حصلت معي قصة تكاد لا تصدق وأجزم بأن الكثيرين يحلمون بها، ففي الوقت الذي اعتقدت فيه أنني استنفدت جميع أيام إجازتي القانونية، أقبل علي المدير، وأنا أقطر عرقاً من مهمة كتابة صعبة أوكلت إلي، يزف إلي الأخبار السارة، ويخبرني أن أياماً من إجازتي السنوية لم أغتنمها بعد، قالها بشكل سريع في البداية، شعرت بغثيان مفاجئ وصداع رهيب سرعان ما أفقت منه لأجد المدير ما يزال واقفاً هناك في ذات المكان، ويبدو أنه شعر بما حدث لي فمنحني بعض الوقت لاستعادة تركيزي، ثم ... هتف " لديك عشرين يوماً"!!. لم أتكلم في البداية لدرجة شعرت فيها أن الدم توقف عن الوصول إلى دماغي، وأني على وشك أن أكون واحداً من المئات الذين يصابون بالجلطة الدماغية يومياً إثر سماع خبر محزن أو مفرح، ولكن سرعان ما وجدت أسارير وجهي تتفرد تطمئنني أنني ما زلت على قيد الحياة، ولمعت عيناي كطفل بريء يرتع في مدينة الألعاب لأول مرة في حياته. شكرت المدير تأكيده ضرورة اغتنامي للأيام المتبقية ووعدته.... بأنني سأفعل!!!
إلى خارج الواقع ... ربما
وسط دهشة لم أشعر بها من قبل، تخللها عدد لا حصر له من مسببات الأرق والضجر، على المستوى التنظيمي، نظراً لقصر الوقت أمامي، سرعان ما استجمعت قواي، ولم أجد نفسي إلا واقفاً أمام بوابة طائرة "الإمارات" المتجهة إلى دبي من العاصمة الأردنية عمّان على مشارف رحلة من العمر... إلى ماليزيا!
أسير الرحلة والراحلة ... طيران الإمارات
من المذهل ما تحاول شركات الطيران حول العالم إنجازه لتوفر أقصى درجات الراحة والعملية الممكنة لعملائها على متن طائراتها، كل حسب إمكانياتها، ولكن عدداً من شركات الطيران الرائدة لا يرضى بأقل من أعلى مستويات الجودة. والشركة التي أتحدث عنها هنا، هي: طيران الإمارات. تجربتي مع هذا الطيران كانت ساحرة. إن ما يقدمه طيران الإمارات بكل بساطة ... مختلف! يجعلها فعلاً في مصاف خطوط الطيران المرموقة عربياً وعالمياً.
من المعروف أن مظهر الطائرة من الداخل والخارج يشكل عنصراً أساسياً يبني عليه الراكب انطباعه الأول بالكامل حول شركة الطيران، وأعتقد أن طيران "الإمارات" يدركون هذا المعنى بالفعل، حيث تنفرد طائرات هذه الخطوط بمظهر جذاب يعلوه علم دولة الإمارات العربية المتحدة المنسدل بانسيابية جذابة، وأدنى منه تلمع "الإمارات" بالحروف الذهبية لتصدح بمكانة هذه الخطوط الرائدة على مستوى العالم، والتي تقف على رأس الخطوط العربية عن فئة الأربع نجوم مع كل من طيران الاتحاد وطيران عُمان وفقاً لوكالة التصنيف الدولية "سكاي تراكس" المتخصصة في تصنيف شركات الطيران والمطارات حول العالم. إلى الداخل، أجواء دافئة تعمها الراحة المفعمة بابتسامات طاقم الضيافة. وبرنامج ترفيه شخصي مصمم لتحقيق أقصى درجات المتعة والاستفادة من مجموعات أفلام الإثارة والدراما والرومانسية بالعديد من اللغات الحية بالإضافة إلى قنوات المعلومات.
