

--------------------------------------------------------------------------------
كما ظلم كثير من الرجال الذين سجلهم التاريخ..فقد ظلم عباس بن فرناس ظلما بينا..فلا يكاد أحد يصفه إلا ويتكلم عن غفلته وبلاهته..إذ ركب أجنحة وظن أنه سيطير بها كما العصافير..
وهكذا يصفونه..بالرغم من أنهم يرون كثيرا من الناس يفعلون هذا ويطيرون بالفعل (طيران شراعي)..وهم ينسون أمورا شديدة الأهمية..يسجلها التاريخ لابن فرناس بالشكر والعرفان...
إذ أن ابن فرناس أول من نقل محاولات الطيران من الأحلام والأساطير إلى الواقع..وأول من كان طامحا لتحقيق ذلك..وأول من نهج نهجا علميا حقيقيا في تحقيق ذلك..
إذ أن الرجل قضى أياما طوال يدرس حركة الطيور ويراقبها..ويرشح تصميما لأجنحته مقتبس من التصميم البديع لأجنحة بعض الطيور كبيرة الحجم..ومعتمدا على ريشها لاستخدامه في الطيران..
قد يرى كثير منا أنها تجربة بلهاء..لكننا ننسى أو نتناسى..أنه لم يكن معروفا في خبرات البشر ومعارفهم في ذلك الوقت أن هذا الفعل لن يفلح في إجراء طيران حقيقي..وهم دائما ما يتناسون..أن ابن فرناس قد طار بالفعل للحظات (بشكل أقرب للطيران الشراعي) قبل أن يسقط ويصاب بأضرار (ولم يمت بسبب هذه التجربة كما هو شائع)..
وهناك بعض الأمور الجديرة بالتأمل في قصة ابن فرناس..فلم يروى أن أحدا عارضه أو حاول منعه من هذه التجربة..ذلك لأن ابن فرناس لم يكن معروفا بالبلاهة أو بالغفلة..وإنما كان مخترعا له العديد من الابتكارات في ذلك الوقت..وكان معروفا أنه بنى في بيته قبة سماوية مماثلة للواقع..فقد كان عالما أندلسيا أيام ازدهار حضارة الأندلس..
كذلك فإن أجنحته كانتا قد نجحتا في إجراء طيران شراعي لعدة دقائق..ولربما لكانت طائرة شراعية حقيقية لولا أن اعتمدت على قوة ذراعيه بشكل كبير..وهو مالا يطيقه ابن فرناس ولا غيره..
هناك تشابه كبير بين قصة ابن فرناس..وبين أسطورة من أساطير الحضارات القديمة..جعلت كثيرا من الناس يخلطون بين القصتين..
فلم يروى أن جناحي ابن فرناس كانا من الشمع..ولا أن سبب سقوطه هو إذابة حرارة الشمس للشمع!..وكل هذه أمور دخلت على قصته الحقيقية من تلك الأسطورة التي كتبت في الماضي السحيق (والله تعالى أعلم إذا ما كان ابن فرناس قد قرأها)..
أمر أخير أود لفت الانتباه إليه..فأسلافنا الذين سادوا الدنيا..كانوا إلى جانب أنهم أكثر منا تمسكا بدينهم..إلا أنهم كانوا أكثر حرية في أفكارهم ورؤاهم..
فلم يروى أن عارض أيا من علماء الدين يوما أفعال بن فرناس بحجة أنه لو أراد الله تعالى لنا الطيران لخلق لنا أجنحة..كما روي عن آخرين في أيام الانحطاط الحضاري والفكري للمسلمين فيما بعد..بعد أن ثار النصارى على كنائسهم وتابعوا مسيرة الطيران بعدها!!
__________________
تعليق