عرض مشاركة واحدة
قديم 21-03-2007, 09:09 PM  
  مشاركة [ 2 ]
الصورة الرمزية mohamed motrash
mohamed motrash mohamed motrash غير متواجد حالياً
مساعد طيار
 
تاريخ التسجيل: 21 - 03 - 2007
العمر: 56
المشاركات: 137
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 218
mohamed motrash مازال في بداية الطريق
mohamed motrash mohamed motrash غير متواجد حالياً
مساعد طيار


الصورة الرمزية mohamed motrash

مشاهدة ملفه الشخصي
تاريخ التسجيل: 21 - 03 - 2007
العمر: 56
المشاركات: 137
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 218
mohamed motrash مازال في بداية الطريق
افتراضي رد: موسوعه الرسول صلي الله عليه وسلم

خديجة رضي الله عنها .. نعم الزوجة المؤمنة الصالحة
أول ما فرضت الصلاة
قال ابن إسحاق: وآمنت خديجة بنت خويلد، وصدقت بما جاءه من الله، وازرته على أمره، وكانت أول من آمن بالله ورسوله وصدقت بما جاء منهن فخفف الله بذلك على رسوله، لا يسمع شيئاً يكرهه من رد عليه، وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عنه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس، رضي الله عنها وأرضاها.
قال ابن إسحاق: وحدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عبدالله بن جعفر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب). قال ابن هشام: القصب هنا اللؤلؤ المجوف.
قال إبن إسحاق: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر جميع ما أنعم الله به عليه وعلى العباد من النبوة سراً إلى من يطمئن إليه من أهله.
وقال موسى بن عقبة عن الزهريك كانت خديجة أول من آمن بالله، وصدق رسوله، قبل أن تفرض الصلاة.
يعني الصلوات الخمس ليلة الإسراء، فأما الصلاة فقد وجب في حياة خديجة رضي الله عنها.
وقال ابن إسحاق: وكانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بما جاء به. ثم إن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افترضت عليه الصلاة، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت له عين من ماء زمزم، فتوضأ جبريل ومحمد عليهما السلام، ثم صلى ركعتين، وسجد أربع سجدات، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم وقد أقر الله عينه، وطابت نفسه، وجاءه ما يحب من الله، فأخذ يد خديجة حتى أتى بها إلى العين، فتوضأ كما توضأ جبريل، ثم ركع ركعتين وأربع سجدات، ثم كان هو وخديجة يصليان سراً.
صلاة جبريل هذه غير الصلاة التي صلاها به عند البيت مرتين، فبين له أوقات الصلوات الخمس، أولها وآخرها، فإن ذلك كان بعد فرضيتها ليلة الإسراء.
وأنذر عشيرتك الأقربين
قال تعالى: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) (القصص85) .. أي إن الذي فرض عليك وأوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إلى دار الآخرة - وهي المعاد - فيسألك عن ذلك.
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: لما أنزل الله: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (الشعراء 114) .. أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه، ثم نادى: (يا صباحاه) فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا بني عبدالمطلب يا بني فهر، يا بني كعب، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم! قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد) فقال أبو لهب - لعنه الله - تباً لك سائر اليوم! أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله عزوجل: (تبت يدا أبي لهب وتب) (المسد 1).
عن ابي هريرة. قال: لما نزلت هذه الآية: (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فعم وخص .. فقال: (يا معشر قريش، أنقذوا أنفسكم من النار، فجاءني .. يا فاطمة بنت محمد، أنقذي نفسك من النار. فإني والله لا أملك لكم من الله شيئاً، ألا إن لكم رحماً سأبلها ببلائها) عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأنذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره، فصمت، فجاءني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك بالنار) قال: فدعاني فقال: (يا علي، إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من طعام، وأعد لنا عس (قدح كبير) لبن، ثم اجمع لي بني عبدالمطلب) ففعلت، فاجتمعوا له يومئذ وهم أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصون، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة والعباس، وأبو لهب - الكافر الخبيث - فقدمت إليهم الجفنة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حذية فشقها بأسنانها، ثم رمى بها في نواحيها، وقال (كلوا باسم الله) فأكل القوم حتى نهلوا عنه، ما نرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استقم يا علي) فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم، بدره أبو لهب - لعنه الله - فقال: لهد ما سحركم صاحبكم! فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان الغد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عد لنا مثل الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب، فإن هذا الرجل قد بدر إلى ما سمعت قبل أن أكلم القوم) ففعلت، ثم جمعتهم له، وصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نهلوا عنه، وأيم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسقهم يا علي) فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بني عبدالمطلبن إني والله ما اعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتم به، إني قد جئتكم بامر الدنيا والآخرة).
الرسول يدعوا أهل مكة
فيلقى صدودهم فيحميه عمه أبو طالب
واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله تعالى ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا يرده عن ذلك راد ولا يصده عن ذلك صاد، يتبع الناس في أنديتهم، ومجامعهمن ومحافلهم، وفي المواسم، ومواقف الحج، يدعو من لقيه من حر وعبد، وضعيف وقوي وغني وفقير، جميع الخلق في ذلك عنده شرع سواء وتسلط عليه وعلى من اتبعه من آحاد الناس من ضعفائهم الأشداء الأقوياء من مشركي قريش بالأذية القولية والفعلية، وكان أشد الناس عليه عمه أبو لهب- واسمه عبدالعزى بن عبدالمطلب - وامرأته أم جميل - أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان - وعن ربيعة الديلين قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي المجاز (سوق) يتبع الناس في منازلهم، يدعوهم إلى الله، ووراءه رجل أحول تقد وجنتاه وهو يقول: أيها الناس، لا يغرنكم هذا عن دينكم ودين آبائكم قلت: من هذا؟ قيل: هذا أبو لهب.
عن طلحة بن يحيى عن عبدالله بن موسى بن طلحة أخبرني عقيل بن أبي طالب، قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا، فقال: يا عقيل، انطلق فأتني بمحمد.
فانطلقت إليه فاستخرجته من بيت صغير، فجاء به في الظهيرة في شدة الحر، فلما أتاهم قال: إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء، فقال: (ترون هذه الشمس؟) قالوا: نعم! قالك (فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشتعلوا منه بشعلة) فقال أبو طالب: والله ما كذب ابن أخي قط، فارجعوا.
عن ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، أنه حدث أن قريشاً حين قالت لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يابن أخي، إن قومك قد جاءوني وقالوا: كذا وكذا، فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر مالا أطيق أنا ولا أنت، فكفف عن قومك ما يكرهون من قولك .. فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد بدا لعمه فيه، وانا خاذله ومسلمه، وضعف عن القيام معهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ياعم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه) ثم استعبر (جرى دمعه) رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، فلما ولى قال له حين رأى ما بلغ الأمر برسول الله صلى الله عليه وسلم: يابن أخي، فأقبل عليه، فقال: امض على أمرك وافعل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء ابداً.
قال ابن إسحاق: ثم قال أبو طالب في ذلك:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ..... حتى أوسد في التراب دفينا
فامضي لأمرك ما عليك غضاضة ..... أبشر وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك ناصحي ..... فلقد صدقت وكنت قدم أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه ..... من خير أديان البرية دينا قال البيهقي: وذكر ابن إسحاق لأبي طالب في ذلك إشعاراً، وفي ذلك دلالة على أن الله تعالى عصمه بعمه مع خلافه إياه في دينه، وقد كان يعصمه حيث لا يكون عمه بما شاء، لا معقب لحكمته.
وقال يونس بن كبير: حدثني محمد بن إسحاق حدثني رجل من أهل مصر قديماً منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس، في قصة طويلة جرت بين مشركي مكة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام رسول الله قال أبو جهل بن هشام: يا معشر قريش، إن محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم أبائنا وتسفيه أحلامنا وسب آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلس له غذاً بحجر، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم.
فلما أصبح ابو جهل - لعنه الله - أخذ حجراً ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو وكان قبلته الشام (سوريا - الأردن - فلسطين - لبنان)، فكان إذا صلى صلى بين الركنين الأسود واليماني، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منبهتاً ممتقعاً لونه مرعوباً قد يبست يده على حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقام إليه رجال من قريش، فقالوا له: ما بك يا أبا الحكم؟ فقال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل، والله ما رأيت مثل هامته، ولا قصرته (القصرة: أصل العنق) ولا أنيابه، لفحل قط، فهم أن يأكلني !!
قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ذلك جبريل، ولو دنا منه لأخذه).
عن أبان بن صالح عن علي بن عبدالله بن عباس عن أبيه عن عباس بن عبدالمطلبن قال: كنت يوماً في المسجد، فأقبل أبو جهل - لعنه الله- فقال: إن لله علي إن رأيت محمداً ساجداً أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضباناً حتى جاء المسجد، فعجل أن يدخل من الباب فاقتحم الحائط، فقلت: هذا يوم شر، فأتزرت ثم اتبعته، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق) (العلق 1-2). فلما بلغ شأن أبي جهل: (كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى) (العلق 6-7). فقال إنسان لأبي جهل: يا ابا الحكم هذا محمد؟ فقال أبو جهل: ألا ترون ما أرى؟ والله لقد سد أفق السماء علي.