دبي – أرض الثقافات المتباينة
هبوط ناجح وسلس في مدينة دبي، العاصمة التجارية للإمارات. هنا، يمكن للعديد من العرب والأجانب استخراج تأشيرة دخول فور وصولهم للاستمتاع بسحر دبي ليوم أو أكثر. بالنسبة لي كانت الفرصة مواتية، فالفصل شتاء والطقس جميل وقد وصلت في الثالثة ظهراً بينما تغادر رحلتي إلى العاصمة الماليزية كوالالمبور في الثانية عشرة من صباح اليوم التالي، سارعت إلى مكتب طيران الإمارات المخصص لخدمات حجز الفنادق والمساعدة في استخراج التأشيرات، ومقابل سعر خاص لليلة، وخلال ربع ساعة، ودون عناء انتهيت من إجراءات إصدار التأشيرة ليوم واحد بالرغم من ضرورة إصدار عدد من الوريقات قبل الحصول على التأشيرة التي قد تضيع منك بسهولة. نزلت في أحد أجنحة "المنارة" الفندقية، لم أضيع كثيراً من الوقت وسرعان ما توجهت إلى مركز التسوق الأول في الإمارات وهو مول الإمارات Mall of the Emirates.
كم هي عديدة الجنسيات التي يمكنك التعرف إليها في ذلك المركز، من بريطانيا وأوروبا إلى الهند والباكستان والعالم العربي. كم هي ممتعة تجربة التسوق فيه من خلال مئات المحال التجارية التي تتضمن العديد من الأسماء والماركات العالمية. بإمكانك تجربة التزلج الرائع على الجليد أو الاستمتاع بالفقرات الترفيهية المثيرة التي تقام في مختلف جنبات المركز، ناهيك عن شاشات السينما. باختصار يمكنك قضاء يوم كامل داخل هذا المركز لتتمكن من الاستمتاع بكل ما يقدمه من النشاطات والفعاليات المختلفة وبالطبع المحلات الراقية والأخرى.
بعد جولة تسوق ثرية مضت بسرعة البرق، قاربت ساعة الصفر، وحان وقت المغادرة، وإكمال رحلتي إلى ماليزيا. لم يستغرق وصولي إلى المطار طويلاً، حيث المواصلات مؤمنة منه وإليه. هنا ... سيعرف عشاق السفر والترحال في هذه اللحظات كيف بدأ قلبي يخفق من شدة الإثارة، وبعد مرور ساعة ونيف من التجول في مبنى "الإمارات" الجديد الرائع، والأشبه بمركز تجاري غني ولكنه مزود ببوابات للطائرات، مكثت أتطلع لرحلتي القادمة إلى كوالالمبور وأتخيل كيف ستكون. سريعاً، بدأ الصعود إلى الطائرة، شعرت بالنشوة تغمرني وأنا أتطلع إلى هذه الآلة الضخمة المسماه بوينغ 300ER-777، أكبر الطائرات مزدوجة المحركات النفاثة، وذات الخمسة والستين متراً. سرعان ما دخلت الطائرة: كان الاستقبال حميمياً، وأخذ جميع الركاب أماكنهم بكل انسيابية وسرعة، وأقلعت الرحلة 521 EK في الوقت المحدد لها في أول رحلة بعيدة المدى لي ... على الإطلاق...
دبي – أقاصي جنوب آسيا على متن 300ER-777
لعل الكفاءة المذهلة التي تتمتع بها طائرة بوينغ 300-777، نظرياً في أواخر عام 1993م، وعملياً ببنائها الكامل بعد أربع سنوات من البحث والتصميم والتشييد، لا تضاهيها أي طائرة أخرى من فئتها، فمساحة مقصورتها الواسعة التي تصل قدرتها الاستيعابية إلى 550 راكباً واستهلاكها الاقتصادي للوقود ومناسبتها للرحلات طويلة المدى التي تتجاوز الخمس ساعات (3000 كم) جعلها محط اهتمام شركات الطيران حول العالم، وبالفعل سجل هذا النموذج من الطائرات مبيعات هائلة حول العالم خصوصاً في العام 2000م محققاً آمال القائمين على الشركة الرائدة في صناعة الطائرات المدنية والعسكرية على السواء.
