي أول شركات طيران تخفض عدد الطيارين من اثنين إلى واحد فقط. وهذا سوف يسمح بتجربة هذه التكنولوجيا على الطائرات نفسها التي تستخدمها شركات الطيران، لكن دون وجود ركاب على متنها. وترجح كامينجز أنه إذا ثبت أن هذه التكنولوجيا آمنة، فمن الممكن أن نتوقع رؤية شركات شحن جوي تتخلَّى عن الطاقم تمامًا بحلول عام ٢٠٣٥ تقريبًا. وبدلًا من ذلك سيراقب الطيار المقيم في مركز الشركة أسطولًا من طائرات الشحن من خلال القمر الصناعي، وسيكون مستعدًّا للسيطرة على الطائرة في حالة وقوع أي مشكلة.
ورغم ذلك فمن الممكن أن تُبَرْهِن تكنولوجيا أَتْمَتة الطيران على نجاحها مبكرًا جدًّا؛ فبفضل التطورات السريعة في الدفع الكهربي وأجهزة التحكُّم الذكية في الطائرات، ربما يكون وقت السيارات الطائرة أو «المركبات الجوية الشخصية» قد بات وشيكًا. ويعتقد الباحثون أن مفتاح النجاح التجاري لهذه المركبات سيكون في الأَتْمَتة الكاملة. وجديرٌ بالذكر أنَّ تَعلُّمَ الطيران يُكلِّف آلافًا من الجنيهات، وإذا أراد عدد كبير من الناس التحليق بالمركبات الجوية الشخصية بأمان في سماء مزدحمة، فسوف نحتاج إلى كمبيوتر للإمساك بدفَّة القيادة. ويقول مايك جامب — المهندس في جامعة ليفربول بالمملكة المتحدة، والمشارك في مشروع «ماي كوبتر» الذي يُعِدُّ برنامج الأَتْمَتة لمركبة جوية شخصية تُقلِع عموديًّا: «لا يمكن نقل الحجم الحالي من الزخم المروري الأرضي إلى الهواء والاستمرار في استخدام أجهزة التحكم اليدوية للطيران.» ويتوقع جامب انطلاق السيارات الطائرة بحلول عام ٢٠٢٥.
لا شك أن الأَتْمَتة ستكون أمرًا جذَّابًا لشركات الخطوط الجوية؛ فطاقم الطائرة يُعَدُّ من أكبر بنود التكاليف الأساسية في هذه الصناعة بعد الوقود؛ فالطيار الأول يمكن أن يتقاضى ٢٤٠ ألف دولار أو أكثر في السَّنَة، ويحتاج تدريبًا دوريًّا ودورات لتحديث المهارات، إضافة إلى مزايا أخرى مثل الرعاية الصحية والمعاشات. علاوة على ذلك، فإن الوقت الذي يقضيه الطيار في الهواء تحكُمه لوائح صارمة. وعن هذا يقول دونو ويلسون — مستشار الطيران في جامعة كوفنتري بالمملكة المتحدة: «لطاقم الطائرة احتياجات بدنية وفترات عمل صارمة، وهذه الأمور تجعل وقت الطيران محدودًا.»
وتقول كامينجز إن الأَتْمَتة تعني أيضًا التوفير في الوقود على نحو أفضل؛ فنظام الطيران الآلي لن ينحرف عن الطريق الأمثل فيحتاج إلى استهلاك مزيد من الوقود للعودة إلى مساره الصحيح. إن ما يعود بالفائدة على الهدف النهائي للشركة وعلى البيئة أيضًا يمكن أن يُفِيد الركاب من خلال تخفيض سعر المقاعد. وإذا تمكنت الطائرات بدون طيار من تقليل أوقات الشحن والتفريغ في المطار، فمن الممكن أن تكون هذه خطوة بسيطة نحو تقليل التأخيرات. وقد يُعِيد مصنِّعو الطائرات النظر في تصميم الطائرة. وعن هذا يقول ويلسون: «نظرًا لعدم الحاجة إلى وضع الطيارين في المقدمة، فلن يكون هناك داعٍ للالتزام بالتصاميم الحالية للطائرات.» إن التخلص من مقصورة الطائرة سوف يقدم للركاب فرصة مشاهدة المناظر التي لا يستمتع بها عادةً سوى الطيارين.
