:: Flying Way :: - قصة نجاح A320 في تغيير مفاهيم صنع طائرات الركاب

https://www.alqabas.com.kw:82//sites/.../13/434256.gif

إنها لا تضاهي الكونكورد في سرعتها، ولا تضارع الجامبو في هيبتها، ولكنها رغم صغر حجمها تتفوق في تكنولوجيتها على تلكما الطائرتين حين تم إطلاق مشروعها عام 1984 أول مرة، بل إنها جعلت من قمرة قيادة مكوك الفضاء الأميركي، آنذاك، شيئاً من الماضي. لقد كانت هذه الطائرة الأيرباص 320 أو A320 ذات الحجم الصغير والممر الواحد أو البدن الضيق والمدى المتوسط. بهذه الطائرة أنهت أوروبا هيمنة الولايات المتحدة متمثلة في بوينغ، لتتقاسم معها سوق طائرات النقل الجوي لعقود، وما زال التنافس قائماً، والسباق يزداد ضراوة. في السطور التالية نلقي الضوء على مسيرة طائرة أيرباص 320 التي غيّرت مفاهيم صناعة طائرات الركاب.
أرادت أيرباص أن تتبوأ موقعاً لها في سوق الطائرات التجارية للنقل الجوي، خصوصاً بعد أن نجحت في ترجمة جهود أعضائها من الدول الأوروبية مجتمعة في صنع طائرة نقل متوسطة إلى ما فوق المتوسطة المدى والحجم من البدن العريض والمحركين الاثنين فقط وهي الأيرباص 300 إلى واقع، بعد أن تحدتها الأوساط الصناعية للولايات المتحدة (المهيمن الأكبر على سوق الطائرات التجارية) في تحقيق مثل هذا الغرض، ولكن عملية اقتحام تلك السوق لا تتسم بالبساطة بل بالتعقيد والمنافسة الحادة ذات الطابع الشرس في أغلب الأحيان، لذا حينما قررت إدارة أيرباص صنع طائرة يتم الانطلاق من نموذجها كأساس لنماذج أخرى أكبر حجماً وأكثر تطوراً وفقت في ذلك، وبالفعل اتجهت إلى صنع طائرة منافسة من فئة البدن الضيق والممر الواحد كمنافس لأكثر الطائرات من تلك الفئة انتشاراً وشعبية ألا وهي البوينغ 737، والتي ما زالت تنتج بكميات هائلة (أكثر من عشرة آلاف طائرة منذ النموذج الأول والمطلوب مستقبلاً) والتي تمثلت في النموذج أيرباص 320.

لمسة فنية بحتة
عندما أدخلت أيرباص الشركة الأوروبية لصناعة الطيران مبدأ الطيران بواسطة الأمرات الكهربائية أو بما يعرف بالطيران بواسطة السلك FBW، Fly - By - Wire على طائرتها A320 أواخر الثمانينات، أرادت بذلك نقل مجال الطيران المدني والنقل الجوي إلى مرحلة جديدة من ارتفاع سلامة الطيران والملاحة الجوية، وذلك من خلال نظام FBW، وهو مبدأ السيطرة على خاصية الطيران Flying Characteristic عن طريق كمبيوتر يراقب معطيات الطيار على عصا القيادة للطائرة، بحيث عندما يميل الطيار عصا القيادة بالطائرة بصورة معينة لينعطف بالطائرة إلى إحدى الجهتين (يميناً أو يساراً)، قبل أن يتم ذلك، يتم نقل المعطيات عن طريق إشارة كهربائية تنتقل بأجزاء من الثانية عبر أسلاك إلى الكمبيوتر الذي بدوره يحلل هذه المعطيات ومن ثم يقرر درجة الانعطاف الصحيحة والمنطقية Logical في قاعدة بياناته أو بنك معلوماته ومن ثم يرسلها بدوره إلى سطوح التوجيه على الجناح (الجنيحات) Ailerons والتي تقوم بعملها في إمالة الطائرة حول محورها الطولي، وإذا ما كانت المعطيات انعطافاً حاداً، فإن الكمبيوتر يعطي الطيار قدرة على الانعطاف لدرجة معينة بحدود المسموح به لبقاء الطائرة مستقرة في الجو من دون السماح له بتحميل الطائرة فوق طاقتها أو انقلابها رأساً على عقب، وربما السقوط والتحطم. وفّر هذا المبدأ جهداً كبيراً للطيارين، خصوصاً أثناء الطيران في الجو العاصف، وبات قياسياً على الطائرات الجديدة لأيرباص وحتى بوينغ مع الجيل الجديد.