هنا على متن الرحلات طويلة المدى تجد الحفاوة والترحيب والطعام اللذيذ والترفيه المترف، العديد من الخيارات والخدمات التي تساعدك في قطع الوقت والاستمتاع برحلتك لأقصى الحدود.
لنرى! شاشة كبيرة مقاس 15 إنشاً تعمل بتقنية اللمس، أداة تحكم متطورة، قائمة طويلة لأفلام عربية وأجنبية مختارة، ألعاب فيديو متعددة، قناة المعلومات وأيضاً قناة راحة المسافرين التي تعرض وسائل وطرق الاسترخاء خلال رحلتك، بالإضافة إلى إمكانية الولوج إلى البريد الإلكتروني الشخصي بتعرفة معقولة، منفذ USB لتوصل جهاز تشغيل ملفات MP3 الخاص بك. احبس أنفاسك .. المس الشاشة العجيبة لتدهشك بما تخبئه خلفها من الترفيه المتواصل حتى يغلبك النعاس دونها أو تصل وجهتك وأنت مفتون بها. كل ذلك، بميزة استثنائية هي مقبس كهربائي 110 فولت يمنحك إمكانية تشغيل حاسوبك الشخصي ومتابعة أعمالك أو إعادة شحن جهازك الجوال وغير ذلك من المهام التي تتطلب جهداً كهربائياً عالياً.
أقلعت الطائرة ... يااااه ... كم هي جميلة دبي من السماء .. ليلاً. أما في أحضان "الإمارات"، فإضافة إلى المزايا الساحرة التي ذكرتها آنفاً، خلال الرحلة يتم تعتيم المكان لكي تنعم بأجواء الراحة وتخلد إلى النوم طفلاً وديعاً، وما هي إلا دقائق حتى يتحول سقف الطائرة إلى سماء بنجوم وكواكب وقوس قزح.. ياله من منظر! نصف ساعة من الزمن، تنبهك المضيفة الجوية بأن موعد العشاء المتأخر - السحور إن أردت- قد حان، وأنها ستأتيك بوجبتك خلال خمس دقائق، فلتستعد.. أشعر بداخلي بالسعادة، يالها من حفاوة واحتراف في التعامل مع المسافرين .. حسناً لا أعتقد أنني سأقول لا لوجبة الطعام الشهية التي تقدمها "الإمارات" على متن هذه الرحلة بالذات.
ممم .. طعم ممتاز ووجبة مناسبة، الآن أضاعف استمتاعي بالطعام بمتعة المشاهدة، أستطلع معلومات الرحلة ووقت الوصول المتوقع، أشاهد ما أرغب من كم الأفلام والمسلسلات الكبير. ثم ... يا إلهي، كيف مر الوقت بسرعة، انتهى الفيلم وقد أنهيت وجبتي منذ وقت طويل .... كانت تلك تجربة لا تنسى! والآن أنهض من مقعدي لأتعرف على الطائرة وأتجول فيها، أنظر من النافذة وأتفكر في عظمة الخالق سبحانه، وكيف وبأي طريقة يشق البشر السماء بهذه الأطنان، أتحدث إلى بعض الركاب وأتعرف إليهم وأعرفهم بنفسي، هذا من تركيا، هؤلاء أميركيون وأولئك ألمان، يمكنك مشاهدة العديد من الجنسيات على متن هذه الرحلة، ولديك متسع من الوقت للتعرف على ثقافات المسافرين معك وعقد الصداقات معهم.
لكل بداية خاتمة. ورحلتي الوردية الرائعة أقلعت وحلقت بي في عالم تجلى فيه جمال الإنسان وسحر المكان ... ماليزيا. وأعتقد أننا جميعا شاهدنا هذا الجزء من العالم ونعرف عنه كل شيء، لذلك فإنني أختم مقالتي هاهنا التي آثرت أن أنقل لكم فيها تجربتي الساحرة، وهبطت بي إلى حيث الأمل بغد قريب أفضل ... كم أحب السفر والترحال!!! بانتظار تعليقاتكم البناءة بكل سعة صدر.[/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE][/FONT][/RIGHT]