عن سعيد بن وهب عن خباب. قال: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم شدة الرمضاء، فما أشاكنا - يعني في الصلاة، وقال ابن جعفر: فلم يشكنا. وقال أيضاً. حدثنا سليمان بن داود حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت سعيد بن وهب يقول سمعت خباباً يقول: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرمضاء فلم يشكنا. قال شعبة: يعني في الظهيرة ورواه مسلم والنسائي والبيهقي من حديث أبي إسحاق البيعي عن سعيد بن وهب عن خباب، قالك شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء - زاد البيهقي: في وجوهنا وأكفنا - فلم يشكنا وفي رواية: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة في الرمضاء فلم يشكنا ورورى ابن ماجة عن علي بن محمد الطنافسي عن وكيع عن الأعمش عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب العبدي عن خباب، قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء، لم يشكنا. وهو أنهم شكو إليه صلى الله عليه وسلم ما يلقون من المشركين من التعذيب بحر الرمضاء، وأنهم يسحبونهم على وجوههم فيتقون بأكفهم، وغير ذلك من أنواع العذاب وسألوا منه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم على المشركين أو يستنصر عليهم، فوعدهم ذلك ولم ينجزه لهم في الحالة الراهنة، وأخبرهم عمن كان قبلهم أنهم يلقون من العذاب ما هو أشد مما أصابهم ولا يصرفهم ذلك عن دينهم، ويبشرهم أن الله سيتم هذا الأمر ويظهره ويعلنه، وينشره وينصره في الأقاليم والآفاق، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله عزوجل والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون .. ولهذا قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في وجوهنا وأكفنا، فلم يشكنا - أي لم يدع لنا في الساعة الراهنة.
وفاة أبو طالب واشتداد أذى قريش
قال ابن إسحاق: فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن نالته منه في حياة عمه أبي طالب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصرة والمنعة بهم من قومه، ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله تعالى، فخرج إليهم وحده.
عن محمد بن كعب القرظي قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وعمد إلى نفر من ثقيف هم سادة ثقيف وأشرافهم وهم أخوة ثلاثة: عبدياليل، ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف .. وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وكلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال أحدهم: هو يمرط (يسقط) ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك.
وقال الآخر: أما وجد الله أحداً أرسله غيرك؟
وقال الثالث: والله لا أكلمك أبداً لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام ولأئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم إن فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم (يجرئهم) ذلك عليه فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس والجأوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه، ورجع عنه سفهاء ثقيف من كان يتبعه فعمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - المرأة التي من بني جمح، فقال لها: ماذا لقينا من احمائك. فلما اطمأن قال - فيما ذكر - (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتهجمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك) .. قال: فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة وما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له: عداس وقالا له: خذ قطفاً من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه .. ففعل عداس ثم ذهب به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له: كل ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فيه قال: (بسم الله) ثم أكل، ثم نظر عداس في وجهه ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل أي بلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟ قال: نصراني وأنا رجل من أهل نينوى (إحدى محافظات العراق) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى.
فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك أخي كان نبياً وأنا نبي .. فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه. قال: يقول أبناء ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاء عداس قالا له: ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟
قال: يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي قالا له: ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه.
وقد ذكر موسى بن عقبة نحواً من هذا السياق إلا أنه لم يذكر الدعاء وزاد وقعد له أهل الطائف صفين على طريقه، فلما مر جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموه فخلص منهم وهما يسيلان الدماء فعمد إلى ظل نخلة وهو مكروب وفي ذلك الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعه، فكره مكانهما لعداوتهما الله ورسوله. عند موت أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان ناصراً له وقائماً في صفه ومدافعاً عنه بكل ما يقدر عليه من نفس ومال ومقال وفعال ، اجترأ سفهاء قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونالوا منه مالم يكونوا يصلون إليه ولا يقدرون عليه.
عن عروة بن الزبير عن عبدالله بن جعفر قال: لما مات أبو طالب عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم سفيه من سفهاء قريش فألقى عليه تراباً، فرجع إلى بيته فأتت امرأة من بناته تمسح عن وجهه التراب وتبكي، فجعل يقول: (أي بنية لا تبكين فإن الله مانع أباك) ويقول ما بين ذلك: (ما نالت قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب ثم شرعوا) عن هشام بن عروة عن ابيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما زالت قريش كاعين (كاع عن الشيء: هابه وجبن عنه) حتى مات أبو طالب).
عن ثعلبة بن صعير وحكيم بن حزام أنهما قالا: لما توفي أبو طالب وخديجة - وكان بينهما خمسة أيام - اجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبتان ولزم بيته وأقل الخروج، ونالت منه قريش مالم تكن تنال ولا تطمع فيه، فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال: يا محمد تمض لما أردت وما كنت صانعاً لإذ كان أبو طالب حياً فاصنعه، لا واللات لا يوصل إليك حتى أموت وسب ابن الغيطة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل إليه أبو لهب فنال منه، فولى يصيح يا معشر قريش صبأ أبو عتبة، فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبي لهب فقال: ما فارقت دين عبدالمطلب ولكني أمنع ابن أخي أن يضام حتى يمضي لما يريد.
فقالوا: لقد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم.
فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أياماً يأتي ويذهب لا يعرض له أحد من قريش، وهابوا أبا لهب إذ جاء عقبة بن أبي معيط وأبو جهل إلى أبي لهب فقالا له: أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟ فقال له أبو لهب: يا محمد أين مدخل عبدالمطلب؟ قال: مع قومه. فخرج إليهما فقال: قد سألته فقال: (مع قومه). فقالا: يزعم أنه في النار.
فقال: يا محمد أيدخل عبدالمطلب النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن مات على ما مات عليه عبدالمطلب دخل النار) فقال أبو لهب - لعنه الله - والله لا برحت لك إلا عدواً أبداً وأنت تزعم أن عبدالمطلب في النار.. واشتد عند ذلك أبو لهب وسائر قريش عليه.
قال ابن إسحاق: وكان النفر الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته: أبو لهب، والحكم بن أبي العاص بن امية، وعقبة بن معيط، وعدي بن الحمراء، وابن الأصداد الهزلي. وكانوا جيرانه لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص. وكان أحدهم - فيما ذكر لي - يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلي، وكان أحدهم يطرحها في برمته (القدر من الحجارة) إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجراً يستتر به منهم إذا صلى، فكان إذا طرحوا شيئاً من ذلك يحمله على عود ثم يقف به على بابه ثم يقول: يا بني عبد مناف أي جوار هذا؟ ثم يلقيه في الطريق.
وأن غالب ما روي مما تقدم من طرحهم سلا الجزور بين كتفيه وهو يصلي كما رواه ابن مسعود وفيه: أن فاطمة جاءت فطرحته عنه وأقبلت عليهم فشتمتهم، ثم لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على سبعة منهم وكذلك ما أخبر به عبدالله بن عمرو بن العاص نت خنقهم له عليه السلام خنقاً شديداً حتى حال دونه أبو بكر الصديق قائلاً: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، وكذلك عزم أبي جهل - لعنه الله - على أن يطأ على عنقه وهو يصلي فحيل بينه وبين ذلك. وما أشبه ذلك كان بعد وفاة أبي طالب والله أعلم.
وفاة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
عن الزهري أنه قال: توفيت خديجة بمكة قبل خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقبل أن تفرض الصلاة.
وقال محمد بن إسحاق: ماتت خديجة وأبو طالب في عام واحد.
عن ابي هريرة. قال: أتى جبرائيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه غدام - أو طعام أو شراب - فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
لأنها حازت قصب السبق إلى الإيمان. لا صخب فيه ولا نصب لأنها لم ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم ولم تتعبه يوماً من الدهر فلم تصخب عليه يوماً ولا أذته أبداً.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما غرت على امراة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وماتت قبل ان يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن. لفظ البخاري، وفي لفظ عن عائشة: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وتزوجني بعدها بثلاث سنين، وأمره ربه - أو جبرائيل - أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب.
وفي لفظ له قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها ولكن كان يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة فيقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة. فربما قلتك كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: (إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد) .
عن عائشة قال: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع فقال: (اللهم هالة) فغرت فقلت: ما تذكر عن عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين ماتت في الدهر أبدلك الله خيراً منها. قال: (ما ابدلني الله خيراً منها، وقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني، وآستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء) - كان قبل أن يولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية. وقبل مقدمها بالكلية وهذا معين فإن جميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم - كما تقدم وكما سيأتي - من خديجة إلا إبراهيم فمن مارية القبطية المصرية رضي الله عنها.
