قديم 21-03-2007, 09:06 PM  
  مشاركة [ 1 ]
الصورة الرمزية mohamed motrash
mohamed motrash mohamed motrash غير متواجد حالياً
مساعد طيار
 
تاريخ التسجيل: 21 - 03 - 2007
العمر: 55
المشاركات: 137
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 217
mohamed motrash مازال في بداية الطريق
mohamed motrash mohamed motrash غير متواجد حالياً
مساعد طيار


الصورة الرمزية mohamed motrash

مشاهدة ملفه الشخصي
تاريخ التسجيل: 21 - 03 - 2007
العمر: 55
المشاركات: 137
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 217
mohamed motrash مازال في بداية الطريق
Shai موسوعه الرسول صلي الله عليه وسلم

تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم
ولد صلوات الله وسلامه عليه صباح يوم الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول الموافق 20-4-571 م حسبما حققه العالم الفلكي محمود باشا .. وقد ولد عليه السلام بشعب بني هاشم بمكة المكرمة ..
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث غيلان عن أبي قتادة : أن أعرابياً قال : يا رسول الله، ما تقول في صوم يوم الإثنين؟ فقال : (ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه).
وعن ابن عباس قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، واستنبئ يوم الإثنين وخرج مهاجراً من مكة إلى المدينة يوم الإثنين وقدم المدينة يوم الإثنين وتوفي يوم الإثنين، ورفع الحجر الأسود يوم الإثنين..
وعن كريب عن ابن عباس قال : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين وتوفي يوم الإثنين .. وهكذا روى من غير هذا الوجه عن ابن عباس: أنه ولد يوم الإثنين .. وهذا ما لا خلاف فيه أنه ولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين على أن ذلك كان في شهر ربيع الأول لثمان وقيل: لعشر وقيل : لاثنتي عشرة وخلت منه نص عليه ابن إسحاق ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عفان عن سعيد بن مينا عن جابر وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الإثنين الثامن عشر من شهر ربيع الأول وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات وهذا هو المشهور عند الجمهور.
والصحيح عن ابن حزم الأول: أنه لثمان مضت منه كما نقله الحميدي وهو أثبت. ذكر السهيلي : أن مولده عليه الصلاة والسلام كان في العشرين من نيسان (إبريل) من عام الفيل.
قال ابن إسحاق: وكان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل وهذا هو المشهور عن الجمهور ..
قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: وهو الذي لا يشك فيه أحد من علمائنا أنه عليه الصلاة والسلام ولد عام الفيل وبعث على رأس أربعين سنة من الفيل.
وقد رواه البهيقي من حديث أبي إسحاق حدثني المطلب بن عبدالله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، كنا لدين (خصمين) قال: وسأل عثمان رضي الله عنه قباث ابن أشيم أخا بني يعمر بن ليث: أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني وأنا أقدم منه في الميلاد رواه الترمذي والحاكم من حديث محمد بن إسحاق.
وقال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عام عكاظ ابن عشرين سنة.
وقال ابن إسحاق: كان الفجار بعد الفيل بعشرين سنة، وكان بناء الكعبة بعد الفجار بخمس عشرة سنة والمبعث بعد بنائها بخمس سنين.
وقال محمد بن جبير بن مطعم: كان عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وبناء الكعبة بعد عكاظ بعشر سنين، والمبعث بعد بنائها بخمس عشرة سنة.
وروى الحافظ البهيقي من حديث عبدالعزيز بن أبي ثابت المديني حدثنا الزبير بن موسى عن أبي الحويرث قال: سمعت عبدالملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الكناني ثم الليثي: يا قباث أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني، وأنا أسن.
ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة.
وقال يعقوب بن سفيان حدثنا يحيى بن عبدالله بن بكير حدثنا نعيم - يعني ابن ميسرة عن بعضهم عن سويد بن غفلة أنه قال: أنا لدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدت عام الفيل.
قال البيهقي وقد روىعن سويد بن غفلة أنه قال: أنا أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين.
قال يعقوب: وحدثنا إبراهيم عن المنذر حدثنا عبدالعزيز بن أبي ثابت حدثني عبدالله بن عثمان بن أبي سليمان النوفلي عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة من الفيل.

