حوار دار بين الجزيره والكابتن ومساعده
على ارتفاع 35 الف قدم، وفي رحلة انطلقت من العاصمة الرياض الى باريس، عايشت (الجزيرة) تجربة مثيرة داخل كابينة القيادة.
ماذا يدور داخل الكابينة!! الاقلاع والهبوط! المطبات والسحب الهوائية!! أين تكمن الخطورة.. ومتى تحين ساعات القلق!
نقاط عديدة رصدناها في حوار على هذا الارتفاع الشاهق مع الكابتن طيار أحمد المزيني ومساعده الكابتن ابراهيم الحميدي، حول عالم الطيران المثير.
كل شيء جاهز للاقلاع
الكابتن طيار المزيني (يسار) ومساعده الحميدي يمين
* ما هي اوجه الاختلاف بالنسبة لكم كطيارين بين الاقلاع والهبوط في الرحلات الدولية والداخلية؟
الاستعداد واحد بالنسبة لنا كطيارين ولكن كما تعلم الرحلة الدولية تكون طويلة نوعا ما، ولذا تحتاج الى تجهيز فيما يتعلق بالحمولة ومقدار الوقود ومعرفة طبيعة المطار المتجه اليه.
ففي اوربا اغلب المطارات تكون مقفلة ليلا وبالتالي على الطيار ان يراعي متى سيصل وكيف سيكون جدوله منذ اقلاعه.
مثلا نحن الآن مبرمجون رحلاتنا الدولية على ان يكون وصولها في الصباح الباكر.
* ولماذا هذا الاجراء من قبل المطارات الاوربية؟
الواقع ان اغلب المطارات في اوربا مثل فرانكفورت او باريس تقع في مناطق سكنية وهم يحترمون خصوصية وراحة الانسان بشكل كبير ولذا يقفلون مطاراتهم بعد منتصف الليل وحتى السادسة صباحا، منعا لازعاج السكان القاطنين بجوار المطار.
* ما هو الاكثر راحة للطيار.. ان يطير صباحا او مساء؟
بالنسبة لي كطيار وانسان اولا افضل ان اعمل صباحا. والرحلات المسائية مزعجة نوعا ما لانه يجب الاستعداد لها بنوم كافٍ.
احدثك عن نفسي، فقد كنت في جوهانسبرج بجنوب افريقيا قبل يومين واقلعنا صباحا ووصلنا جدة 11 مساء.. وها انا الآن اقلع من الرياض الثانية ليلاً لأصل باريس السابعة والنصف صباحا.
وهكذا فالرحلات المسائية لا تكون على وتيرة واحدة وقد تزعج برامج الطيار وخاصة فيما يتعلق بالنوم الكافي.
* * دعني اسألك.. ما الذي يزعج الطيار ومساعده جوا.. هل هي الامطار.. ام العواصف الرملية ام كثافة الضباب؟
عموم ما ذكرت مزعجة وعوامل الطقس تلعب دورا هاما. ولكن السحب الركامية اكثر ازعاجا لنا وخاصة تلك التي تتشكل في فصل الشتاء في الشرق الاوسط واوربا وصيفا في الشرق الاقصى.
اما العواصف الترابية فلم نعد نراها منذ فترات طويلة وخاصة في مدينة الرياض، حيث اتجهت الى مناطق اخرى.
مساعد الطيار يتحدث ل (الجزيرة)
انتقلنا بالحديث الى مساعد الطيار الكابتن ابراهيم الحميدي الذي بدا منهمكا في قراءة معلومات عبر الحاسب الآلي في شاشات مثبتة امامه.
قلنا له:
* * هل تواجهون منغصات او مشكلات خلال الاقلاع والهبوط.. وكيف تتعاملون معها؟
كل رحلة لها طابع خاص بها والروتين يتغير من رحلة لأخرى ومن الصعب ان تحكم على ذلك بصورة عامة.
* * حسنا.. وهل انت ككابتن مساعد تملك نفس المواصفات والمؤهلات التي تتوافر لدى الطيار؟
نعم. فالمعلومات والدراسات واحدة.
الفرق بيننا ان الكابتن طيار لديه من الخبرة اكثر والساعات اطول.
* سألت الكابتن طيار أحمد المزيني.. عن الجوانب التي يعتمد فيها على مساعده الكابتن ابراهيم.
اجاب.. اعتمد عليه في كل شيء، وهو ساعدي الايمن.. وهو معي الآن ليتأهل في المستقبل ليصبح طيارا اساسيا وقائد طائرة.
وأود هنا ان اضيف تعليقا حول ما يصادفنا من مشكلات جوية.
واقول.. انه في كل رحلة تكون هناك مشاكل خارجة عن الارادة وهي غير مخططة او متوقعة فهناك مثلا مشاكل تتعلق بالركاب الذين يتأخرون في الصعود للطائرة.. ومثل تلك قد لا تكون مبرمجه في الاساس. ويترتب على ذلك تأخير اقلاع وبالتالي تأخير وصول وهكذا.
* ولكن أليس من حقك كطيار ان تتدخل في وضع كهذا؟
لا.. الشيء الوحيد الذي لا اتدخل فيه هو ركوب المسافرين، فالراكب من حقه ان يأخذ وقته في الصعود. واحيانا تتأخر رحلة ما حتى يتمكن الجميع من صعود الطائرة وهذه مسؤولية الزملاء في الخدمات الارضية.
* * هل واجهتك حالات معينة، اضطررت فيها لأن تطلب من راكب ان يغادر الطائرة؟
شخصيا.. لم يسبق لي ذلك.
* * هل يفترض في كل رحلة دولية للخطوط السعودية تمر فوق اجواء اجنبية، ان تخطر تلك الدولة (ملاحيا)؟
هذا صحيح.