عن عبدالله بن جعفر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد) أخير زمانهما. وروى شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قرة بن إياس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا ثلاث مريم بنت عمران، وآسيا امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).
والقدر المشترك بين الثلاثة نسوة - آسية ومريم وخديجة - أن كلاً منهن كفلت نبياً مرسلاً وأحسنت الصحبة في كفالتها وصدقته. فآسية ربت موسى وأحسنت إليه وصدقته حين بعث، ومريم كفلت ولدها أتم كفالة وأعظمها وصدقته حين أرسل وخديجة رغبت في تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وبذلك في ذلك أموالها - كما تقدم - وصدقته حين نزل الوحي من الله عزوجل.
ويحمل قوله: (وفضل عائشة على النساء) أن يكون محفوظاً فيعم المذكورات وغيرهن، ويحتمل أن يكون عاماً فيما عداهن ويبقى الكلام فيها وفيهن موقوفاً يحتمل التسوية بينهن فيحتاج من رجح واحدة منهن على غيرها إلى دليل والله أعلم.
عندما انشق القمر
جعل الله آية على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الهدي ودين الحق حيث كان ذلك وقت إشارته الكريمة حيث قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر) (الفجر 1-3) وقد أجمع المسلمون على وقوع ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
عن قتادة عن أنس: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فاراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما.
عن ابن عباس في قوله: (اقتربت الساعة وانشق القمر) قال ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وابو جهل بن هشام والعاص بن وائل والعاص بن هشام والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والنضر بن الحارث ونظراؤهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم (إن كنت صادقاً فشق لنا القمر فرقتين نصفاً على ابي قبيس ونصفاً على قعيقعان. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم (عن فعلت تؤمنوا؟!) قالوا: نعم! وكانت ليلة بدر. فسأل الله عزوجل أن يعطيه ما سالوا، فأمسى القمر قد سلب نصفاً على أبي قبيس ونصفاً على قعيقعان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: يا أبا سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن الأرقم اشهدوا.
عن ابن عباس قال: انتهى أهل مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل من آية نعرف بها أنك رسول فهبط جبرائيل فقال: يا محمد قل لأهل مكة أن يحتفلوا هذه الليلة فسيروا آية إن انتفعوا بها فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالة جبرائيل فخرجوالليلة الشق ليلة أربع عشرة فانشق نصفين نصفاً على الصفا ونصفاً على المروة فنظروا .. فقالوا: يا محمد ما هذا إلا سحر واهب.
فأنزل الله (اقتربت الساعة وانشق القمر) ثم روى الضحاك عن ابن عباس قال: جاءت أحبار اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أرنا آية حتى نؤمن بها، فسال ربه فأراهم القمر قد انشق جزءين أحدهما على الصفا والآخر عل المروة، قدر ما بين العصر إلى الليل ينظرون إليه ثم غاب فقالوا هذا سحر مفترى.
عن مسروق عن عبدالله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: هذا سحر ابن ابي كبشة فقالواك انظروا ما يأتيكم به السفار؟ فغن محمداً لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم. قال: فجاء السفار فقالوا ذلك. عن مسروق عن عبدالله قال: اشق القمر بمكة حتى صار فرقتين فقال كفار قريش لأهل مكة: هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة، انظروا السفار فإن كانوا رأوا ما رايتم فقد صدق وإن لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به. قالك فسئل السفار. قال - وقدموا من كل وجهة - فقالوا: رأينا.
قال الإمام أحمد: حدثنا مؤمل حدثنا إسرائيل عن سماك عن إبراهيم عن الأسود عن عبدالله - وهو ابن مسعود - قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رايت الجبل بين فرجتي القمر.
عن زيد بن وهب عن عبدالله بن مسعود قال: رايت القمر والله منشقاً باثنتين بينهما حراء.
وروى ابو نعيم من طريق السدي الصغير عن ال---ي عن ابي صالح عن ابن عباس قال: انشق القمر فلقتين: فلقة ذهبت وفلقة بقيت.
قال ابن مسعود: لقد رايت جبل حراء بين فلقتي القمر، فذهب فلقة فتعجب أهل مكة من ذلك وقالوا هذا سحر مصنوع سيذهب.
وقال ليث بن ابي سليم: عن مجاهد قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: (فاشهد يا ابا بكر) وقال المشركون: سحر القمر حتى انشق.
ليلة الإسراء والمعراج
اختلف العلماء في أن الإسراء والمعراج هل كانا في ليلة واحدة؟ أو كل في ليلة على حدة؟ فمنهم من يزعم أن الإسراء في اليقظة، والمعراج في المنام. وقد حكى المهلب بن أبي صفرة في شرحه البخاري عن طائفة: أنهم ذهبوا إلى أن الإسراء مرتين: مرة بروحه مناماً، ومرة ببدنه وروحه يقظة.
وقد حكاه الحافظ أبو القاسم السهيلي عن شيخه أبي بكر بن العربي الفقيه .. قال السهيلي: وهذا القول يجمع الأحاديث فإن في حديث شريك عن أنس وذلك فيما يرى قلبه وتنام عيناه ولا ينام قلبهن وقال في آخره: ثم استيقظت فإذا أنا في الحجر وهذا منام. ودل غيره على اليقظة.
ومنهم من يدعى تعدد الإسراء في اليقظة أيضاً حتى قال بعضهم: أنها أربعة إسراءات.
عن أنس بن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسرى به قال: بينما أنا في الحطيم - وربما قال: في الحجر مضجعاً إذ أتاني آت) فقال: وسمعته يقول: (فشق ما بين هذه إلى هذه) (فاستخرج قلبي) ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيماناً فغسل قلبي ثم حشى ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض) فقال الجارود: وهو البراق يا أبا حمزة؟ قال: أنس: نعم!: (يضع خطوة عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتي السماء الدنيا فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه. قال: نعم! قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه. فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحباً بالإبن الصالح والنبي الصالح .. ثم صعد إلى السماء الثانية فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح. فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت عليهما فردا ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح جبرائيل قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح. فلما خلصت إذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا إدريس قال: هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا هارون قال: هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا موسى قال: هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزت بكى فقيل له ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر من ما يدخلها من أمتى. ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبرائيل قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا إبراهيم قالك هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام ثم قالك مرحباً بالإبن الصالح والنبي الصالح.
ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: ما هذا يا جبرائيل؟ قال: أما الباطنان: فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع لي البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من عسل، فأخذت اللبن قال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك. ثم فرض علي الصلوات خمسون صلاة كل يوم فرجعت فمررت على موسى فقال: بم أمرت قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك. فرجعت فوضع عني عشراً فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشراً فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشراً فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ فقلت بخمس صلوات كل يوم.
قال إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك. قال: سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضي وأسلم قال: فلما جاوزت ناداني مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي.
قال البخاري: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، والشجرة الملعونة في القرآن قال: هي شجرة الزقوم.
لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من صبيحة ليلة الإسراء جاءه جبرائيل عند الزوال فبين له كيفية الصلاة وأوقاتها، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فاجتمعوا وصلى به جبرائيل في ذلك اليوم إلى الغد والمسلمون يأتمون بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقتدي بجبرائيل.
كما جاء في الحديث عن ابن عباس وجابر (أمني جبرائيل عند البيت مرتين) فبين له الوقتين الأول والآخر، فهما وما بينهما الوقت الموسع ولم يذكر توسعة في وقت المغرب وقد ثبت ذلك في حديث أبي موسى وبريدة وعبدالله بن عمرو وكلها في صحيح مسلم. فأما ما ثبت في صحيح البخاري عن معمر عن عمرو وكلها في صحيح مسلم. فأما ما ثبت في صحيح البخاري عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر . وكذا رواه الأوزاعي عن الزهري ورواه الشعبي عن مسروق عنها. وهذا من جهة أن عائشة كانت تتم الصلاة في السفر، وكذا عثمان بن عفان. وقد قال تعالى (وإذا ضربتم الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) قال البيهقي: وقد ذهب الحسن البصري إلى صلاة الحضر أول ما فرضت أربعاً كما ذكره مرسلاً من صلاته عليه السلام صبيحة الإسراء الظهر أربعاً، والعصر أربعاً والمغرب ثلاثاً يجهر في الأوليين، والعشاء أربعاً يجهر في الأوليين والصبح ركعتين يجهر فيهما.
فلعل عائشة أرادن أن الصلاة كانت قبل الإسراء تكون ركعتين ركعتين ثم فرضت الخمس حضراً على ما هي عليه، ورخص في السفر أن يصلي ركعتين كما كان الأمر عليه قديماً.
ومن هنا نرى أنه فرض الله سبحانه وتعالى على عبده محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته الصلوات ليلتئذ خمسين صلاة في كل يوم ولية، ثم لم يزل يختلف (يتردد) بين موسى وبين ربه عزوجل حتى وضعها الرب جل جلاله وله الحمد والمنة خمساً وقال: هي خمس وهي خمسون ، الحسنة بعشر أمثالها، فحصل له التكليم من الرب عز وجل ليلتئذ، وأئمة السنة كالمطبقين على هذا. واختلفوا في الرؤية: فقال بعضهم رآه بفؤاده مرتين، قاله ابن عباس وطائفة، وأطلق ابن عباس وغيره الرؤية وهو محمول على التقييد.
