برد وصقيع..
العاصفة الثلجية تضرب المدينة ..درجات الحرارة تنخفض تدريجياً ..
تزداد قوقعتي على نفسي من شدة البرد..
صفير الرياح.. موحش..وتساقط الثلوج يزيد الأمر سوءاً.
تضرب نسمات البرد القارص أطرافي .. فأرتعش من شدة البرودة ..
أخبئ يداي في معطفي أدفن رأسي بين ركبتاي..
وأنا جالس على ذلك الرصيف ..
أسرق النظر بين لحظة وأخرى لأطراف الشارع يميناً ويسارًا فلا أجد أي كائن حي في ذلك الشارع سواي ومعطفي وقلبي وأشواقي ولحظات الانتظار الباردة جداً في شتاء لايرحم.
يتأخر الوقت وتزيد لسعات البرد وتكاد تتجمد أطرافي.. في لحظات انتظار باردة جداً لا يزيل برودتها إلا أشواقي الحارة إلى لحظة اللقاء..
أتعبني الجلوس على ذلك الرصيف...
فنهضت من مكاني ومشيت حول ذلك الكرسي ويداي في معطفي ..
اركل العلب الفارغة المتناثرة هنا وهناك حول ذلك الكرسي الخشبي ..
فأسأل نفسي كم من المنتظرين كانوا هنا؟
وهل طال انتظارهم كما أنا الآن؟
وهل قتلهم البرد والانتظار أم كانوا محظوظين فلم يدم انتظارهم سوى لحظات؟
لازالت عيناي تراقب الشارع يميناً ويسارًا وأنا أدور على ذلك الكرسي المتهالك بانتظار لحظة لقاء طالما حلمت به أن يكون ..
بدأ الضباب الكثيف يزحف على المكان ..ويعطي منظراً رائعًا من خلال إضاءات الشارع الخفيفة لتشكل هالات كروية رائعة ..
بدأ اليأس يدب في قلبي أن تأتي للموعد ..
لقد تأخرت كثيراً..
أرفع رأسي إلى السماء .. أتنفس بعمق وأطلق زفرات طويلة يخرج معها بخاراً من فمي.. فأراه ينتشر وأتخيله يتشكل كلمات.. لا تيأس فهي قادمة..
بدأت أتعب .. كما تتعب القلوب من استرجاع ذكرياتها المؤلمة..
هنا كان الموعد .. وهنا اتفقنا على اللقاء .. وهنا كان انتظاري ولازال .. لكن كل المؤشرات تقول أنها لن تأتي .. ومع ذلك سأنتظر فربما يبتسم لي الحظ أخيراًَ وتأتي.
وبينما أنا غارق في تفكيري..
أتعثر في همومي وأحلامي..
أتسول الحظ والقدر ..
أسمع صوت أقدام تأتي من بعيد..
أحاول التركيز على جهة الصوت القادم ..
ظلام
وضباب كثيف..
أنوار خافتة..
الصوت قادم من طرف الشارع الأيمن..
أحاول أن أقفز فوق الكرسي..
أتعثر ..
أسقط على الأرض
أتألم .. لكن ألم سيزول إن كان القادم هي..
وقفت على طرف الرصيف بانتظار القادم ..
بدأت الملامح تظهر لي..
شخص قادمٌ..
أصبحت أشاهده بوضوح .. حتى أنني أشاهد البخار يخرج من فمه ويطير في الفضاء عكس اتجاهه.. وكأنه فرح ومسرور لخروجه إلى الحرية.
اقترب الشخص حتى أصبح على بعد خطوات مني..
قال لي: هل لازلت تنتظر؟
قلت: ماذا قلت؟
قال: هل لازلت تنتظرها تأتي للموعد؟
قلت: نعم، وما أدراك أنت؟
قال: ارحل من هنا .. لا تنتظر فهي لن تأتي
قلت: هل أرسلتك لتقول لي هذا الكلام؟
قال: ارحل من هنا قبل أن يقتلك البرد ويقضي عليك الحزن والانتظار، فهي لن تأتي أبداً.
قلت له: وهل ستأتي في الغد أو بعد الغد أو بعده أو بعده ؟
قال: هي لن تأتي أبداً أبداً .. لا تُتعب نفسك وتهلكك الأحلام فهي لن تأتي على الإطلاق..فاستجمع ما تبقى من قواك وارحل قبل أن تتجمد في هذا الصقيع.
أدار ظهره إلى الجهة الأخرى من الشارع ..
أصابتني الدهشة والذهول مما قال .. فأطلقت زفرات طويلة تبعتها آهات خرجت من أعماق أعماقي تحطمت على واقعي المرير..
التفت إليه وقلت له: أنت تقتلني ..تمزقني .. تقضي على ما تبقى لي من أمل في لقاءها..
قال لي وهو لازال ينظر إلى الجهة الأخرى من الشارع: أنا لا أقتلك.. بل جئت أنقذك من أوهامك وأحلامك التي سوف تدمرك إن لم تنتبه لنفسك وتخرج إلى الواقع وتعيشه بعيداً عن أحلامك الخرافية.
قلت له: إذن من أنت؟
قال: أنا المستحيل .. أتيت هنا ... لأقول لك ارحل.. فما تنتظره مستحيل..
أتيت هنا بعد أن رأيتك تبني أحلامك وتمني نفسك بلقاء لن يكون..
ارحل فإن لم تفعل ستموت على رصيف الانتظار.
كتبه:THUNDER
تعليق