فكل دولة نمر عليها لها رادار معين ونتحدث معهم، للتنسيق بين عملية عبور الطائرات ومن ينخفض ومن يرتفع وهكذا، فالرادار يتولى ذلك.
* * هل صادفتك خلال مسيرتك كطيار مواقف عصيبة ما؟
جميع المواقف بإذن الله تحت السيطرة.
ولا أود أن أذكر مواقف قد تصيب ركاب الطائرات بالهلع.
إلا أن المواقف العصيبة واردة في كل وقت وموقع وزمان ونحن كطيارين دوما نتوقعها.
سواء الاهتزازات.. المطبات الجوية.. الاعطال الفجائية التي لا يشعر بها الراكب ونسعى لمعالجتها دون الحاجة لاعادة الطائرة الى المطار.
* * يقال انه بعد ان اصبح الطيران الياً وعبر الكمبيوتر لم يعد للكابتن ومساعده تلك الأدوار الأساسية؟
إطلاقاً لا .
أنا أتحدث معك الآن ولكن مساعدي يتولى المهمة ويراقب الطائرة.
ولا يعني وجود الطيار الآلي ان ننسى الوضع.
ففي حالات معينة قد يتعطل الطيار الآلي.
* * هناك طاقم ملاحين ومشرف رحلة.. ما هو دورهم تحديداً؟
هولاء يتولون الجوانب الخدماتية داخل الطائرة بكل معانيها والاشراف على راحة الركاب وتذليل اي مصاعب يواجهونها.
ونحن مهمتنا داخل كابينة القيادة ولا نتدخل الا في حدود ضيقة ومعينة.
* * هل طبيعة المدرجات والتجهيزات في المطارات التي تقلعون وتهبطون بها تؤثر ايجابا او سلبا على سلامة الطائرة؟
لا شك في ذلك.
ومثل هذه الطائرة التي نحن بها تذهب الى كل مكان عدا امريكا والشرق الاقصى.
ولك ان تتخيل مطار لندن او باريس او مطاراً في اسيا او افريقيا.
هناك مطارات متقدمة للغاية تجهيزا وخدمة وتقنية وبالمقابل هناك مطارات سيئة للغاية.
* * انتم كطيارين كيف تتعاملون مع فارق وطريقة النطق باللغات المختلفة في ابراج المراقبة؟
نحن لا نعاني من ذلك.
ربما المشكلة في مطار باريس لانهم يتحدثون الانجليزية والفرنسية معاً.
اما بقية مطارات العالم فاللغة الانجليزية هي الاساسية.
انتقلت للكابتن (ابراهيم) مساعد الطيار، وسألته:
* * ما المقلق أكثر الاقلاع أم الهبوط؟
أكون صريحاً معك واقول انه لا فرق بين الاثنين وكلاهما الاهم في الرحلة.
وهنا يلتقط الكابتن الحديث معقباً ويقول:
الاقلاع حرج لان جميع المحركات تكون في اقصى طاقة لها واغلب مشاكل الطائرات تكون اثناء الاقلاع.
وقد صادفت اكثر من مرة ان عدت خلال الاقلاع لاكتشافي مشاكل في المحركات وهناك احصائيات عن ذلك على مستوى عموم الطيارين.
ولكنني اعتقد ان خطورة الهبوط تكمن في ان اغلب حوادث الطائرات وتحطمها تقع اثناء الهبوط.
فعند الاقلاع وعند حدوث مشكلة يمكن العودة ولكن عند الهبوط تتحكم عوامل الجو في الوضع كليَّا.
* * مقارنة بالطيارين على مستوى العالم
ما هو موقع الطيارين السعوديين في الاخطاء المهنية؟
بحمد الله قليلة وتكاد تكون معدومة.
نحن نأخذ دورات نصف سنوية وعلى اجهزة ميدانية نمارس بها كافة الاخطاء المتوقعة وطرق معالجتها.
* * وما دور المهندسين الجويين في مساعدتكم؟
في الطائرات الحديثة الآن تم الاستغناء عن جميع المهندسين الجويين، واصبح الكمبيوتر يقوم بدور المهندس واغلب الأجهزة تعمل اوتوماتيكيا.
والاتجاه العالمي الآن تقليص عدد افراد كابينة القيادة إلى طيار ومساعد فقط.
مشاهدات من الرحلة
* ساعات متواصلة قضيناها داخل الكابينة.
وبدا واضحاً مقدار المهارة والمهنية التي يملكها الطيارون السعوديون ولم تسجل الطائرة أي حركة اهتزاز او تعرض لمطبات هوائية عصيبة.
* يتذكر الكابتن طيار المزيني موقفا عالقاً في ذهنه حين تفاجأ براكب يهرول إليه ويخبره بأنه ركب الطائرة ونسى زوجته داخل المطار.
واضطر إلى أن يعود من آخر المدرج لإحضار الزوجة واركابها.
* بدت كابينة القيادة اشبه بمركبة فضاء خاصة خلال الليل حيث النجوم والاضواء في أجواء خلابة.
* خالف الكابتن ومساعده الاراء العامة التي تعتقد ان الاقلاع اصعب من الهبوط.
ورأيا ان الهبوط هو الأكثر حرجاً.
* يبدو أن هناك طرقاً حديثة للكشف عن مستخدمي الهواتف الجوالة خلال الرحلة.
إلا أن الطيار ومساعده امتنعا عن شرحها.
* اعتذر الكابتن عدة مرات خلال اجراء اللقاء ليجري عدة اتصالات عبر اللاسلكي بمواقع معينة كما تصادف مرور طائرة سعودية وتحادث معها الكابتن عدة مرات، حيث كان تحليقها مجاوراً.