(نلخص من هذا) إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل - على قول الجمهور - فقيل: بعده بشهر، وقيل: بأربعين يوماً، وقيل بخمسين يوماً . وهو أشهر.
وعن أبي جعفر الباقر: كان قدوم الفيل للنصف من المحرم، ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده بخمس وخمسين ليلة.
ذكر أن عبدالمطلب لما ذبح الإبل المائة عن ولده عبدالله حين كان نذر بذبحه فسلمه الله تعالى لما كان قدر في الأزل من ظهور النبي الأمي صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل وسيد ولد آدم من صلبه فذهب فزوجه أشرف عقيلة في قريش وهي السيدة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهرية، وحين دخل بها وأفضي إليها حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كانت أم قتال رقيقة بنت نوفل أخت ورقة بن نوفل توسمت ما كان بين عيني عبدالله قبل أن يدخل بآمنة من النور، فودت أن يكون ذلك متصلاً بها لما كانت تسمع من أخيها من البشارات بوجود محمد صلى الله عليه وسلم وأنه قد أزف زمانه فعرضت نفسها عليه - قال بعضهم: ليتزوجه وهو أظهر .. والله أعلم - فامتنع عليها وانتقل ذلك النور الباهر إلى آمنة.
وهذه الصيانة إنما هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كما قال تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته).
وفاة والده عبدالله بن عبدالمطلب
حين حملت به أمه به توفي أبوه عبدالله وهو حمل في بطنها على المشهور.
قال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر - وهو الواقدي - حدثنا موسى بن عبيدة اليزيدي وحدثنا سعيد بن أبي زيد عن أيوب بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة قال: خرج عبدالله بن عبدالمطلب إلى الشام إلى غزة في عير من عيران قريش يحملونه تجارات، ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا فمروا بالمدينة وعبدالله بن عبدالمطلب يومئذ مريض ، فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار، فاقام عندهم مريضاً شهراً ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبدالمطلب عن ابنه عبدالله؟ فقالوا: خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض فبعث إليه عبدالمطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة فرجع إلى أبيه فأخبره، فوجد (حزن) عليه عبدالمطلب وأخوته وأخواته وجداً شديداً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حمل ولعبدالله بن عبدالمطلب يوم توفي خمس وعشرون سنة.
قال الواقدي: هذا هو أثبت الأقاويل في وفاة عبدالله وسنه عندنا.
قال الواقدي: وحدثني معمر عن الزهري: أن عبدالمطلب بعث عبدالله إلى المدينة يمتاز (يجمع) لهم تمراً فمات. قال محمد بن سعد: وقد أنبأنا هشام بن محمد بن السائب ال---ي عن أبيه وعن عوانة بن الحكم قالا: توفي عبدالله بن عبد المطلب بعد ما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرون شهراً، قيل: سبعة أشهر.
وقال محمد بن سعد: والأول أثبت: أنه توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل.
وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن عن عبدالسلام عن ابن خربوذ قال: توفي عبدالله و ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن شهرين، وماتت أمه وهو ابن أربع سنين ومات جده وهو ابن ثماني سنين، فأوصى به إلى عمه أبي طالب.
والذي رجحه الواقدي وكاتبه الحافظ محمد بن سعد: أنه عليه الصلاة والسلام توفي أبوه وهو جنين في بطن أمه وهذا أبلغ اليتم وأعلى مراتبه.
الحمل به وولادته صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: (ورؤيا أمي التي رأت حين حمل بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام)..
وقال محمد بن إسحاق: فكانت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث: (أنها أتيت حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع إلى الأرض فقولي: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، ومن كل بر عاهد وكل عبد رائد، يذود عني زائد، فإنه عنه الحميد الماجد، حتى أراه قد أتى المشاهد. وآية ذلك: أنه يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وقع فسميه محمداً فإن اسمه في التوراة أحمد يحمده أهل السماء والأرض.
واسمه في الإنجيل أحمد يحمده أهل السماء وأهل الأرض .. واسمه في القرآن محمد).

عن ابن عباس أن آمنة بنت وهب قالت : لقد علقت به - تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - فما وجدت له مشقة حتى وضعته، فلما فصل منى خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، ثم وقع إلى الأرض معتمداً على يديه، ثم أخذ قبضة من تراب فقبضها ورفع رأسه إلى السماء.
