ودعِ الـذكـرَ لأيـامِ الصّبـا فلأيـامِ الصبـا نـجـمٌ أفـل
إنّ أحـلـى عيشـةٍ قضيتُهـا ذهبتْ لـذّاتُـهـا والإثـمُ حـلّ
واتركِ الغـادةَ لا تـحفلْ بِهَـا تُمسِ فـي عـزٍّ رفيـعٍ وتُجَـلّ
والْـهَ عـنْ آلـةِ لهوٍ أطربـت وعـنِ الأمـردِ مُرتَـجّ الكِفـل
إن تَبدّى تنكسف شمسُ الضحـى وإذا مـا مـاس يـزري بالأسـل
زادَ إن قسنـاه بـالبـدرِ سنـا وعـدلنـاه بـغصـنٍ فاعتـدل
وافتكر في منتهى حُسـن الـذي أنت تـهواه تـجد أمـراً جـلل
واهجرِ الخمـرةَ إن كنت فتـى كيف يسعى في جنونٍ مـن عقل؟!
واتّـقِ اللهَ فـتقـوى اللهِ مـا جـاورت قلبَ امـرئٍ إلا وصـل
ليس مـن يقطع طرقـاً بطـلاً إنـمـا مـن يتّـقِ اللهَ البطـل
صـدّق الشـرعَ ولا تركن إلى رجـلٍ يـرصـدُ بـالليلِ زُحَـل
حارتِ الأفكار فـي قدرةِ مـن قـد هـدانـا سُبُلاً عـز وجـلّ
كتب الموتُ على الخلـق فكـم فـلَّ مـن جيشٍ وأفنى مـن دول
أيـن نمـرود وكنعـان ومـن ملك الأرض وولّــى وعــزل؟
أيـن عاد أيـن فرعـون ومـن رفـع الأهرام ، من يسمع يخـل؟
أين من سادوا وشـادوا وبنـوا هلك الـكُـلّ ولـم تغنِ القُلل!
أين أرباب الحِجى أهـل النّهـى أين أهـل العلـم والقـوم الأول؟
سـيعيـد الله كـلاًَ مـنـهُـمُ وسيجزي فـاعلاً مـا قـد فعـل
أي بُنيّ اسمع وصـايـا جُمِعـتْ حِكَمـاً خُصّتْ بـهـا خير المِلل
اطلب العلـم ولا تكسـل فمـا أبعـدَ الخيرَ عـن أهـل الكسـل
واحتفل للفقـه فـي الدين ولا تشتغـل عنـهُ بـمـالٍ وخُـوَل
واهجر النـوم وحصّلـهُ فمـن يعرف المطلـوب يـحقر ما بـذل
لا تقـل قـد ذهبت أربـابُـهُ كل من سارَ علـى الدرب وصـل
فـي ازدياد العلم إرغامُ العِـدا وجمـالُ العلـمِ إصـلاح العمـل
جَمّـل المنطـق بالنحـو فمـن يُحرم الإعـراب بالنطـق اختبـل
انظـم الشعـر ولازم مذهبـي فـي اطّراح الرفـد لا تبغِ النِّحَل
فهْوَ عنوانٌ علـى الفضلِ ومـا أحسـنَ الشعـرَ إذا لـم يُبْتَـذَل
مات أهلُ الجودِ لـم يبقَ سـوى مُقترفٍ أو من على الأصل اتّكـل
أنـا لا أختـارُ تـقبيـل يـدٍ قطعهـا أجمـل مـن تلك القُبَـل
إن جزتني عن مديحي صرتُ فـي رِقِّهـا أو لا ، فيكفينـي الخجـل
أعذبُ الألفاظ قولـي لك خـذ وأمـرُّ القـول نـطقـي بلعـلّ
مُلكُ كِسرى عنـه تُغني كِسـرةٌ وعـن البحـرِ اجتـزاءٌ بالوشـل
اعـتـبر ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم ﴾ تَلقـهُ حـقّـاً ﴿ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ﴾
ليـس ما يحوي الفتى من عزمـه لا ولا ما فـات يومـاً بالكسـل
اطرحِ الدنيـا فمـن عـاداتِهـا تـخفضُ العالي وتُعلي من سَـفَـل
عيشةُ الراغبِ في تـحصيلهـا عيشةُ الجـاهـل فيهـا أو أقـلّ
عيشةُ الزاهدِ فـي تـحصيلهـا عيشةُ الجـاهـدِ بـل هـذا أذلّ
كم جهـولٍ بات منهـا مُكثـراً وعليـمٍ بـات مـنهـا فـي عِلل
كم شجاعٍ لم ينـل فيهـا المنـى وجبـانٍ نـال غايـاتِ الأمـل
فاتـرك الحيلـة فيهـا واتّكـل إنـمـا الحيلةُ فـي تـرك الحِيَـل
أيّ كفٍّ لـم تنل منهـا المنـى فـرمـاهـا اللهُ مـنـهُ بـالشلل
لا تقُل أصلـي وفصلـي أبـداً إنّما أصلُ الفتى مـا قـد حصـل
قـد يسودُ المـرءُ مـن دون أبٍ وبِحُسْنِ السّبك قـد يُنْفى الدّغـل