وممن أطلق الرؤية أبو هريرة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما ، وصرح بعضهم بالرؤية بالعينين واختاره ابن جرير وبالغ فيه وتبعه على ذلك آخرون من المتأخرين. وممن نص على الرؤية بعيني رأسه الشيخ أبو الحسن الأشعري فيما نقله السهيلي عنه، واختاره الشيخ أبو زكريا النووي في فتاويه.
وقالت طائفة: لم يقع ذلك لحديث أبي ذر في صحيح مسلم: قلت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: (نوراني آراه) وفي رواية (رأيت نوراً). قالوا: ولم يكن رؤيةالباقي بالعين الفانية ولهذا قال الله تعالى لموسى فيما روي في بعض الكتب الإلهية: يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده. والخلاف في هذه المسأله مشهور بين السلف والخلف والله أعلم.
ثم هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس والظاهر أن الأنبياء هبطوا معه تكريماً له وتعظيماً عند رجوعه من الحضرة الإلهية العظيمة، كما هي عادة الوافدين لا يجتمعون بأحد قبل الذي طلبوا إليه، ولهذا كان كلما مر علي واحد منهم يقول له جبريل - عندما يتقدم ذلك للسلام عليه - هذا فلان فسلم عليه، فلو كان قد اجتمع بهم قبل صعوده لما احتاج إلى التعرف بهم مرة ثانية. ومما يدل على ذلك أنه قال: (فلما حانت الصلاة أممتهم) ولم يحن وقت إذ ذاك إلا صلاة الفجر فتقدم إماماً بهم عن أمر جبريل فيما يرويه عن ربه عزوجل، فاستفاد بعضهم من هذا أن الإمام الأعظم يقدم الإمامة على رب المنزل حيث كان بيت المقدس محلتهم ودار إقامتهم، ثم خرج منه فركب البراق وعاد إلى مكة فأصبح بها وهو غاية الثبات والسكينة والوقار. وقد كاين في تلك الليلة من الآيات والأمور التي لو رآها - أو بعضها - غيره لأصبح مندهشاً أو طائش العقل، ولكنه صلى الله عليه وسلم أصبح واجماً - أي ساكناً - يخشى إن بدأ فأخبر قومه بما رأى أن يبادروا إلى تكذيبه، فتلطف بإخبارهم أولاً بأنه جاء بيت المقدس في تلك الليلة وذلك أن أبا جهل - لعنه الله - رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام وهو جالس واجم فقال له: هل من خبر؟ فقال: نعم! قال: وما هو؟ فقال: إني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس.
قال: إلى بيت المقدس؟ قال: نعم! قال: أرايت إن دعوت قومك لك لتخبرهم أتخبرهم بما أخبرتني به؟ قال نعم! فأراد أبو جهل جمع قريش ليسمعوا منه ذلك وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم ليخبرهم ذلك ويبلغهم.
فقال أبوجهل: هيا معشر قريش وقد اجتمعوا من أنديتهم فقال: أخبر قومك بما أخبرتني به. فقص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى وأنه جاء بيت المقدس هذه الليلة وصلى فيه، فمن بين مصفق وبين مصفر تكذيباً له واستبعاداً لخبره وطار الخبر بمكة وجاء الناس إلى أبي بكر رضي الله عنه فأخبروه أن محمداً صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا فقال: إنكم تكذبون عليه. فقالوا: والله إنه ليقوله .. فقال: إن كان قاله فلقد صدق ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله بعض مشركي قريش فسأله عن ذلك فأخبره فاستعلمه عن صفات بيت المقدس ليسمع المشركون ويعلموا صدقه فيما أخبرهم به. وفي الصحيح: أن المشركين هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
قال: فجعلت أخبرهم عن آياته فالتبس علي بعض الشيء، فجلى الله لي بيت المقدس حتى جعلت أنظر إليه دون دار عقيل وأنعته لهم) فقالك أما الصفة فقد أصاب.
فقال وآية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوداي كذا وكذا، فأنفرهم حس الدابة فند لهم بعير فدللتهم عليه وأنا متوجه إلى الشام، ثم أقبلت حتى إذا كنت بصحنان مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نياماً ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان وآية ذلك: أن عيرهم تصوب الآن من ثنية التنعيم البيضاء يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء.
قال: فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أول من الجمل الذي وصف لهم، وسألوهم عن الإناء وعن البعير فأخبروهم كما ذكر صلوات الله وسلامه عليه.
وذكر يونس بن بكير عن اسباط عن إسماعيل السدي: أن الشمس كادت تغرب قبل أن يقدم ذلك العير، فدعا الله عزوجل فحبسها حتى قاموا كما وصف لهم. قال: فلم تحتبس الشمس على أحد إلا عليه ذلك اليوم وعلى يوشع بن نون. رواه البيهقي.
قال ابن إسحاق: واخبرني من لا أتهم عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لما فرغت مما كان في بيت المقدس أتى بالمعراج ولم أر شيئاً قط أحسن منه وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حضر، فأصعدني فيه صاحبي حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة عليه بريد من الملائكة يقال له: إسماعيل تحت يده إثنا عشر ألف ملك، تحت يد كل ملك منهم إثنا عشر ألف ملك. قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حدث بهذا الحديث: (وما يعلم جنود رب إلا هو).
لما فرغ صلى الله عليه وسلم من أمر بيت المقدس نصب له المعراج وهو السلم فصعد فيه إلى السماء ولم يكن الصعود على البراق كما قد يتوهمه بعض الناس بل كان البراق مربوطاً على باب مسجد بيت المقدس ليرجع عليه إلى مكة فصعد من سماء إلى سماء في المعراج حتى جاوز السابعة وكلما جاء سماء تلقته منها مقربوها ومن فيها من أكابر الملائكة والأنبياء.
وذكر أعيان من رآه من المرسلين كآدم في سماء الدنيا، ويحيى وعيسى في الثانية وإدريس في الرابعة وموسى في السادسة - على الصحيح - وإبراهيم في السابعة مسنداً ظهره إلى البيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يتعبدون فيه صلاة وطوافاً ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، ثم جاوز مراتبهم كلهم حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام.
ورفعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى وإذ ورقها كآذان الفيلة، ونبقها كقلال هجر، وغشيها عند ذلك أمور عظيمة أوان متعددة باهرة، وركبتها الملائكة مثل الغربان على الشجرة كثرة وفراش من ذهب وغشيها نور الرب جل جلاله.
ورأى هناك جبريل عليه السلام له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين السماء والأرض وهو الذي يقول الله تعالى (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى) (النجم 13 - 17). أي مازاغ يميناً ولا شمالاَ ولا ارتفع عن المكان الذي حد له النظر إليه وهذا هو الثبات العظيم والأدب الكريم وهذه الرؤيا الثانية لجبريل عليه السلام على الصفة التي خلقه الله تعالى عليها كما نقله ابن مسعود وأبو هريرة وأبوذر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين. والأولى هي قوله تعالى: (علمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى. وهو بالأفق الأعلى. ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى) (النجم 5 - 10). وكان ذلك بالأبطح، تدلى جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساداً عظيم خلقه ما بين السماء والأرض حتى كان بينه وبينه قاب قوسين أو أدنى، هذا هو الصحيح كما دل عليه كلام أكابر الصحابة المتقدم ذكرهم رضي الله عنهم. وعن سعيد بن مينا عن جابر وابن عباس قالا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات.
عن ابن إسحاق قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - وهو بيت المقدس من إيلياء - وقد فشا الإسلام بمكة في قريش وفي القبائل كلها.
قال: وكان من الحديث فيما بلغني من مسراه صلى الله عليه وسلم عن ابن مسعود وأبي سعيد وعائشة ومعاوية وأم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنهم والحسن ابن أبي الحسن وابن شهاب الزهري وقتادة وغيرهم من أهل العلم ما اجتمع في هذا الحديث كل يحدث عنه بعض ما ذكر لي من أمره وكان في مسراه صلى الله عليه وسلم وما ذكر لي منه بلاء وتمحيص وأمر من أمر الله وقدرته وسلطانه فيه عبرة لأولي الألباب، وهدي ورحمة وثبات لمن أمن وصدق وكان من أمر الله على يقين، فأسرى به كيف شاء وكما شاء ليريه من آياته ما أراد حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما يريد.
وكان عبدالله بن مسعود فيما بلغني يقول: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله، تضع حافرها في موضع منتهى طرفها فحمل عليها ثم خرج به صاحبه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض حتى انتهى إلى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمعوا له فصلى بهم ثم أتى بثلاث أوان من لبن وخمر وماء فذكر أنه شرب إناء اللبن، فقال لي جبريل: هديت وهديت أمتك.