وقال بعضهم: وقع جاثياً على ركبتيه، وخرج معه نور أضاءت له قصور الشام وأسواقها حتى رؤيت أعناق الإبل ببصرى رافعاً رأسه إلى السماء.
عن عثمان بن أبي العاص حدثتني أمي: أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ولدته، قالت: فما شيء أنظره في البيت إلا نور وإني أنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول: ليقعن علي.
وذكر القاضي عياض عن الشفاء أم عبدالرحمن بن عوف: أنها كانت قابلته وأنها أخبرت به حين سقط على يديها واستهل سمعت قائلاً يقول: يرحمك الله، وإنه سطع منه نور رؤيت منه قصور الروم.
عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنهما قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختوناً مسروراً (مقطوع السرة من بطن أمه). قال: فأعجب جده عبدالمطلب وحظي عنده وقال: ليكونن لابني هذا شأن فكان له شأن.
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كرامتي على الله أني ولدت مختوناً ولم ير سوأتي أحد).
عن نافع عن ابن عمر قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسروراً مختوناً.
عن عائشة رضي الله عنها قال: كان يهودي قد سكن مكة يتجر بها فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من قريش: يا معشر قريش، هل ولد فيكم الليلة مولود؟ فقال القوم: والله ما نعلمه فقال: الله أكبر، أما إذا أخطأتم فلا بأس، انظروا واحفظوا ما أقول لكم: ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس فتصدع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله وحديثه فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا: قد والله ولد لعبدالله بن عبدالمطلب غلام سموه محمداً.
اهتزاز عرش كسرى وانخماد نار فارس
في الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس (رجف) إيوان (مجلس كبير يجلس فيه القوم) كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام كما غاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان: إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً، وقد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك فتصبر عليه تشجيعاً، ثم رأى أنه لا يدخر ذلك عن مرازبته فجمعهم ولبس تاجه وجلس على سريره ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده قال: أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا: لا إلا أن يخبرنا الملك ... فبينما هم كذلك أن ورد عليهم كتاب خمود النيران فازداد غماً إلى غمه، ثم أخبرهم بما رأى وما هاله، فقال الموبذان: وأنا - أصلح الله الملك - قد رأيت في هذه الليلة رؤيا ثم قص عليه رؤياه في الإبل، فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال: حدث يكون في ناحية العرب - وكان أعلمهم من أنفسهم - فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر أما بعد: فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه.
فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان ابن نفيلة الغساني فلما ورد عليه قال له: ألك علم بما أريد أن أسألك عنه؟
قال: لتخبرني أو ليسألني الملك عما أحب، فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلم.
فأخبره بالذي وجه به إليه فيه قال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له: سطيح.
قال: فائته فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتني بتفسيره.
فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح وقد أشفى على الضريح فسلم عليه وكلمه فلم يرد إليه سطيح جواباً فأنشأ يقول:

أصم أم يسمع غطريف اليمن ...... أم فاد فاز لم به شأو العنن
يا فاصل الخطة أعيت من ومن ...... أتاك شيخ الحي من آل سنن قال: فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول: عبدالمسيح، على جمل مشيح، أتى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بن ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران ورؤيا الموبذان، رأى إبلاً صعاباً، تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاماً يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات وكلما هو آت آت.
ثم قضى سطيح مكانة فنهض عبد المسيح إلى راحلته قال: فلما قدم عبدالمسيح على كسرى أخبره بما قال له سطيح، فقال كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً كانت أمور أمور، فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي الله عنه.
أما سطيح هذا فقال الحافظ ابن عساكر في تاريخه هو الربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن ابن ذئب بن عدي بن مازن بن الأسد.
ويقال الربيع بن مسعود وأمه ردعا بنت سعد بن الحارث الحجوري وذكر غير ذلك في نسبه.
قال: وكان يسكن الجابية، ثم روى عن أبي حاتم السجستاني قال: سمعت المشيخة منهم أبو عبيدة وغيره قالوا: وكان من بعد لقمان بن عاد، ولد في زمن سيل العرم وعاش إلى ملك ذي نواس وذلك نحو من ثلاثين قرناً وكان مسكنه البحرين وزعمت عبد القيس أنه منهم وتزعم الأزد أنه منهم وأكثر المحدثين يقولون: هو من الأزد ولا ندري ممن هو؟ غير أن ولده يقولون: إنه من الأزد.
