المراقبة الجوية وتوجيه الطائرات Air Traffic Controlyardالمراقبة الجوية من التخصصات النادرة في العالم والتي لا يمكن للطائرات أن تتحرك من أماكنها إلا بعد التنسيق والأذن من قبل المراقبن الجويين
توقفت الحياة الطبيعية للمهندس المعماري ورجل الأعمال الناجح (49 سنة) من جمهورية أوسيتيا الشمالية الروسية في تلك اللحظة المشؤمة منالثاني من يوليو عام 2002 عندما اصطدمت طائرة بريد من طراز "بوينغ" فوق بحيرة بودين بطائرة الركاب تو – 154 التي كانت في نفس المنطقة وعلى نفس الارتفاع. وكانت زوجة وابنة وابن كالويف بين أكثر من 70 ضحية للكارثة. وكانوا متوجهين إلى إسبانيا للاستجمام بينما توجهوا إلى المقابر
وباع كالويف العديد مما يملكه لنصب تمثال كبير من الجرانيت الأسود الذي نقشت عليه صورهم بحجمها الطبيعي. وكثيرا ما كان يتوجه ليلا إلى قبورهم ويبقى ساعات طوال هناك مع مصيبته
ووصف البروفيسور ميخائيل فينوغرادوف رئيس مركز المساعدة القانونية والنفسية في الظروف الصعبة حالة كالويف فيما بعد قائلا إنه "لو وضعت أمامي أسئلة الخبراء لتحدثت عن صحة عقل هذا الإنسان المحدودة لأن الرجل حلت به مصيبة رهيبة
وبعد عامين وفي 24 فبراير عام 2004 دفعت هذه الحالة كالويف إلى السفر إلى إحدى ضواحي سويسرا حيث طرق باب الدنماركي بيتر نيلسون المراقب الجوي لشركة "سكايهايد" الذي أدانته محكمة ألمانية وألقت عليه مسؤولية الكارثة الجوية التي وقعت فوق بحيرة بودين. وكان نيلسون بمفرده مشرفا على التحليقات في ليلة الكارثة. وهو الذي أمر قائدي الطائرتين بتقليل ارتفاع التحليق في آن واحد مما أدى الى تصادمهما
وقال كالويف أنه أراد أن يريه صور أسرته التي لقيت مصرعها وأن يسمع منه كلمات الاعتذار. ودفع نيلسون يد كالويف فتناثرت الصور على الأرض. وقال المواطن الروسي في المحكمة إنه بدا له أن جثتي طفليه قد انقلبتا في تابوتيهما. ولا يذكر شيئا آخر وظل نيلسون (المراقب الجوي) ملقيا عند عتبة داره وقد طعن بالسكين في صدره
وجعل الأب الذي فقد طفليه أطفال شخص آخر لم يسمع منه كلمات الندم أيتاما
ولعل هذا المشهد المؤلم يلائم المسرحيات التي يقدمها مسرح "غلوبوس" في لندن الذي أبدع فيه في وقت ما شكسبير. وأول ما يثيره هذا المشهد لدى الناس الأكثر رصانة وتحفظا مثل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هو الحزن والعطف
وقال الوزير إن "هذه مأساة وأتعاطف معها". ولكنه رفض في الوقت نفسه التعليق على قرار المحكمة السويسرية
وهذا القرار قابل للجدل ولهذا لا يلائم لا الاتهام ولا الدفاع. واختار القاضي بين ما قاله المدعي عن أنها "جريمة قتل متعمد" وما قاله المحامي عن "جريمة قتل ارتكبت في حالة تأثر" الرواية الأولى. ولكنه قلل فترة السجن المطلوبة بنسبة الثلث سعيا منه على ما يبدو لإظهار إدراك الظروف المخففة وخاصة حالة المتهم النفسية
إن القتل هو قتل بالطبع. ويجب معاقبة القاتل بالطبع. ولكن من الصعب تجنب السؤال: هل يمكن محاكمة الشخص بشكل فوضوي أم أن الأمر يجب أن يكون بشكل منطقي؟ إن محكمة مقاطعة زوريخ قلبت الأمور في الواقع رأسا على عقب إذ أنها أصدرت حكمها على فيتالي كالويف خلال ثلاثة أيام. بينما ما زال المذنب في مصرع 71 راكبا بمن فيهم 48 طفلا روسيا فوق بحيرة بودين بلا عقاب. ويجري التحقيق في قضية شركة الرقابة الجوية "سكايهايد" في المحكمة ببطء شديد ولا يعرف متى سينتهي
ولو أن "سكايهايد" قدمت اعتذارها في الوقت الذي تقضي به أبسط قواعد الشرف والأخلاق ووافقت في الوقت اللازم بدفع التعويضات المعقولة ما دفعت هذه الفترة العصيبة التي آلمت بكالويف الى أن يتوجه الى منزل بيتر نيلسون. وبهذه الصورة أصبح المواطن الروسي الضحية الـ 72 لأخطاء "سكايهاد" المأساوية
لقد كانت هذه الأخطاء عديدة. ويرى أحد الخبراء الروس البارزين في أمن الطيران الذي فضل عدم ذكر اسمه أن المذنب الرئيسي هو رئيس "سكايهايد" ألان روسيه.إذ أنه بالذات خلق ظروفا كان من الصعب على المراقب الجوي ألا يخطئ فيها. وهو الذي حدد بالذات النوبات الليلية ليعمل فيها شخص واحد وأطفأ جزءا من الأجهزة التقنية وخاصة الخطوط الهاتفية بينما لم ينل روسيه العقاب حتى الآن
وبالتالي فإن المحكمة السويسرية ألقت المسؤولية كاملة حتى الآن على عاتق الأب الذي يتعين عليه البقاء في السجن ست سنوات لأنه أمضى 610 أيام في السجن المؤقت ومستشفى الأمراض العقلية. على أية حال أكدت وزارة العدل الروسية أنها ستطالب بتسليم كالويف لكي يتمكن من إمضاء جزء من فترة العقوبة في الوطن
وسيان بالنسبة لكالويف أين سيكون في سويسرا أو جمهوريته أوسيتيا او على سطح القمر. فقد انهارت حياته عندما وجد بنفسه رفات زوجته وطفليه في العشب عند بحيرة بودين. ولم تتضرر جثة ابنته تقريبا.