وذكر ابن إسحاق في سياق الحسن البصري مرسلاً أن جبريل أيقظه ثم خرج به إلى باب المسجد الحرام فأركبه البراق وهو دابة أبيض بين البغل والحمار وفي فخذيه جناحان يحفر بهما رجليه يضع حافره في منتهى طرفه ثم حملني عليه ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته.
عن قتادة فيما ذكره ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد ركوب البراق شمس (جمح وجنح) به فوضع جبريل يده على معرفته (وجهه) ثم قال: ألا تستحي يا براق مما تصرع؟ فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه. قال: فانحى حتى ارفض عرقاً ثم قر ختى ركبته.
قال الحسن في حديثه فمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضي معه جبريل حتى انتهى إلى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم. ثم ذكر اختياره إناء اللبن على إناء الخمر. وقول جبريل له هديت وهديت أمتك، وحرمت عليكم الخمر. قال: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فأصبح يخبر قريشاً بذلك فذكر أنه كذبه أكثر الناس وارتدت طائفة بعد إسلامها، وبادر الصديق إلى التصديق وقال: إني لأصدقه في خبر السماء بكرة وعشية أفلا أصدقه في بيت المقدس؟! وذكر أن الصديق سأله عن صفة بيت المقدس فذكرها له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيومئذ سمى أبوبكر الصديق.
قال الحسن: وأنزل الله في ذلك (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) (الإسراء 6) وذكر ابن إسحاق فيما بلغه عن أم هانئ أنها قالت: ما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من بيتي نام عندي تلك الليلة بعدما صلى العشاء الآخرة فلما كان قبيل الفجر أهبنا فلما كان الصبح وصلينا معه قال: (يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة في هذا الوادي ثم جئت ببيت المقدس فصليت فيه ثم صليت الغداة معكم الآن كما ترين) ثم قام ليخرج فأخذت بطرف ردائه فقلت: يا نبي الله لا تحدث بهذا الحديث الناس فيكذبوك ويؤذونك. قال: (والله لأحدثنهموه) فأخبرهم فكذبوه.
اشتداد أذى قريش ومقاطعتها بني هاشم
فقال عند ذلك النفر من بني عبد مناف وبني قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء من بني هاشم منهم أبو البحتري والمطعم ابن عدي وزهير بن أبي أمية بن المغيرة وزمعة بن الأسود وهشام بن عمرو - وكانت الصحيفة عنده وهو من بني عامر بن لؤي - في رجال في أشرافهم ووجوههم: نحن برءاء مما في هذه الصحيفة.
فقال أبو جهل لعنه الله: هذا أمر قضي بليل وأنشأ أبو طالب يقول الشعر في شأن صحيفتهم .. ويمدح النفر الذين تبرءوا منها ونفضوا ما كان فيها من عهد ويمتدح النجاشي.
قال ابن إسحاق: لما اجتمعت على ذلك قريش وصنعوا فيه الذي صنعوا قال أبو طالب:
ألا أبلغا عني على ذات بيننا .... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا .... نبياً كموسى خط في أول الكتب
قال ابن إسحاق: فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثاً حتى جهدوا ولم يصل إليهم شيء إلا سراً مستخفياً به من أراد صلتهم من قريش .. وقد كان أبو جهل بن هشام، فيما يذكرون - لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد معه غلام يحمل قمحاً يريد به عمته خديجة بنت خويلد وهي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب فتعلق به وقال أتذهب بالطعام إلى بني هشام بن الحارث بن أسد فقال: مالك وله.
فقال: يحمل الطعام إلى بني هاشم فقال له أبو البحتري: طعام كان لعمته عنده بعثت به إليه أتمنعه أن يأتيها بطعامها؟ خل سبيل الرجل.
قال فأبى أبوجهل - لعنه الله - حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ البحتري لحى بعير فضربه فشجه ووطئه وطئاً شديداً، وحمزة ابن عبد المطلب قريب يرى ذلك وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيشتمون بهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً منادياً بأمر الله تعالى لا يتقي فيه أحداً من الناس.
فجعلت قريش - حين منعه الله منها وقام عمه وقومه من بني هاشم وبني عبد المطلب دونه وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به - يهمزونه ويستهزئون به ويخاصمونه وجعل القرآن ينزل في قريش بأحداثهم وفيمن نصب لعداوته، منهم من سمي ومنهم من نزل القرآن في عامة ذكر الله من الكفار.
فذكر ابن إسحاق أبا لهب ونزول السورة فيه. وأمية بن خلف ونزول قوله تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) (الهمزة 1) السورة بكاملها فيه.
قال ابن إسحاق : وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا - يوماً مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون. لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل ما فيها خالدون. لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون) (الأنبياء 98 - 100).
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عبدالله بن الزبعري السهمي حتى جلس فقال الوليد بن المغيرة له والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبدالمطلب آنفاً وما قعد، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم فقال عبدالله الزبعري: أما والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمداً أكل من نعبد من دون الله حصب جهنم مع من عبده فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيزاً والنصارى تعبد عيسى؟ فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول ابن الزبعري ورأوا أنه قد احتج وخاصم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده في النار أنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته). قال موسى بن عقبة عن الزهري: ثم إن المشركين اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، وجمعت قريش في مكرها أن يقتلوا محمد صلى الله عليه وسلم علانية فلما رأى أبوطالب عمل القوم جمع بني عبدالمطلب وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم، وأمرهم أن يمنعوه ممن أرادوا قتله فاجتمع على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حمية، ومنهم من فعه إيماناً ويقيناً.
فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمعوا على ذلك اجتمع المشركون من قريش فأجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهوداً ومواثيق ولايقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً ولا يأخذوهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل.
فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين واشتد عليهم البلاء والجهد وقطعوا عنهم الأسواق فلا يتركوا لهم طعاماً يقدم مكة ولا بيعها إلا بادروهم إليه فاشتروه يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضجع على فراشه حتى يري ذلك من أراد به مكراً واغتيالاً له، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو أخوته أو بني عمه فاضجعوا على فراش رسول الله صلى الله عليه وسم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بعض فرشهم فينام عليه. فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن قصي ورجال من سواهم من قريش قد ولدتهم نساء من بني هاشم، ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم واستخفوا بالحق، واجتمع أمرهم في ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه، وبعث الله على صحيفتهم الأرض فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق.
ويقال: كانت معلقة في سقف البيت وأطلع الله رسوله على الذي صنع بصحيفتهم فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب.
لا والثواقب ما كذبني، فانطلق يمشي بعصابته (أهله) من بني عبدالمطلب حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش فلما رأوهم عامدين لجماعتهم أنروا ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء فأتوهم ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم أبو طالب فقال: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم، فاتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها فعله أن تكون بيننا وبينك صلح - وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها - فأتوا بصحيفتهم معجبين بها لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفوعاً إليهم فوضعها بينهم وقالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد جعلتموه خطراً لأهلك قومكم وعشيرتم وفسادهم..
فقال أبو طالب: إنما أتيتكم لاعطيكم أمراً لكم فيه نصف: إن ابن أخي أخبرني - ولم يكذبني - أن الله برأ من هذه الصحيفة التي في أيديكم ومحا كل اسم هو له فيه وترك في غدركم وقطيعتكم إيانا وتظاهركم عليها بالظلم فإن كان الحديث الذي قال ابن أخي كما قال فأفيقوا والله لا نسلمه أبداً حتى يموت من عندنا آخرنا، وإن كان الذي قال باطلا دفعناه إليكم فقتلتموه ان استحييتم (استحيا السير: تركه حياً فلم يقتله) قالوا: قد رضينا بالذي تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر خبرها، فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب قالوا: والله إن كان هذا قط الأسحر من صاحبكم فارتكسوا (ارتدوا) وعادوا بشر ما كانوا عليه من كفرهم والشدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام على رهطه بما تعاهدوا عليه.