وروي عن ابن عباس أنه قال: لم يكن شيء من بني آدم يشبه سطيح إنما كان لحماً على وضم ليس فيه عظم ولا عصب إلا في رأسه وعينيه وكفيه وكان يطوى كما يطوى الثوب من رجليه إلى عنقه ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه. وقال غيره: إنه إذا غضب انتفخ وجلس. ثم ذكر ابن عباس: أنه قدم مكة فتلقاه جماعة من رؤسائهم منهم عبد شمس وعبد مناف أبناء قصي فامتحنوه في أشياء فأجابهم فيها بالصدق.


<B>
حليمة السعدية مرضعة الرسول
وبركة أم أيمن حاضنته صلى الله عليه وسلم
قالت حليمة غفر الله لها : قام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا هي لحافل، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا فبتنا بخير ليلة.
فقال صاحبي حين أصبحنا: يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة ألم ترى ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه؟! فلم يزل الله عزوجل يزيدنا خيراً.
ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا فوالله لقطعت أتان بالركب حتى ما يتعلق بها حمار حتى أن صواحبي ليقلن: ويلك يا بنت أبي ذؤيب هذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟! فأقول: نعم والله إنها لهي.
فقلنا: والله إن لها لشأناً .. حتى قدمنا أرض بني سعد وما أعلم أرض من أرض الله أجدب منها فإن كانت غنمي لتسرح ثم تروح شباعاً لبناً فتحلب ما شئنا وما حوالينا - أو حولنا - أحد تبض له شاة بقطرة لبن وإن أغنامهم لتروح جياعاً حتى إنهم ليقولون لرعاتهم - أو لرعيانهم - ويحكم! انظروا حيث تسرح غنم بنت أبي ذؤيب فاسرحوا معهم فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فتروح أغنامهم جياعاً ما فيها قطرة لبن وتروح أغنامي شباعاً لبناً نحلب ماشئنا فلم يزل الله يرينا البركة نتعرفها حتى بلغ سنتين فكان يشب شباباً لا تشبه الغلمان والله ما بلغ السنتين حتى كان غلاماً جفراً (مقبل على الأكل) فقدمنا به على أمه ونحن أضن شيء به مما رأينا فيه من البركة.
فلما رأته أمه قلت لها: دعينا نرجع بإبننا هذه السنة الأخرى فإنا نخشى عليه وباء مكة فوالله ما زلنا بها حتى قالت: نعم فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة.
فبينما هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا جاء أخوه ذلك يشتد فقال: ذاك أخي القرشي جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده قائماً منتقعاً لونه فاعتنقه أبوه وقال: يا بني ما شأنك؟ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض أضجعاني وشقا بطني ثم استخرجا منه شيئاً فطرحاه ثم رداه كما كان فرجعنا به معنا فقال أبوه: يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب فانطلقي بنا نرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف.
قالت حليمة: فاحتملناه فلم ترع أمه إلا به .. فقدمنا به عليهما فقالت: ما ردكما به يا ظئر (المرضع) فقد كنتما عليه حريصين؟ فقالا: لا والله إلا أن الله قد أدى عنا وقضينا الذي علينا وقلنا: نخشى الإتلاف والإحداث نرده إلى أهله.
فقالت: ما ذاك بكما فأصدقاني شأنكما؟ فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره.
فقالت: أخشيتما عليه من الشيطان، كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل والله إنه لكائن لابني هذا شأن ألا أخبركما خبره؟ قلنا: بلى!
قالت: حملت به فما حملت به فما حملاً قط أخف منه فأريت في النوم حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام ثم وقع حين ولدته وقوعاً ما يقعه المولود، معتمداً على يديه رافعاً رأسه إلى السماء، فدعاه عنكما.
قال الواقدي: حدثني معاذ بن محمد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس: قال خرجت حليمة تطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجدت إلبهم تقيل فوجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أمه ما وجد أخي حراً رأيت غمامة تظلل عليه إذا وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع.
قال ابن إسحاق: حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم قالوا له: أخبرنا عن نفسك. قال: (نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واستعرضت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا بهم لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض معهما طست من ذهب مملوءاً ثلجاً فاضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج، حتى إذا ألقياه رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه : وزنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم..
