استبعدت شركات طيران عربية ودولية تأثر عائداتها بما تعلنه من تخفيضات على أسعار التذاكر من حين لآخر بنسب تصل إلى 30%، معتبرة أن هذه التخفيضات عادة ما تلجأ إليها الشركات في المواسم التي تتراجع خلالها حركة السفر بهدف تحفيز المسافرين من جهة وزيادة معدلات الإشغال على الرحلات من جهة أخرى.
وفيما حذرت مصادر في شركات طيران من تحول السباق نحو التخفيضات إلى حرب أسعار فيما بينها على وجهات محددة، عزت مصادر أخرى ارتفاع نسبة التخفيضات خلال هذه الفترة إلى تزامن عروض الشركات الترويجية لفترات هدوء الحركة مع تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية والتي أدت بدورها إلى تخفيض ضريبة الوقود.
وانخفضت أسعار النفط العالمية بأكثر من 60% خلال الشهور الستة الأخيرة، حيث يدور سعر البرميل حالياً حول 40 دولاراً فقط، بعد أن كان قد تجاوز الـ147 دولاراً يوليو الماضي، وهو ما اضطر غالبية شركات الطيران في العالم آنذاك إلى رفع أسعارها لتعويض شيء من خسائرها التي سببها الارتفاع المفاجئ في أسعار النفط.
وأشارت المصادر إلى أن شركات الطيران تقوم بمراجعة دورية لأسعار رحلاتها وفقاً لحجم العرض والطلب في كل سوق، وذلك بهدف المحافظة على قدرتها التنافسية مع تجنب التعرض لخسائر.
أسعار النفط
وقال نائب رئيس أول العمليات التجارية في شركة طيران الإمارات عدنان كاظم إن تخفيض أسعار تذاكر الطيران حالياً لن يترك آثاراً قوية على العائدات، نظراً لهبوط أسعار النفط إلى مستويات ما قبل 4 سنوات،لافتاً إلى أن لجوء طيران الإمارات وغيرها من الناقلات الأخرى الصيف الماضي إلى رفع أسعار التذاكر نتيجة لارتفاع أسعار وقود الطائرات إلى معدلات غير مسبوقة، لم تكن كافية لتعويض الارتفاع في أسعار الوقود.
وأوضح: ''أن أسعار تذاكر طيران الإمارات تخضع للمراجعة المتواصلة للعمل على توفير أفضل الأسعار لعملائنا مع المحافظة على هامش أرباح يتيح لنا الاستمرار في تطوير وتنمية خدماتنا وعملياتنا وتحسين منتجاتنا''.
وقال: ''نتيجة لانخفاض أسعار الوقود في الأشهر القليلة الماضية والتراجع الذي يشهده الطلب على السفر عادة بعد انتهاء فترة العطلات، قمنا بإجراء تعديل على أسعار تذاكرنا الصادرة من الإمارات لعدد من الوجهات المختارة ضمن شبكة خطوط الناقلة المتنامية ولفترة محدودة''.
وأكد كاظم أن الطلب لا يزال في أوجه على رحلات طيران الإمارات للسفر إلى وجهات مختلفة ضمن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ودول الشرق الأقصى، متوقعا مزيداً من النمو في بعض الأسواق التي تخدمها الناقلة. وأشار إلى أن نسب تخفيض أسعار تذاكر طيران الإمارات تتفاوت من سوق إلى أخرى، نظراً لارتباطها بعوامل مختلفة بما فيها العرض والطلب المرتبطة بالمواسم في كل سوق على حدة.
وأضاف كاظم: ''خلال الشهور الثلاثة الماضية شهدت أسعار السفر على متن طائراتنا انخفاضاً بالفعل تراوح بين 10 و35% بحسب الوجهة؛ إلا أننا نجري مراجعة شاملة للأسعار منذ ذلك الحين، ونتابع عن كثب أسعار النفط''.
وقال كاظم: إن ''مراجعة الأسعار تشمل كافة الوجهات وكافة الدرجات بما فيها الدرجة السياحية، إضافة إلى الدرجتين الأولى ورجال الأعمال''، مؤكداً أن ''الأسعار ستكون منافسة جداً وستستقطب مسافرين جدداً''.
ويرى كاظم أن الانخفاض الذي تشهده أسعار النفط العالمية سينعكس إيجاباً على قطاع السفر، إذ سيكون الانخفاض في الأسعار فرصة لأصحاب الدخول المتوسطة ومحدودي الدخل للسفر والتنقل، وخاصة مع إحجام الكثير منهم عن السفر الصيف الماضي مع الارتفاع الكبير في الأسعار.
ويؤكد كاظم أن ''طيران الإمارات تعمل على الدوام لتعديل أسعار تذاكرها بما يتناسب ومصلحة المستهلكين، فعندما ارتفع النفط بصورة كبيرة لم يكن ارتفاع أسعار التذاكر بنفس النسبة، وتحملت الشركة آنذاك جزءاً كبيراً من ارتفاع فاتورة الوقود، بينما تحرص الآن على تخفيض الأسعار استجابة لانخفاض أسعار النفط العالمية''.