فقال أولئك النفر من بني عبدالمطلب: إن أولى بالكذب والسحر غيرنا فكيف ترون فإنا نعلم ان الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر من أمرنا، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم وهي في أيديكم طمس ما كان فيها من اسمه وما كان فيها من بغي تركه أفنحن السحرة أم أنتم؟
الهجرة إلى الحبشة
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية، بمكانه من الله عزوجل، ومن عمه أبي طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم: (لو خرجتم إلى أرض الحبشة؟ فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه) فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفراراً إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام، وكان أول من خرج من المسلمين: عثمان بن عفان، وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو حذيفة بن عتبة، وامرأته سهلة بنت سهيل، والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وعبدالرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبدالأسد، وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة العنزي، وامرأته ليلى بنت أبي حثمة، وأبو سبرة بن أبي رهم - ويقال: بل أبو حاطب بن عمرو - وسهيل بن بيضاء، وعبدالله بن مسعود، رضي الله عنهم أجمعين. قال ابن جرير: وقال آخرون: بل كانوا اثنين وثمانين رجلاً، سوى نسائهم وأبنائهم، وعمار بن ياسر نشك فإن كان فيهم فقد كانوا ثلاثة وثمانين رجلاً. روى الواقدي أن خروجهم إليها في رجب سنة خمس من البعثة، قال ابن إسحاق: ثم خرج جعفر بن أبو طالب ومعه امرأته أسماء بنت عميس، وولدت له بها عبدالله بن جعفر، وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة، وسرد اسحاق الخارجين صحبة جعفر رضي الله عنهم، وهم: عمرو بن سعيد بن العاص، وامرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث بن شق الكناني. وأخوه خالد، وامرأته أمينة بنت خلف ابن أسعد الخزاعي - وولدت له بها سعيداً - وأمه التي تزوجها بعد ذلك الزبير، فولدت له عمراً وخالداً: قال: وعبدالله بن جحش بن رئاب، وأخوه عبيد الله، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان، وقيس بن عبدالله من بني أسد بن خزيمة، وامرأته بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان، ومعيقيب بن أبي فاطمةن وهو من موالي سعيد بن العاص قال ابن هشام: وهو من دوس: قال: وأبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس حليف ىل عتبة بن ربيعة وعتبة بن غزوان، ويزيد بن زمعة بن الأسود، وعمرو بن أمية بن الحارث بن أسد، وطليب بن عمير بن وهب بن أبي كثير بن عبد، وسويبط بن سعد بن حريملة، وجهم بن قيس العبدوي، ومعه امرأته ام حرملة بنت عبد الاسود بن خزيمة وولداه عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم، وأبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبدمناف، وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة، وعامر بن أبي وقاص أخو سعد، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهري، وامرأته رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة - وولدت بها عبدالله - وعبدالله بن مسعود، وأخوه عتبة، والمقداد بن الأسود، والحارث بن خالد بن صخر التيمي، وامرأة ريطة بنت الحارث بن جبيلة، وولدت له بها موسى وعائشة وزينب وفاطمة، وعمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، شماس بن عثمان - وهبار بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي، وأخوه عبدالله، وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم، وسلمة بن هشام بن المغيرة، وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة، ومعتب بن عوف بن عامر - ويقال له عيهامة - وهو من خلفاء بني مخزوم.
صور من إعراض رؤوس الكفر عن الحق
عن المغيرة بن شعبة، قال: إن أول يوم عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وابو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة، إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل (يا أبا الحكم، هلم إلى الله وإلى رسوله، أدعوك إلى الله).
فقال أبو جهل: يا محمد. هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت؟ فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك.
فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأقبل علي فقال: والله إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن يمنعني شيء، أن بني قصي قالوا: فينا الحجابة. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا السقاية. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا الندوة. فقلنا نعم ثم قالوا: فينا اللواء. فقلنا: نعم. ثم أطعموا وأطعمنا، حتى إذا تحاكت الركب قالوا منا نبي، والله لا أفعل - عن أبي إسحاق. قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي جهل وأبي سفيان، وهما جالسان .. فقال أبو جهل: هذا نبيكم يا بني عبد شمس. قال أبو سفيان: وتعجب أن يكون منا نبي؟ فالنبي يكون فيمن أقل منا وأذل. ف
قال أبو جهل: أعجب أن يخرج غلام من بين شيوخ نبياً. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع، فأتاهمان فقال: (أما أنت يا أبا سفيان، فما لله ورسوله غضبت، ولكنك حميت للأصل. وأما أنت يا ابا الحكم، فوالله لتضحكن قليلاً ولتبكين كثيراً) فقال: بئسما تعدني يابن أخي من نبوتك.
وقول أبي جهل - لعنه الله - كما قال الله تعالى مخبراً عنه وعن إضرابه: (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولاً إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا) (الفرقان: 41 - 42).
----------------------------------
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) (الإسراء 110) قال: كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن وسبوا من أنزله ومن جاء به، قال: فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (ولا تجهر بصلاتك) أي بقراءتك)، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن: (ولا تخافت بها) عن أصحابك، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك (وابتغ بين ذلك سبيلاً).
وقال محمد بن إسحاق: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يستمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله بعض ما يتلو وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقا منهم فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يستمع فإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم . لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئاً فأنزل الله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك) فيتفرقوا عنك (ولا تخافت بها) فلا يسمع من أراد أن يسمعها ممن يسترق ذلك، لعله يرعوى إلى بعض ما يسمع فينتفع به (وابتغ بين ذلك سبيلاً).
----------------------------------
قالت قريش للرسول عليه السلام : أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً، وإن كان إنما بك الباه (الزواج) فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرغت؟) قال: نعم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم (حم تنزيل من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون) (فصلت 1 - 3) إلى أن بلغ: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود).
فقال عتبة: حسبك ما عندك غير هذا؟ قال: فرجع إلى قريش، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئاً أرى أنكم تكلمونه إلا كلمته. قالوا: فهل أجابك؟ فقال: نعم ثم قال: لا، والذي نصبها بنية ما فهمت شيئاً مما قال، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود.
قالوا: ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا والله، ما فهمت شيئاً مما قال غير ذكر الصاعقة.
وعنده: أنه لما قال: (فإن أعرضوا فقل أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) أمسك عقبة على فيه، وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله، واحتبس عنهم.
فقال أبو جهل: والله يا معشر قريش ما نرى عتبة إلا صبا إلى محمد، وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة اصابته، انطلقوا بنا إليه فأتوه.
فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما جئنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد. فغضب، وأقسم بالله لا يكلم محمداً أبداً، وقال: لقد علمتم إني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته - وقص عليهم القصة - فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا بشعر ولا كهانة، قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (حم. تنزيل من الرحمن الرحيم) حتى بلغ (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) فأمسكت بفيه، وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتهم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفت أن ينزل عليكم العذاب.
----------------------------------
عن ابن إسحاق حدثني الزهري، قال: حدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل منهم مجلساً ليستمع منه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، قال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا.
فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود، فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق، أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها.
فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به.
ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نسمع به أبداً ولا نصدقه. فقام عنه الأخنس بن شريق.
----------------------------------
عن عكرمة عن ابن عباس: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً، قال لم؟
قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمداً لتعرض ما قبله.
قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً.
قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له.
قال: وماذا أقول؟ فوالله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته.
قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه.
قال قف عني حتى أفكر فيه،
فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثر، يؤثره عن غيره، فنزلت (ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالاً ممدوداً وبنين شهوداً) (المدثر 11 - 13).
----------------------------------
عن عكرمة عن ابن عباس. أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش، وكان ذا سن فيهم، وقد حضر المواسم، فقال: إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، ويرد قول بعضكم بعضاً.
فقيل: يا أبا عبد شمس، فقل، وأقم لنا رأياً نقوم به.
فقال: بل أنتم فقولوا وأنا أسمع.
فقالوا: نقول كاهن؟
فقال: ما هو بكاهن، رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكهان.
فقالوا: نقول مجنون؟
فقال: ما هو بمجنون، ولقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بحنقه ولا تخالجه ولا وسوسته.
فقال نقول شاعر؟
فقال: ما هو بشاعر، وقد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر.
قالوا: فنقول هو ساحر؟ قال: ما هو بساحر، قد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا بعقده.
قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟
قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لمغدق، وإن فرعه لجني، فما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول لأن تقولوا: هذا ساحر فتقولوا: هو ساحر يفرق بين المرء ودينه وبين المرء وزوجته وبين المرء وأخيه وبين المرء وعشيرته. فتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون للناس حتى قدموا المواسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره، وأنزل الله في الوليد: (ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالاً ممدوداً وبنين شهوداً) وفي أولئك النفر الذين جعلوا القرآن عضين (فوربك لنسألهم أجمعين عما كانوا يعملون) (الحجر 92 - 93).
وفي ذلك قال الله تعالى أخباراً عن جهلهم وقلة عقلهم: (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فيأتنا بآية كما أرسل الأولون) (الأنبياء 5).
فحاروا ماذا يقولون فيه، فكل شيء يقولونه باطل، لأن من خرج عن الحق مهما قاله أخطأ، قال الله تعالى: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً) (الإسراء 48).
عن جابر بن عبدالله، قال: اجتمع قريش يوماً، فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه؟
فقالوا: ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة.
فقالوا: أنت يا أبا الوليد، فآتاه عتبة، فقال: يا محمد أنت خير أم عبدالله؟
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أنت خير أم عبدالمطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبدت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك، فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلي أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى.
الرسول يعقد الألوية ويأمّر القواد
قال ابن إسحاق: ثم لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ وادياً يقال له : سفوان من ناحية بدر، وهي غزوة بدر الأولى، وفاته كرز فلم يدركه وقال الواقدي: وكان لواؤه مع علي بن أبي طالب. قال ابن هشام والواقدي: وكان قد استخلف على المدينة زيد بن حارثة.