القمرة الذكية
من ضمن الأمور التي كان لـ«الإيرباص» السبق في تقديمها، نظام الطيران بواسطة السلك FBW، كما أشرنا سابقا، الذي اعتمدته في طائرتها من فئة A320 ذات المدى المتوسط، إلا أن اللافت للنظر هو في تصميم قمرتها غير الاعتيادي، والتي هي نتاج جهود بذلت طوال 25 عاما من التطور تضمنت خلالها الاستعانة بخبرات طيارين ومهندسين متخصصين في مجال تصميم وتطوير أنظمة الطيران، زودت طائرة الإيرباص A320 وما بعدها من طائرات الايرباص A321/ A319/ A318/ A330/ A340، وصولا الى العملاقة A380 ذات الطابقين والإيرباص الأحدث A350 التي يتم اختبارها وتجهيزها للتحليق الأولي عن قريب، بمقابض تحكم جانبية سهلة الإمساك باليد بدلا من المقابض التقليدية كبيرة الحجم والموضوعة في الوسط، وبما أنها أول طائرة يتم اعتماد ذلك المبدأ بها، فقد أرست بذلك معيارا لملامح قمرة قيادة طائرات المستقبل، ومن المعروف أن لقمرات قيادة طائرات الايرباص المعتمدة لذلك المبدأ خاصية منفردة تشترك بها تعرف بـ«قمرة القيادة الشائعة».
حوادث.. ولكن
تعرّض النموذج A320 لإيرباص كغيره من الطائرات لعدة حوادث حتى في المراحل الأولى للطيران، التي أشهرها حادثة وقعت للخطوط الجوية الهندية، وكانت آنذاك قد دخلت الخدمة العملانية لتوها، اتبع هذا الحادث بحادث آخر، ومن طراز الطائرة نفسها، وكان بعد عامين من حادث الطائرة الهندية، حيث كان هناك استعراض للطائرة، واستمرت في ارتفاعها المنخفض من دون أن تستجيب أجهزة الطائرة لحركة المقود، الذي كان الطيار يعمل جاهدا لتحريكه لوضعية الارتفاع، فاصطدمت الطائرة بالأشجار الكثيفة في نهاية المدرج، مخلفة وراءها ثلاثة قتلى، والعديد من الجرحى، منهم طيار الطائرة نفسه، الذي اعترف بعدها بأنه أخطأ حينما لم يستخدم الأسلوب الصحيح بالتعامل مع أنظمة الطائرة العاملة كليا بالإمرات الكهربائية.
ونشير هنا الى ان طائرة الايرباص A320 هي طائرة ناجحة وسليمة كليا، انما تعزو اسباب تلك الحوادث الى المبدأ الجديد في اسلوب طيران الطائرة، الذي يختلف جذريا عن سابقاتها من الطائرات ذات التحكم بالأسطح ميكانيكيا، لكن حادثة سقوط الرحلة إيرفرانس 447 في مياه المحيط الأطلسي عام 2009 في ظروف غامضة تبين فيما بعد أن هناك أسبابا عدة أدت إلى حدوث مثل تلك الكارثة، كانت أحدها معطيات وضعية الطائرة، التي يتم التحكم بها بواسطة عصا القيادة الجانبية، ورغم أن الطائرة لم تكن إيرباص 320، وإنما 330 لكن بقمرة قيادة مشابهة وبنظام طيران مماثل، فإن ذلك قد فتح الباب على مصراعيه من الشكوك حول مدى مصداقية نظام الإمرات الكهربائية FBW لهذه الفئة من الطائرات لإيرباص؛ لكن الشركة أدخلت بعد تلك الحوادث بعض التعديلات على نظام الكمبيوتر المتحكم بالطيران.

عائلة جديدة
تتطلع إيرباص إلى مزيد من الطلبات على طرازها الأحدث من عائلة طائرات A320، الذي يطلق عليه NEO والذي بات يحصد الصفقات تلو الصفقات بسبب ما يحتويه من مميزات عديدة تكفل -حسب زعم الشركة الصانعة- مزيدا من الاقتصادية والكفاءة في استهلاك الوقود والتشغيل، إلى جانب خيارات متعددة للمحركات التي تسمح بتوسعة مدى عمل الطائرة لمديات أبعد، وبالتالي مزيدا من الوجهات للسفر بالنسبة للركاب.
هذه باختصار شديد قصة ربع قرن لطائرة ركاب غيّرت من مفاهيم النقل الجوي.

محاسن نظام FBW
يضمن نظام الطيران بواسطة السلك، القدرة على التحكم بسطوح الطائرة في الظروف الفيزيائية الخاصة، واذا ما ارتبط هذا النظام بجهاز كمبيوتر فان من الممكن للطيار الطيران بطائرته الى حدودها القصوى والمناورة بها بطريقة حادة ومميزة دون الخشية من فقدان السيطرة على الطائرة او وقوعها في حال انهيار، وهو امر كان في السابق يقلق الطيارين ويحد من قدرة طائراتهم أما من ناحية الصيانة، فإن نظام FBW اسهل من النظام التقليدي وذلك يرجع الى أمرين وهما:
1 - نظام اكتشاف الأعطال المركزي، الذي يضمن اكتشاف أي خلل في اجهزة الطائرة دون البحث عنه لساعات طوال.
2 - وجود اجزاء متحركة اقل وبالتالي تصبح عملية الصيانة برمتها اسهل.

رابط المصدر