وبطبيعة الحال فإن أبرز التخوفات من الأَتْمَتة الكاملة هو ما قد يحدث في حالة تعطُّل الأنظمة مع عدم وجود طاقم على متن الطائرة للسيطرة عليها. فعلى سبيل المثال، من غير المحتمل أن يتخذ الطيار الآلي قرارًا غريبًا لكنه ذكي؛ مثل قرار الهبوط على نهر هدسون كما فعل تشيسلي سولينبرجر في يناير ٢٠٠٩؛ للحيلولة دون حدوث وفيات عندما تعطلت محركات الطائرة فوق مدينة نيويورك. يقول براينت ووكر سميث — المحامي والباحث في مجال الأخطار والتكنولوجيا في جامعة جنوب كارولاينا في كولومبيا — إن الطيار الآلي ربما لن يفعل ذلك، لكن شركات الطيران قد تكون مستعدة لقبول خطر حدوث مثل هذه الحوادث الغريبة، ويضيف: «إن نجحت الأَتْمَتة في نهاية المطاف في تقليل عدد حوادث التحطم والإصابات الناجمة عنها ودرجة خطورتها، فعندها حتى لو زادت المسئولية القانونية على مصنِّعي الطائرات عن حوادث التحطم، فإن التعرض الفعلي للحوادث لن يكون مرتفعًا.»
لكن من غير المحتمل أن يسمح الطيارون بأن تحلَّ التكنولوجيا محلَّهم دون خَوْض صراع. ويقول دي كريبني: «لن نصبح قادرين على بناء طائرات بدون طيار تتسم بالمرونة إلا عندما نستطيع نسخ الوعي والإدراك والتوقع البشري إلى الآلة. وإلى أن تحين هذه اللحظة سيظل الطيارون هم من يمتلكون الفرصة الوحيدة لإنقاذ حياة الناس.»
ويوافقه الرأيَ ريتشارد تومر — المتحدثُ الرسمي لاتحاد طياري الخطوط الجوية البريطانية — فيقول: «يريد الركاب أن يعرفوا أنهم بين أيادي طيارين تلقَّوْا قدْرًا عاليًا من التدريبات والراحة، ولا يمكننا أن نشهد تغيُّرًا في هذا الصدد في أي وقت قريب.»
ومع توقع وجود سيارات بلا سائقين على الطرق في القريب العاجل، ربما يصبح الناس أكثر ارتياحًا لفكرة المركبات المؤَتْمَتة بالكامل، وتقول كامينجز إنها شهدتْ أدلَّةً على ذلك في استطلاع رأي حديث. ورغم ذلك فإنها تعترف بأن كثيرًا من الناس سوف يترددون في قبول الطائرات بلا طيار، فتقول: «إن الانتقال من الاعتماد على طيارَيْن إلى الاعتماد على طيار واحد سيكون أسهل من الانتقال من الاعتماد على طيار واحد إلى عدم الاعتماد على أيِّ طيارين. إنه تحدٍّ تكنولوجي سيواجِه معارضةً تنظيمية وثقافية أيضًا.»
تمتدُّ جذور المعارضة الثقافية لأعماق بعيدة، حسبما يقول روبرت بور؛ عالِم النفس السريري في مستشفى رويال فري في لندن المتخصص في علم نفس الطيران. ويستطرد قائلًا: «يعود الأمر إلى خوف بدائي من عدم تولي زمام السيطرة.» فالركاب يحبون أن يرَوْا شخصًا مؤهلًا مسئولًا عن الطائرة، شخصًا لديه ما يخسره مثلهم تمامًا إذا ما ساءت الأمور. ويوضح بور أنه على الرغم من أن الطيارين يعترفون بأنهم في أغلب الأحيان يراقبون الأنظمة المؤتمتة فحسب، فإن الركاب ما زالوا يرَوْنهم «أشخاصًا يرتدون زيًّا موحدًا يتَّسِمون بالهدوء في المواقف العصيبة، ويكافحون مع أجهزة التحكُّم، ويتحدون الصعاب بالنيابة عنهم.» وتتفق معه كامينجز فتقول: «يشعر الناس بحاجة قوية إلى رؤية طيار شجاع مثل شخصية جيمس تي كيرك في مسلسل ستار تريك.»
ويرى بور أنه سيكون الأمر بين أيدي صناعة الطيران كي تقدِّم مستوياتِ أمان مساويةً أو متفوقة على مستويات الأمان في الطائرات المزوَّدة بطاقم. إذن هل سيسافر بور في طائرة تقودها آلة؟ ويجيب بور: «أريد أدلة واضحة مبنية على تجارب مكثفة توضح أن الطائرة آمنة، لكن إذا قيل لي في الغد إنه لا يوجد سوى طيار أرضي فقط؛ فسوف يساورني القلق. أعتقد أنه سيكون من الصعب قبول ذلك.»