قال ابن إسحاق: فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام جمادى ورجب وشعبان وقد كان بعث بين يدي ذلك سعداً في ثمانية من المهاجرين، فخرج حتى بلغ الخرار من أرض الحجاز.
قال ابن هشام: ذكر بعض أهل العلم أن بعث سعد هذا كان بعد حمزة في رمضان، وبعث عبيدة في شوال، وبعث سعد في ذي القعدة كلها في السنة الأولى.
عن سعد بن أبي وقاص قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا: إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق حتى نأتيك وقومنا، فأوثق لهم فأسلموا.
قال: فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب ولا نكون مائة وأمرنا أن نغير على حي من بني كنانة إلى جنب جهينة فأغرنا عليهم وكانوا كثيراً فلجأنا إلى جهينة فمنعونا وقالوا: لم تقاتلون في الشهر الحرام؟ فقال بعضنا لبعض: ما ترون؟ نأتي نبي الله فنخبره. وقال قوم: لا بل نقيم ههنا. وقلت أنا في أنا معي: لا بل نأتي عير قريش فنقتطعها. وكان الفيء إذ ذاك من أخذ شيئاً فهو له، فانطلقنا إلى العير وانطلق أصحابنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر فقام غضبان محمر الوجه فقال: (أذهبتم من عندي جمعياً ورجعتم متفرقين؟! إنما أهلك من كان قبلكم الفرقة، لأبعثن عليكم رجلاً ليس بخيركم أصبركم على الجوع والعطش) فبعث علينا عبدالله بن جحش الأسدي فكان أول أمير في الإسلام.
قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن جحش بن رئاب الأسدي في رجب مقفله (مرجعه) من بدر الأولى وبعث معه ثمانية من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد وهم: أبو حذيفة بن عتبة، وعكاشة بن محصن بن حرثان حليف بني أسد بن خزيمة، وعتبة بن غزوان حليف بني نوفل، وسعد بن أبي وقاص الزهري، وعامر بن ربيعة الوائلي حليف بني عدي، وواقد بن عبدالله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع التميمي حليف بني عدي ايضاُ، وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليث حليف بني عدي أيضاً، وسهل بن بيضاء الفهري فهؤلاء سبعة ثامنهم أميرهم عبدالله بن جحش رضي الله عنه.
وقال يونس عن ابن إسحاق: كانوا ثمانية وأميرهم التاسع فالله أعلم.
قال ابن إسحاق: وكتب له كتاباً وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به، ولا يستكره من أصحابه أحداً. فلما سار بهم يومين فتح الكتاب فإذا فيه إذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر في الكتاب قالك سمعاً وطاعة، وأخبر أصحابه بما في الكتاب وقال: قد نهاني استكره أحداً منكم فمن يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع أما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف منهم أحد وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال لهك بحران، اضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يتعقبانه فتخلفا في طلبه ومضى عبدالله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزلوا نخلة، فمر عير قريش فيقم عمرو بن الحضرمي فلما رآهم القوم خافوهم، وقد نزلوا قريباً منهم، فرأوا عكاشة بن محض فأمنوا، وقال: عمار لا بأس عليكم منهم.
تغـيـيـر القـبـلة
عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر - أو سبعة عشر - شهراً، وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة فأنزل الله: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) (البقرة 144).
قال: فوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس - وهم اليهود - : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟!
فأنزل الله: (قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) (البقرة 142).
والأمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه - كما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه - فلما هاجر إلى المدينة واستدبر الكعبة ستة عشر شهراً - أو سبعة عشر شهراً - وهذا يقتضي أن يكون ذلك إلى رجب من السنة الثانية والله أعلم.
وكان عليه الصلاة والسلام يحب أن يصرف قبلته نحو الكعبة قبلة إبراهيم وكان يكثر الدعاء والتضرع والابتهال إلى الله عزوجل فكان مما يرفع يديه وطرفه إلى السماء سائلاً ذلك فأنزل الله عزوجل: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) فلما نزل الأمر بتحويل القبلة خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وأعلمهم بذلك - كما رواه النسائي عن أبي سعيد بن المعلي - وأن ذلك كان وقت الظهر - وقال بعض الناس: نزل تحويلها بين الصلاتين. قاله مجاهد وغيره.
ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين عن البراء: أن أول صلاة صلاها عليه الصلاة والسلام إلى الكعبة بالمدينة العصر .. وأن أهل قباء لم يبلغهم خبر ذلك إلى صلاة الصبح من اليوم الثاني كما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها. وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك نحو ذلك، أنه لما نزل تحويل القبلة إلى الكعبة ونسخ به الله تعالى حكم الصلاة إلى بيت المقدس طعن طاعنون من السفهاء والجهلة الأغبياء قالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟!
هذا والكفرة من أهل الكتاب يعلمون أن ذلك من الله لما يجدونه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم من أن المدينة مهاجرة وأنه سيؤمر بالاستقبال إلى الكعبة كما قال: (وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم) وقد أجابهم الله تعالى مع هذا كله عن سؤالهم ونعتهم فقال: (سيقول السفهاء من الناس وما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) أي هو المالك المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه الذي يفعل ما يشاء في خلقه ويحكم ما يريد في شرعه وهو الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ويضل من يشاء عن الطريق القويم وله في ذلك الحكمة التي يجب لها الرضا والتسليم ثم قال تعالى: (وكذلك جعلناهم امة وسطا) أي خياراً (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول شهيداً عليكم) أي وكما احترنا لكم أفضل الجهات في صلاتكم وهديناكم إلى قبلة أبيكم إبراهيم والد الأنبياء بعد التي كان يصلي بها موسى فمن قبله من المرسلين كذلك جعلناكم خيار الأمم وخلاصة العالم وأشرف الطوائف وأكرم التالد (القديم الأصلي وهو عكس الطارف) والطارف لتكونوا يوم القيامة (شهداء على الناس) لإجماعهم عليكم وإشارتهم يومئذ بالفضيلة إليكم كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد مرفوعاً من استشهاد نوح بهذه الأمة يوم القيامة وإذا استشهد بهم نوح مع تقدم زمانه فمن بعده بطريق الأولى والأحرى.
غزوة الأبواء
قال ابن هشام: وهي أول غزوة غزاها عليه السلام. قال الواقدي وكان لواؤه مع عمه حمزة، وكان أبيض. قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامه ذلك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي في ستين - أو ثمانين - راكباً من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة فلقي بها جمعاً عظيماً من قريش، فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمي به في سبيل الله في الإسلام. ثم انصرف القوم عن القوم وللمسلمين حامية وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة، وعتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني نوفل بن عبد مناف، وكانا مسلمين، ولكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار.
قال ابن إسحاق: وكان على المشركين يومئذ عكرمة بن أبي جهل وروى ابن هشام عن أبي عمرو بن العلاء عن أبي عمرو المدني أنه قال: كان عليهم مكرز بن حفص. قلت: وتقدم عن حكاية الواقدي قولان: أحدهما: أنه مكرز والثاني: أنه سفيان صخر بن حرب وأنه رجح أنه أبو سفيان فالله أعلم. وبعث رسول الله عليه وسلم في مقامه ذلك حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم إلى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكباً من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد فلقي أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلاثمائة راكب من أهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان موادعاً للفريقين جميعاً، فانصرف بعض القوم عن بعض ولم يكن بينهم قتال.
قال ابن إسحاق: وبعض الناس يقول : كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معاً فشبه ذلك على الناس.
حكى موسى بن عقبة الزهري أن بعث حمزة قبل عبيدة بن الحارث، ونص على أن بعث حمزة كان قبل غزوة الأبواء. فلما قفل عليه الصلاة والسلام من الأبواء بعث عبيدة بن الحارث في ستين من المهاجرين، وذكر نحو ما تقدم.
وقد تقدم عن الواقدي أنه قالك كانت سرية حمزة في رمضان من السنة الأولى وبعدها سرية عبيدة في شوال منها والله أعلم. وقد أورد ابن إسحاق عن حمزة رضي الله عنه شعراً يدل على أن رايته أول راية عقدت في الإسلام لكن قال ابن إسحاق : فإن كان حمزة قال ذلك فهو كما اقل، لم يكن يقول إلا حقاً، والله أعلم. قال ابن إسحاق: ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول - يعني في السنة الثانية - يريد قريشاً.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون. وقال الواقدي: استخلف عليها سعد بن معاذ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتي راكب، وكان لواؤه مع سعد ابن أبي وقاص وكان مقصده أن يعترض لعير قريش وكان فيه أمية بن خلف ومائة رجل وألفان وخمسمائة بعير.
قال ابن إسحاق: حتى بلغ بواط من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى.