ثم قال زنه بمائة من أمته فوزني بمائة فوزنتهم..
ثم قال: زنه بألف من أمته فوزنني بألف فوزنتهم..
فقال: دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنهم!!
كانت أم أيمن واسمها: بركة تحضن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان قد ورثها عليه الصلاة والسلام عن أبيه فلما كبر أعتقها وزوجها مولاه زيد بن حارثة، فولدت له أسامة بن زيد رضي الله عنهم وأرضعته مع أمه عليه الصلاة والسلام: مولاة عمه أبي لهب : ثوبية قبل حليمة السعدية.
أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما: من حديث الزهري عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: يا رسول الله أنكح أختي بنت أبي سفيان - ولمسلم: عزة بنت أبي سفيان - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو تحبين ذلك؟) قلت: نعم لست لك بمخلية وأحب من شاركني في خير أختي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن ذلك لا يحل لي) قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة - وفي رواية درة بنت أبي سلمة - قال: (بنت أبي سلمة)؟ قلت: نعم. قال: (إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثوبية فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن) زاد البخاري: قال عروة وثوبية مولاة لأبي لهب أعتقها فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر خيبة فقال له: ماذا لقيت؟ فقال أبو لهب: لم ألق بعدكم خيراً غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثوبية - وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع.

وذكر السهيلي وغيره: أن الرائي له هو أخوه العباس، وكان ذلك بعد سنة من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر. وفيه: أن أبا لهب قال للعباس: أنه ليخفف علي في مثل يوم الإثنين.
قالوا: لأنه لما بشرته ثوبية بميلاد ابن أخيه محمد بن عبدالله أعتقها من ساعته فجوزي بذلك لذلك.
قال محمد بن إسحاق: استرضع له عليه الصلاة والسلام من حليمة بنت أبي ذؤيت، واسمه: عبدالله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن ابن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان بن مضر. قال: واسم زوج حليمة: الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن. وأخوته عليه الصلاة والسلام - يعني من الرضاعة - : عبدالله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث وحذافة بنت الحارث - وذكروا أنها كانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه إذ كان عندهم.
قال ابن إسحاق: حدثني جهم بن أبي جهم مولى لإمرأة من بني تميم كانت عند الحارث ابن حاطب ويقال له: مولى الحارث بن حاطب قال: حدثني من سمع عبدالله بن جعفر بن أبي طالب قال: حدثت حليمة بنت الحارث أنها قالت: قدمت مكة في نسوة ذكر الواقدي بإسناده أنهن كن عشر سيدات من بني سعد بن بكر يلتمس بها الرضعاء من بني سعد نلتمس بها الرضعاء في سنة شهباء (ذات قحط وجدب) فقدمت على أتان لي قمراء كانت أذمت بالركب ومعي صبي لنا وشارف (الشارف من الدواب: المسن) لنا والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلتنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك ما نجد في ثديي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على أتاني تلك فلقد أذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفاً وعجفاً فقدمنا مكة فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل: إنه يتيم تركناه قلنا: ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه؟ إنما نرجو المعروف من أبي الولد فأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا؟ فوالله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعاً غيري فلما لم نجد غيره وأجمعنا الانطلاق قلت لزوجي الحارث ابن عبد العزى: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. فقال: لا عليك أن تفعلي فعسى أن يجعل الله لنا فيه بركة.. فذهبت فأخذته فوالله ما أخذته إلا أني لم أجد غيره. فما هو إلا أن أخذته فجئت به رحلي. فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روى وشرب أخوه حتى روى.