نقـلاً عن
مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
http://www.hindawi.org/safahat/50639375
وتستطرد كامينجز قائلة: «كل الباحثين في مجال الطيران يدركون أن الانتقال من الاعتماد على طيارَيْنِ اثنيْن إلى الاعتماد على طيار واحد هو خطوة وسيطة ستسمح لنا بالانتقال من الاعتماد على طيار واحد إلى عدم الاعتماد على أيِّ طيارين.»
في الواقع، تعتَقِد كامينجز أن عصر الطائرات المُؤَتْمَتَة بالكامل قادم لا محالة. وخلال عملها السابق كطيار في البحرية الأمريكية، أدركتْ أن نظام الطيران الآلي في طائرتها النفَّاثة المقاتِلة جعلها زائدة عن حاجة العمل. وعن هذه التجربة تقول إنه يستطيع الهبوط بالطائرة على سطح حاملة الطائرات أفضلَ من الطيار البشري، وتضيف: «إنه يضبط الاتجاه والسرعة الجوية والارتفاع أسرع مما أستطيع أن أقوم به.»
يتفوق الكمبيوتر على الإنسان في العمليات التي تستغرق أجزاء من الثانية؛ لأن التواصل بين العين والدماغ أبطأ من عملية الإرسال من المستشعِر إلى المعالِج. وتعلِّق كامينجز قائلة: «ما بين وقت رؤية المؤثِّر المستدعي للتصرف إلى وقت التصرف يمر نصف ثانية على أفضل تقدير»، في حين يستغرق الكمبيوتر مجرد أجزاء قليلة من الثانية تُقدَّر بوحدة الميلِّي ثانية للتعرف على إشارات المستشعِر والاستجابة لها، «والبشر لا يستطيعون مواكبة ذلك.»
وتؤكِّد تجربة الطائرات العسكرية الأمريكية بدون طيار هذا الأمرَ؛ فقد انخفض معدَّل تحطُّم الطائرات انخفاضًا ملحوظًا كلما زادتْ نسبة أَتْمَتة تلك الطائرات. وبصفة خاصة، حدثتْ تلك التحسينات من خلال منع الطيارين من الإقلاع والهبوط بالطائرة؛ ففي هاتين العمليَّتَيْن تَكْثُر حوادث التحطُّم. وتعلق كامينجز قائلة: «يكاد الإقلاع والهبوط يكونان من أكبر الأعباء التي يتحملها الطيارون؛ فتقريبًا نصف حوادث الطائرات المميتة تحدث خلال هاتين المرحلتين من الطيران.»
إذن كم يلزمنا من الوقت كي نحصل على طائرات ركاب بدون طيار؟ حسنًا، يمكن القول إنه بطريقة أو بأخرى توجد بالفعل طائرة ركاب دون طيار؛ فقد سافرتْ طائرة نفاثة بدون طيار تابعة لشركة طيران بي إيه إي سيستمز في رحلات قطعتْ فيها مسافة ٨٠٠ كيلومتر لمعرفة كيف تتعامل الطائرة مع الطائرات الأخرى والمراقبين الجويين، على الرغم من أنها ما زالتْ تضم طاقمًا على متنها تحسُّبًا للظروف.
ويمكن القول بأن الطائرة النفاثة تضم بدايات الذكاء الاصطناعي، الذي سوف تحتاجه الطائرات بدون طيار، متمثِّلة في برنامج إدارة طيران ذكي يُطلَق عليه «معالج التكامل الجوي». يتجنَّب معالج التكامل الجوي حوادث الاصطدام باستخدام مستشعِرات لاسلكية ورادارية ومستشعِرات تعتمد على الكاميرات، ويتواصل مع طيار أرضي من خلال الأقمار الصناعية. ويقول رود بيوكانان — مهندس الطيران في شركة بي إيه إي: «بعد إعطائه إحداثيات الوِجْهة، يمكن لمعالِج التكامل الجوي أن يضع نقاطًا لمراحل الرحلة واضعًا في اعتباره الظروفَ الجوية الخطيرة وقيودَ المرور الجوي.»