قال ابن إسحاق: فسلك على نقب بني دينار، ثم على فيفاء الخيار فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها: ذات الساق فصلى عندها فثم مسجده، فصنع له عندها طعام فأكل منه وأكل الناس معه، فرسوم أثافي البرمة معلوم هناك، واستسقى له من ماء يقال له: المشيرب ثم ارتحل فترك الخلائق بيسار وسلك شعبة عبدالله، ثم هبط ملل، فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة ثم سلم فرش ملل حتى لقي الطريق بصخيرات اليمام ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة من بطن ينبع فأقام بها جمادى الأولى وليال من جمادى الآخرة، ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً.
غزوات وسرايا الرسول
قال ابن إسحاق: أول ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبواء ثم بواط، ثم العشيرة. ثم روى عن زيد بن أرقم: أنه سئل كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: تسع عشرة ، شهد منها سبع عشرة أولاها العسيرة - أو العشيرة.
عن بريدة قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة ولمسلم عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.
وفي رواية له عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وقاتل في ثمان منها وقال الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا سبع عشرة غزوة وقاتل في ثمان يوم بدر، وأحد والأحزاب والمريسيع، وقديد، وخيبر، ومكة، وحنين، وبعث أربعاً وعشرين سرية.
عن مكحول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا ثماني عشرة غزوة قاتل في ثماني غزوات أولاها بدر، ثم أحد ثم الأحزاب، ثم قريظة ثم بئر معونة، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة، ثم غزوة خيبر، ثم غزوة مكة، ثم حنين والطائف.
عن قتادة: أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ثلاث وأربعون: أربع وعشرون بعثاً، وتسع عشرة غزوة، خرج في ثمان منها بنفسه: بدر، واحد، والأحزاب، والمريسيع، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، وقال موسى بن عقبة عن الزهري: هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها يوم بدر في رمضان سنة اثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق - وهو يوم الأحزاب - وبني قريظة في شوال من سنة أربع، ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس ثم قاتل يوم خيبر سنة ست، ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان، ثم قاتل يوم حنين وحاصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان، ثم حج أبوبكر سنة تسع، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر، وغزا اثنتي عشرة غزوة ولم يكن فيها قتال، وكانت أول غزوة غزاها: الأبواء. عن الزهري قال: أول آية نزلت في القتال: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) (الحج 39). بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فكان أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان، إلى أن قال: ثم غزا بني النضير، ثم غزا أحداً في شوال - يعني في سنة ثلاث - ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع، ثم قاتل بني بني لحيان في شعبان سنة خمس، ثم قال يوم خيبر سنة ست، ثم قاتل يوم الفتح في شعبان سنة ثمان، وكانت حنين في رمضان سنة ثمان. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدى عشرة غزوة لم يقاتل فيها، فكانت أول غزوة غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبواء. ثم العشيرة، ثم غزوة غطفان ثم غزوة الصفراء ثم غزوة تبوك آخر غزوة. قال محمد بن إسحاق قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الإثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل لإثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وحمسين سنة، وذلك بعد أن بعثه الله بثلاث عشرة سنة فأقام بقية شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجمادين ورجباً وشعبان وشهر رمضان وشوالاً وذا القعدة وذا الحجة وولى تلك الحجة المشركون والمحرم، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غازياً في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مقدمة المدينة. قال ابن هشام: واستعمل على المدينة سعد بن عبادة.
قال ابن إسحاق: حتى بلغ ودان وهي غزوة الأبواء.
قال ابن جرير: ويقال لها: غزوة ودان أيضاً، يريد قريشاً وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كناة، فوادعته فيها بنو ضمرة وكان الذي وادعه منهم مخشى ابن عمرو الضمري، وكان سيدهم في زمانه ذلك.
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيداً فاقام بها بقية صفر وصدراً من شهر ربيع الأول.
الأذان للصلاة والإقامة
قال ابن إسحاق: فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين واجتمع أمر الأنصار استحكم أمر الإسلام فقامت الصلاة، وفرضت الزكاة والصيام، وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام وتبوأ الإسلام بين أظهركم وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوأوا الدار والإيمان وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل بوقاً كبوق يهود الذي يدعون به لصلاتهم ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة، فبينما هم على ذلك رأى عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه طاف بي هذه الليلة طائف مر بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوساً في يده فقلت: يا عبدالله أتبيع هذا الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة قال: ألا أدلك على خير من ذلك؟ قلت: وما هو؟
قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمد رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها فإنه أندى صوتاً منك) فلما أذن بها بلال سمعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه وهو يقول: يا نبي الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد.
وعند أبي داود أنه علمه الإقامة قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
عن عبدالله بن زيد الأنصاري قال في ذلك:
الحمد لله ذي الجلال وذي الإ ... كرام حمداً على الأذان كبيرا
إذ أتاني به البشير من الله ... فأكرم به لدي يشيرا
في ليال والى بهن ثلاث ... كلما جاء زادني توقيرا قال ابن هشام: وذكر ابن جريج قال: قال لي عطاء سمعت عبيد بن عمير يقول: ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الناقوس للإجتماع للصلاة، فبينا عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى عمر في المنام: لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة.
فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بما رأى وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فما ارع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره ذلك: (قد سبقك بذلك الوحي) وهذا يدل على أنه قد جاء الوحي بتقرير ما رآه عبدالله بن زيد بن عبد ربه كما صرح به بعضهم والله تعالى أعلم.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن عليه للفجر كل غداة فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينتظر الفجر، فإذا رآه تمطى (نهض ومد يديه) ثم قال: اللهم أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك.
قالت: ثم يؤذن: قالت: والله ما علمته كان تركها ليلة واحدة - يعني هذه الكلمات - ورواه أبو داود من حديثه منفرداً به.
بناء المسجد الأول
عن أنس بن مالك قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في علو المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملأ بني النجار فجاءوا متقلدي سيوفهم. قال: وكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب.
قال: فكان يصلي حيث أدركته الصلاة، قال: ثم إنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملاء بني النجار فجاءوا فقال: (يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا) فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عزوجل، قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخرب فسويت، وبالنخل فقط.
قال: فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه (جانبيه) حجارة.
قال: فجعلوا ينقلون ذلك الصخر وهم يرتجزون (ينشدون) ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يقول: (اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة).
عن الزهري عن عروة: أن المسجد الذي كان مربداً - وهو بيدر التمر - ليتيمين كانا في حجر أسعد بن زرارة وهما: سهل وسهيل، فساومهما فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله فأبى حتى ابتاعه منهما وبناه مسجداً.
وعن الحسن قال: لما بني رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد أعانه عليه أصحابه وهو معهم يتناول اللبن حتى اغبر صدره، فقال: (ابنوه عريشاً كعريش موسى فقلت للحسن: ما عريش موسى؟ قال: إذا رفع يديه بلغ العريش - يعني السقف - .
وعن ابن عمر: أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سواريه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخيل، اعلاه مظلل بجريد النخل. ثم إنها تخربت في خلافة أبي بكر، فبناها بجذوع وبجريد النخيل. ثم إنها تخربت في خلافة عثمان فبناها بالآجر، فما زالت ثابتة حتى الآن. ولم يكن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بني منبر يخطب الناس عليه، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس مستنداً إلى جذع عند مصلاه في الحائط القبلي فلما اتخذ له عليه السلام المنبر - كما سيأتي بيانه في موضعه - وعدل إليه ليخطب عليه، فلما جاوز ذلك الجذع خار ذلك الجذع وحن حنين النوق العشار لما كان يسمع من خطب الرسول عليه السلام عنده، فرجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه حتى سكن.
التاريخ الإسلامي الهجري
اتفق الصحابة رضي الله عنهم في سنة ست عشرة - وقيل: سنة سبع عشرة، أو ثماني عشرة - في الدولة العمرية على جعل ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وذلك أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رفع إليه صك - أي حجة - لرجل على آخر وفيه أنه يحل عليه في شعبان.
فقال عمر: أي شعبان؟ اشعبان هذه السنة التي نحن فيها، أو السنة الماضية، أو الآتية؟
ثم جمع الصحابة فاستشارهم في وضع تاريخ يتعرفون به حلول الدين وغير ذلك.
فقال قائل: أرخوا كتاريخ الفرس. فكره ذلك، وكانت الفرس يؤرخون بملوكهم واحداً بعد واحد.
وقال قائل: أرخو بتاريخ الروم. وكانوا يؤرخون بملك اسكندر بن فلبس المقدوني فكره ذلك.
وقال آخرون: أرخوا بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وقال آخرون: بل بمبعثه..
وقال آخرون: بل بهجرته.
وقال آخرون: بل وفاته عليه السلام.
فمال عمر رضي الله عنه إلى التاريخ بالهجرة لظهوره واشتهاره .. واتفقوا معه على ذلك.
ثم قالوا: وأي الشهور نبدأ؟
قالوا: رمضان.
ثم قالوا: المحرم فهو مصرف الناس من حججهم، وهو شهر حرام، فاجتمعوا على المحرم.
منقول للفائده


تنبيه من إدارة الساحات
التوقيع  mohamed motrash
mohamed motrash غير متواجد حالياً