إنـمـا الوردُ من الشوك ومـا ينبـت النـرجس إلا مـن بصـل
مـع أنـي أحمـد اللهَ عـلـى نسبـي إذ بـأبـي بكر اتصـل
قيمـة الإنـسـان مـا يُحْسِنُهُ أكـثـرَ الإنسـانُ منـهُ أم أقـلّ
اكتم الأمْـرَين فقـراً أو غنـى واكسب الفلس وحاسب مـن بطل
وادّرِعْ جـدّاً وكَـدّاً واجتنـب صحبة الحمقـى وأربـاب الخـلل
بيـن تبـذيـرٍ وبُخْـلٍ رتبـةٌ وكـلا هـذيـن إن زاد قـتـل
لا تخض في سبّ ساداتٍ مضـوا إنـهـم ليسوا بـأهـلٍ للـزلل
وتـغـافـل عـن أمـورٍ إنـهُ لـم يَفُزْ بـالحمدِ إلا مـن غفـل
ليس يخلو المرءُ مـن ضـدٍّ ولـو حـاول العُزلـةَ فـي رأس جبـل
غبْ عنِ النمام واهجـره فمـا بـلـغ المكـروه إلا مـن نقـل
دارِ جـار السـوءِ بـالصبر وإن لـم تـجـد صبراً فما أحلى النُّقل
جـانبِ السلطان واحـذر بطشهُ لا تـخاصم مـن إذا قـال فعـل
لا تـلِ الحكمَ وإن هـم سألـوا رغبةً فيك وخـالف مـن عـذل
إنَّ نصفَ الناس أعـداءٌ لـمـن وَلِـيَ الأحكامَ ، هـذا إن عـدل!
فهْوَ كالمحبـوسِ عـن لـذّاتِـهِ وكلا كفيـهِ فـي الحشرِ تُـغَـلّ
إنـمـا النقصُ والاستثقالُ فـي لفظـةِ القـاضي لوعـظٍ ومثـل
لا تـوازي لـذة الحكم بـمـا ذاقــهُ المـرءُ إذا المـرءُ عُـزِل
فالولاياتُ وإن طابـت لـمـن ذاقها فالسـمُّ فـي ذاك العسـل
نَصَبُ المنصبِ أوهـى جسـدي وعنائـي مـن مُـداراةِ السفـل
قَصِّرِ الآمال فـي الدنيـا تفُـز فـدليل العقـل تقصـير الأمـل
إن مـن يـطلبـه الموت علـى غـرّةٍ مـنـهُ جـديرٌ بـالوجـل
غِـبْ وزُرْ غبّاً تـزد حبّاً فمـن أكـثـرَ التِّـردادَ أقـصـاهُ الملل
لا يضـر الفضـلَ إقلالٌ كمـا لا يضرُّ الشمس أطبـاقُ الطّفـل
خُذُ بنصل السيف واترك غِمـدَهُ واعتبر فضـل الفتـى دون الحُلل
حُبُّكَ الأوطـان عجـزٌ ظاهـرٌ فـاغترب تلقَ عـن الأهل بـدل
فبمُكـثِ المـاء يبقـى آسنـاً وسُرى البدرِ بـه البـدرُ اكتمـل
أيها العـائـبُ قـولـي عبثـاً إن طيـب الـوردِ مـؤذٍ للجعـل
عـد عن أسهم لفظـي واستتـر لا يصيبنـك سـهـمٌ فَـتُـعَـلّ
لا يغـرّنـكَ لينٌ مـن فتـى إن للـحيـات لـينـاً يُـعتـزل
أنـا مثل الماء سهـلٌ سـائـغٌ ومتـى سُـخّـنَ آذى وقـتـل
أنـا كـالخيزور صعبٌ كسـرُهُ وهْوَ لدنٌ كـيفمـا شئتَ انفتـل
غير أنـي فـي زمانٍ مـن يكُن فيـه ذا مالٍ هو المولـى الأجـلّ
واجـبٌ عند الـورى إكرامُـهُ وقليلُ المــالِ فــيــهِ يُسْتَقَلّ
كل أهل العصـر غمـرٌ وأنـا منهُمُ فاتـرك تفـاصيـل الجمـل
هذه القصيدة تسمى لامية ابن الوردي ، عمر بن المظفر بن عمر زين الدين بن الوردي ، الفقيه الشافعي ، الشاعر المشهور ، يتصل نسبه بأبي بكر الصديق رَضِيَ اللهُ تَعَالىَ عَنْهُ ، ولد في المعرّة ونشأ في حلب وبها تفقه ، تولى القضاء مدة ثم عزل نفسه عنه بمحض إرادته ، كان رجلاً صالحاًً كثير الخيرات ، له مقام عظيم عند الناس بسبب ما كان عليه من الزهد والورع والخوف من الله تعالى ، كان مولده سنة 689 هـ وتوفي بالطاعون سنة 749 هـ رحمه الله ..
حشد ابن الوردي في هذه القصيدة مجموعة من النصائح الدينية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية ، وأضاف إليها ما استخلصه من تجارب الحياة ، لينتفع بها الناس على مر العصور......
تعليق