وعلى الرغم من هذه التطورات، فمِن غير المحتمل أن تكون شركات طيران نقل الركاب هي أول من يطرح الطائرات بدون طيار. وتتوقع كامينجز أن تكون شركات الشحن الجوي مثل فيديكس أو يو بي إس هي أول شركات طيران تخفض عدد الطيارين من اثنين إلى واحد فقط. وهذا سوف يسمح بتجربة هذه التكنولوجيا على الطائرات نفسها التي تستخدمها شركات الطيران، لكن دون وجود ركاب على متنها. وترجح كامينجز أنه إذا ثبت أن هذه التكنولوجيا آمنة، فمن الممكن أن نتوقع رؤية شركات شحن جوي تتخلَّى عن الطاقم تمامًا بحلول عام ٢٠٣٥ تقريبًا. وبدلًا من ذلك سيراقب الطيار المقيم في مركز الشركة أسطولًا من طائرات الشحن من خلال القمر الصناعي، وسيكون مستعدًّا للسيطرة على الطائرة في حالة وقوع أي مشكلة.
ورغم ذلك فمن الممكن أن تُبَرْهِن تكنولوجيا أَتْمَتة الطيران على نجاحها مبكرًا جدًّا؛ فبفضل التطورات السريعة في الدفع الكهربي وأجهزة التحكُّم الذكية في الطائرات، ربما يكون وقت السيارات الطائرة أو «المركبات الجوية الشخصية» قد بات وشيكًا. ويعتقد الباحثون أن مفتاح النجاح التجاري لهذه المركبات سيكون في الأَتْمَتة الكاملة. وجديرٌ بالذكر أنَّ تَعلُّمَ الطيران يُكلِّف آلافًا من الجنيهات، وإذا أراد عدد كبير من الناس التحليق بالمركبات الجوية الشخصية بأمان في سماء مزدحمة، فسوف نحتاج إلى كمبيوتر للإمساك بدفَّة القيادة. ويقول مايك جامب — المهندس في جامعة ليفربول بالمملكة المتحدة، والمشارك في مشروع «ماي كوبتر» الذي يُعِدُّ برنامج الأَتْمَتة لمركبة جوية شخصية تُقلِع عموديًّا: «لا يمكن نقل الحجم الحالي من الزخم المروري الأرضي إلى الهواء والاستمرار في استخدام أجهزة التحكم اليدوية للطيران.» ويتوقع جامب انطلاق السيارات الطائرة بحلول عام ٢٠٢٥.
لا شك أن الأَتْمَتة ستكون أمرًا جذَّابًا لشركات الخطوط الجوية؛ فطاقم الطائرة يُعَدُّ من أكبر بنود التكاليف الأساسية في هذه الصناعة بعد الوقود؛ فالطيار الأول يمكن أن يتقاضى ٢٤٠ ألف دولار أو أكثر في السَّنَة، ويحتاج تدريبًا دوريًّا ودورات لتحديث المهارات، إضافة إلى مزايا أخرى مثل الرعاية الصحية والمعاشات. علاوة على ذلك، فإن الوقت الذي يقضيه الطيار في الهواء تحكُمه لوائح صارمة. وعن هذا يقول دونو ويلسون — مستشار الطيران في جامعة كوفنتري بالمملكة المتحدة: «لطاقم الطائرة احتياجات بدنية وفترات عمل صارمة، وهذه الأمور تجعل وقت الطيران محدودًا.»
وتقول كامينجز إن الأَتْمَتة تعني أيضًا التوفير في الوقود على نحو أفضل؛ فنظام الطيران الآلي لن ينحرف عن الطريق الأمثل فيحتاج إلى استهلاك مزيد من الوقود للعودة إلى مساره الصحيح. إن ما يعود بالفائدة على الهدف النهائي للشركة وعلى البيئة أيضًا يمكن أن يُفِيد الركاب من خلال تخفيض سعر المقاعد. وإذا تمكنت الطائرات بدون طيار من تقليل أوقات الشحن والتفريغ في المطار، فمن الممكن أن تكون هذه خطوة بسيطة نحو تقليل التأخيرات. وقد يُعِيد مصنِّعو الطائرات النظر في تصميم الطائرة. وعن هذا يقول ويلسون: «نظرًا لعدم الحاجة إلى وضع الطيارين في المقدمة، فلن يكون هناك داعٍ للالتزام بالتصاميم الحالية للطائرات.» إن التخلص من مقصورة الطائرة سوف يقدم للركاب فرصة مشاهدة المناظر التي لا يستمتع بها عادةً سوى الطيارين.
