
لم يكد النموذج الأول من طائرة الأحلام بوينغ 787 أو «دريملاينر» ينجز الرحلة الأولى له في الجو حتى أتبع بالنموذج الثاني الذي حمل شعار وصبغة الزبون الأول للطائرة «ANA» أو «أول نيبون إيرويز» اليابانية؛ في إشارة إلى أن مرحلة صعبة قد عدت في مسيرة مشروع الطائرة الأولى للركاب التي تصنع بالكامل من المواد المركبة، والتي تعد بحق طائرة ثورية بكل ما تحويه الكلمة من معان؛ ولكي نتعرف أكثر على المغزى من نجاح تحليق النموذجين الأولين للبوينغ 787 لا بد من التعرف على أهمية استخدام المواد الكربونية المركبة في صناعتها والغرض من ذلك.
نتيجة لتردي الوضع البيئي للأرض، ورغبة منها في تحقيق نسبة خفض فعال ومؤثر للانبعاثات الضارة من قبل طائرات الركاب، اتخذت «بوينغ» خطوة جريئة لصنع اول نموذج لطائرة ركاب تصنع بالكامل من المواد المركبة، بحيث يسهم ذلك في جعل الطائرة اقل استهلاكا للوقود بنسبة 20% بالمقارنة بأحدث الطائرات الموجودة في الخدمة حاليا. هذا القرار قوبل بالتشكيك في أول الأمر، لكن سرعان ما لاقى استحسانا ودعما من قبل شركات الطيران العالمية والمتخصصين في مجال النقل الجوي المدني، وتمكنت بوينغ بعد ذلك من ترجمة ذلك إلى نموذج 787 الذي يؤمل منه تحقيق المرجو منه بكفاءة تامة، لكن ما هي أهمية تلك التطبيقات الصناعية على هذا النموذج؟
تطبيقات المواد المركبة في الطيران
المواد المركبة ليست جديدة التطبيق في عالم الطيران، فقد استخدمت منذ الستينات كأجزاء صغيرة او محدودة، فقد طبقت على الاجنحة، خصوصا الاطراف الامامية المتحركة SLATS، ومن ثم انتقلت لتغزو الاطراف المتحركة الخلفية للجناح Flaps وفي الزعنفة الرأسية (الدفة: Rudder) والجنيحات الخلفية Tailplanes، وفي عام 1983 اصبحت طائرات ايرباص A300 وA310 ذات ذيل ودفة رأسية كلاهما مصنوع من المواد المركبة كليا، وأخيرا استخدم عازل الكابينة الخلفية في الذيل لطائرات ايرباص A340-500/600 الحديثة من المواد المركبة، وتحديدا الياف الكربون CARBON FIBRES، واستخدمت بوينغ المواد المركبة ايضا في بعض اجزاء طائراتها وكانت اكثرها في البوينغ B777 بنسبة 20%. ومع عملاقة إيرباص الجديدة A380 استخدم خليط جديد هو عبارة عن مزيج من الالمنيوم مع ألياف الزجاج وذو صلابة عالية مقرونة بخفة وزن كبيرة يطلق عليه «غليير» (GLARE)، وتم استخدامه في الجزء العلوي من مقدمة الطائرة المذكورة وصنع صندوق الجناح Wing Box الأساس في وسط الطائرة كليا من المواد المركبة، وهو يحتوي عادة على خزان الوقود الرئيسي، مما اعتبر انجازا صناعيا بمجال الطيران.
خواص المواد المركبة
يتم تشكيل الطائرة حسب نوع المهمة التي ستبنى من أجلها، وبالتالي تتوافر خاصية سهولة التشكيل بالمواد المركبة اكثر منها في المعادن، خصوصا الالمنيوم، وبمعنى آخر يمكن لهذه الخاصية ان تسمح بالتحكم في درجة صلابة صفيحة المواد المركبة، بحيث تكون مرنة في اتجاه، وصلبة للغاية في الاتجاه المعاكس، بخلاف المواد المعدنية، التي يصعب تشكيلها عند زوايا معينة، ناهيك عن تآكلها بسرعة، وتعرضها للانهاك الحراري بصورة اعلى من المواد المركبة. ويؤدي استخدام المواد المركبة في بناء الطائرات الى خفض استخدام المواد الكيميائية الخطرة، وكمّ النفايات الخطرة المترتبة على ذلك، اضافة الى خفض كمية المواد المهدورة، كما هي الحال عند صنع بدن الطائرة من الالمنيوم، وتحتوي بعض تلك المواد المركبة على مادة الغرافيت التي لها خاصية العزل الاشعاعي، مما قد يقلل من خطورة تعرض الجسم البشري للاشعاعات الكونية في الارتفاعات الشاهقة.
طائرة من ثلاثة أجزاء
يتم حاليا استخدام مبادئ حديثة في تصنيع المواد المركبة، بحيث امكن التغلب على التعقيدات التي كانت تصاحب عملية تصنيع سطوح الطائرات من المواد المركبة في السابق. وقد طورت شركة بوينغ لصناعة الطائرات آلات قص وتشكيل، وحتى تصليح تلك الاسطح المصنوعة كليا من المواد المركبة، وذلك لتطبيقها في صنع طائرة B787، التي تعتبر أول طائرة ركاب لا تحتوي على ألواح في بدنها، ويتكون بدنها من ثلاثة اجزاء رئيسية، يتألف كل واحد منها من قالب واحد لا يحتوي على الواح كما هي الحال في البدن المصنوع من الالمنيوم، ويعتبر جناحها اول جناح يصنع كقطعة كبيرة واحدة، وبالتالي تستطيع بوينغ استخدام قطع اكبر حجما واقل عددا عند استعمالها تقنية البناء بواسطة المواد المركبة، مما يعني تقليل وقت بناء الطائرة بنسبة تصل ما بين 30% - 40%، لذلك تحولت بوينغ الى استخدامها لكونها ارخص تكلفة في عمليات الصيانة واخف وزنا من الالمنيوم.
الجدوى الاقتصادية
ان استخدام بدائل المعادن من المواد المركبة COMPOSITES يحدث خفضا كبيرا في استهلاك الطائرة للوقود يقدر بـ32% كما دلت الدراسات، خصوصا عندما يكون بدنها كله مصنوعا من تلك المواد، وهذا يعني التوفير في المال، وافضل من ناحية اخرى بيئيا. وبفضل تلك المواد المركبة امكن جعل ضغط كابينة الركاب اكثر راحة بكثير من تلك التي تصنع كبائنها من الالمنيوم، ويمكن رفع درجة رطوبة الكابينة لان هذه المواد المركبة لا تكون عرضة للتآكل والصدأ بالشكل الذي تتعرض له الطائرات «المعدنية»، ونظرا لقوة ومتانة تلك المواد أمكن تركيب نوافذ اوسع بالطائرة تعجب الركاب، وبالتالي ستنتفع شركات الطيران المستخدمة لهذه الطائرات «البلاستيكية» من عدة نواح.



تعليق