وترى مصادر شركات الطيران أن تخفيض أسعار تذاكر السفر حالياً يرتبط بعاملين رئيسيين أولهما التراجع الحالي في أسعار الوقود، وهو ما دفع شركات إلى تخفيض أسعار مباشر، أو تخفيض لضريبة غلاء الوقود، أو القيام بمراجعة عامة للأسعار على وجهات مختارة. أما العامل الثاني وراء التخفيضات فيتعلق بالوضع الحالي لسوق السفر وما يشهده من تراجع، وهدوء غير عادي في السفر، خاصة مع انعكاسات الأزمة المالية العالمية على القطاعات الاقتصادية عامة، والسياحة والسفر بشكل خاص.
الحركة الجوية
ورغم استبعاد شركات الطيران تأثر عائداتها بشكل مباشر بسلسلة التخفيضات الأخيرة في الأسعار، فان الاتحاد الدولي للنقل الجوي ''أياتا'' توقع أن تخسر شركات الطيران في المنطقة حوالي 200 مليون دولار في العام الجاري، وذلك بسبب تراجع نمو الحركة الجوية بشكل كبير.
ودعا الاتحاد الحكومات والشركات المقدمة لخدمات الملاحة الجوية وشركات الطيران إلى تقديم المعالجة الفورية لحالة عدم الكفاءة في النقل الجوي، التي من شأنها أن تعرض استدامة قطاع الطيران في الشرق الأوسط للخطر.
وقال نائب الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ''أياتا'' الدكتور مجدي صبري إن منطقة الشرق الأوسط واحدة من الأسواق الأكثر نشاطاً في قطاع الطيران على مستوى العالم، حيث مثلت هذه المنطقة 10% من حركة النقل العالمية خلال السنوات السبع الأخيرة، بعد أن كانت تمثل 5% فقط. لكن المنطقة ليست محصنة من الركود الاقتصادي العالمي.
وقال صبري إن شركات الطيران في المنطقة ستخسر حوالي 200 مليون دولار في العام الجاري، وذلك بسبب تراجع نمو الحركة الجوية بشكل كبير. وفي هذه الحال، ستكون الشركات بحاجة إلى كل فلس يتم صرفه.
ربحية الشركات
ويتفق ذلك مع ما ذهب إليه بيتر بولاك المدير العام لمبيعات الركاب في شركة طيران لوفتهانزا في الإمارات، الذي دعا إلى ضرورة الانتقائية في مسألة تخفيض الأسعار وفقاً للأسواق، محذراً من أن المنافسة المحتدمة بين شركات الطيران على الصعيد العالمي خاصة من قبل شركات الطيران التي لا تتمتع بشبكة وجهات كبيرة، يمكن أن تضر بربحية الشركات.
وقال إن الشركات الصغيرة تحاول أن تصل إلى حصة اكبر من السوق على حساب الأسعار التي تقوم بتخفيضها بشكل غير مسبوق، الأمر الذي يقودها إلى تسجيل خسائر، وهذا هو السبب الذي يضر بالشركات الكبيرة في مناطق مختلفة من العالم ويعرضها لخسائر حتى في أوقات النمو الاقتصادي.
وأوضح بولاك: ''الآن وفي خضم الانخفاض الحاد في الطلب في العديد من مناطق العالم بالتزامن مع تزايد أعداد الناقلات الجوية، فإن الدخول في حرب أسعار أخرى سيزيد من احتمالات عدم الربحية لكثير من الشركات''.
وأضاف: ''في الوقت الحالي هناك سلوكيات كثيرة مؤذية في صناعة الطيران بشكل عام، لهذا فإنه من المهم عند مراجعة الأسعار أن يتم ذلك بانتقاء شرائح محددة من السوق''.
عروض محددة
إلا أن محمد العبادي المدير الإقليمي لمصر للطيران في دبي والإمارات الشمالية اختلف مع راي بولاك، حيث أكد العبادي أن الأسعار الحالية للطيران ليست تخفيضات، بل هي عروض محددة المدة لتنشيط حركة السفر، وخلق طلب جديد ومبتكر للسفر في موسم غير نشط.
ويرى العبادي أن الأسعار بين شركات الطيران حالياً لا تندرج تحت حرب الأسعار، نظراً لاختلاف آليات سوق السفر حالياً عن فترات سابقة، ولم تعد الأسعار سراً، كما أنها محددة على أسس واقعية، مشيراً إلى أن الفرق في السعر حالياً يصل إلى ألف درهم في التذكرة، ما يمثل فرصة كبيرة أمام المسافرين وراغبي السفر، وقد استقطبت العروض مسافرين بالفعل.
متطلبات السوق
بدوره أشار بول ستارز المدير التجاري للخطوط الجوية البريطانية في الإمارات إلى أهمية قيام شركات الطيران بين الحين والآخر بمراجعة أسعارها بما يتماشى ومتطلبات السوق. وبما أن حركة السفر العالمي تشهد حاليا تراجعاً ملحوظاً نتيجة تباطؤ الاقتصاد وتزعزع ثقة العملاء بالأسواق، فإن الخطوط الجوية البريطانية تقوم بمراجعة دورية لأسعار رحلاتها وفقاً لحجم العرض والطلب في كل سوق، وذلك بهدف المحافظة على قدرتنا التنافسية وموقعنا الرائد كشركة ناجحة على المدى الطويل.
وأكد أن الشركة ستواصل سياسة مراجعة وتحديث أسعارها بما يتناسب واحتياجات العملاء والمحافظة على تقديم عروض أسعار تنافسية للوجهات التي تعتبر تجارية من وجهة نظر الشركة
المصدر: الاتحاد
تعليق