وبطبيعة الحال فإن أبرز التخوفات من الأَتْمَتة الكاملة هو ما قد يحدث في حالة تعطُّل الأنظمة مع عدم وجود طاقم على متن الطائرة للسيطرة عليها. فعلى سبيل المثال، من غير المحتمل أن يتخذ الطيار الآلي قرارًا غريبًا لكنه ذكي؛ مثل قرار الهبوط على نهر هدسون كما فعل تشيسلي سولينبرجر في يناير ٢٠٠٩؛ للحيلولة دون حدوث وفيات عندما تعطلت محركات الطائرة فوق مدينة نيويورك. يقول براينت ووكر سميث — المحامي والباحث في مجال الأخطار والتكنولوجيا في جامعة جنوب كارولاينا في كولومبيا — إن الطيار الآلي ربما لن يفعل ذلك، لكن شركات الطيران قد تكون مستعدة لقبول خطر حدوث مثل هذه الحوادث الغريبة، ويضيف: «إن نجحت الأَتْمَتة في نهاية المطاف في تقليل عدد حوادث التحطم والإصابات الناجمة عنها ودرجة خطورتها، فعندها حتى لو زادت المسئولية القانونية على مصنِّعي الطائرات عن حوادث التحطم، فإن التعرض الفعلي للحوادث لن يكون مرتفعًا.»
لكن من غير المحتمل أن يسمح الطيارون بأن تحلَّ التكنولوجيا محلَّهم دون خَوْض صراع. ويقول دي كريبني: «لن نصبح قادرين على بناء طائرات بدون طيار تتسم بالمرونة إلا عندما نستطيع نسخ الوعي والإدراك والتوقع البشري إلى الآلة. وإلى أن تحين هذه اللحظة سيظل الطيارون هم من يمتلكون الفرصة الوحيدة لإنقاذ حياة الناس.»
ويوافقه الرأيَ ريتشارد تومر — المتحدثُ الرسمي لاتحاد طياري الخطوط الجوية البريطانية — فيقول: «يريد الركاب أن يعرفوا أنهم بين أيادي طيارين تلقَّوْا قدْرًا عاليًا من التدريبات والراحة، ولا يمكننا أن نشهد تغيُّرًا في هذا الصدد في أي وقت قريب.»
ومع توقع وجود سيارات بلا سائقين على الطرق في القريب العاجل، ربما يصبح الناس أكثر ارتياحًا لفكرة المركبات المؤَتْمَتة بالكامل، وتقول كامينجز إنها شهدتْ أدلَّةً على ذلك في استطلاع رأي حديث. ورغم ذلك فإنها تعترف بأن كثيرًا من الناس سوف يترددون في قبول الطائرات بلا طيار، فتقول: «إن الانتقال من الاعتماد على طيارَيْن إلى الاعتماد على طيار واحد سيكون أسهل من الانتقال من الاعتماد على طيار واحد إلى عدم الاعتماد على أيِّ طيارين. إنه تحدٍّ تكنولوجي سيواجِه معارضةً تنظيمية وثقافية أيضًا.»
تمتدُّ جذور المعارضة الثقافية لأعماق بعيدة، حسبما يقول روبرت بور؛ عالِم النفس السريري في مستشفى رويال فري في لندن المتخصص في علم نفس الطيران. ويستطرد قائلًا: «يعود الأمر إلى خوف بدائي من عدم تولي زمام السيطرة.» فالركاب يحبون أن يرَوْا شخصًا مؤهلًا مسئولًا عن الطائرة، شخصًا لديه ما يخسره مثلهم تمامًا إذا ما ساءت الأمور. ويوضح بور أنه على الرغم من أن الطيارين يعترفون بأنهم في أغلب الأحيان يراقبون الأنظمة المؤتمتة فحسب، فإن الركاب ما زالوا يرَوْنهم «أشخاصًا يرتدون زيًّا موحدًا يتَّسِمون بالهدوء في المواقف العصيبة، ويكافحون مع أجهزة التحكُّم، ويتحدون الصعاب بالنيابة عنهم.» وتتفق معه كامينجز فتقول: «يشعر الناس بحاجة قوية إلى رؤية طيار شجاع مثل شخصية جيمس تي كيرك في مسلسل ستار تريك.»
ويرى بور أنه سيكون الأمر بين أيدي صناعة الطيران كي تقدِّم مستوياتِ أمان مساويةً أو متفوقة على مستويات الأمان في الطائرات المزوَّدة بطاقم. إذن هل سيسافر بور في طائرة تقودها آلة؟ ويجيب بور: «أريد أدلة واضحة مبنية على تجارب مكثفة توضح أن الطائرة آمنة، لكن إذا قيل لي في الغد إنه لا يوجد سوى طيار أرضي فقط؛ فسوف يساورني القلق. أعتقد أنه سيكون من الصعب قبول ذلك.»
نقـلاً عن
مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
http://www.hindawi.org/safahat/50639375
تعليق