الرسول وبحيرى الراهب
قال ابن إسحاق: خرج أبو طالب في ركب تاجراً إلى الشام فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير صب (لزمه) به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون فرق له أبو طالب وقال: والله لأخرجن به معي ولا أفارقه ولا يفارقني أبداً، أو كما قال - فخرج به فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له: بحيرا في صومعة له وكان إليه علم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب فيها إليه يصير علمهم عن كتاب - فيما يزعمون - يتوارثونه كابراً عن كابر، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا - وكانوا كثيراً ما يمرون به فلا يكلمهم ولا يعرض لهم - حتى كان ذلك العام فلما نزلوا قريباً من صومعته صنع لهم طعاماً كثيراً وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه هو في صومعته: يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركب حتى أقبل وغمامة تظلله من بين القوم ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريباً منه فنظر إلى الغمامه حين أظلت الشجرة وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته وقد أمر بطعام فصنع ثم أرسل إليهم فقال: إني صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش فأنا أحب أن تحضروا كلكم، كبيركم وصغيركم، وعبدكم وحركم، فقال له رجل منهم: والله يا بحيرا إن لك لشأناً اليوم! ما كنت تصنع هذا بنا وقد كنا نمر بك كثيراً فما شأنك اليوم؟
قال له بحيرا: صدقت قد كان ما تقول ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم طعاماً فتأكلون منه كلكم .. فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في حال القوم تحت الشجرة فلما رآهم بحيرا لم ير الصفة التي يعرف ويجده عنده فقال: يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي قالوا: يا بحيرا ما تخلف أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدثنا سناً فتخلف في رحالنا ..
قال: لا تفعلوا أدعوه فليحضر هذا الطعام معكم..
قال: فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى إن كان للؤم بنا أن يتخلف محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب عن طعام من بيننا ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم..
فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظاً شديداً وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه بحيرا وقال له: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه - وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما - فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تسألني باللات والعزى شيئاً فوالله ما أبغضت شيئاً قط بغضهما.
فقال له بحيرا: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه؟ فقال له: سلني عما بدا لك .. فجعل يسأله عن أشياء من حاله ومن نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه موضعه من صفته التي عنده .. فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال: ما هذا الغلام منك؟
قال: ابني ..
قال بحيرا: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً ..
قال: فإنه ابن أخي.
قال: فما فعل أبوه؟
قال مات وأمه حبلى به.
قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شراً فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده.
فخرج به عمه أبو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام.
قال ابن اسحاق فزعموا فيما روى الناس: أن زريراً وثماماً، ودريسما - وهم نفر من أهل الكتاب - قد كانوا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما رأى بحيرا في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب فأراده فردهم عنه بحيرا فذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته وأنهم أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا إليه حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما أقل فتركوه وانصرفوا عنه.
قال ابن إسحاق : هاجت (نشبت - حدثت) حرب الفجار ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة وإنما سمي يوم الفجار بما استحل فيه هذان الحيان - كنانة وقيس عيلان - من المحارم بينهما وكان قائد قريش وكنانة حرب بن أمية بن عبد شمس وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة حتى إذا كان وسط النهار كان الظفر لكنانة على قيس.
وقال ابن هشام: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة - أو خمسة عشرة سنة - هاجت حرب الفجار بين قريش ومن معها من كنانة وبين قيس عيلان وكان الذي هاجها: أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أجاز لطيمة - أي تجارة - للنعمان بن المنذر فقال البراض بن قيس - أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة - أتجيزها على كنانة؟
قال: نعم وعلى الخلق فخرج عروة الرحال وخرج البراض يطلب غفلته حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام، فلذلك سمي الفجار.
قال ابن هشام: فأتى آت قريشاً فقال: إن البراض قد قتل عروة وهو في الشهر الحرام بعكاظ.
فارتحلوا وهوازن لا تشعر بهم ثم بلغهم الخبر فأمسكت هوازن عنهم، ثم التقو بعد هذا اليوم أياماً والقوم متساندون على كل قبيل من قريش وكنانة رئيس منهم وعلى كل قبيل من قيس رئيس منهم.
قال وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أيامهم أخرجه أعمامه معهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت أنبل على أعمامي) أي أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.
وقال السهيلي: والفجار بكسر الفاء على وزن قتال وكانت الفجارات في العرب أربعاً وذكرها المسعودي وآخرها: فجار البراض هذا وكان القتال فيه أربعة أيام: يوم شمطة، ويوم العبلاء، وهما عند عكاظ. ويوم الشرب وهو أعظمها يوماً وهو الذي حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه قيدا رئيس قريش وبني كنانة - وهما حرب بن أمية وأخوه سفيان - أنفسهما لئلا يفروا وانهزمت يومئذ قيس إلا بني نضر فإنهم ثبتوا. ويوم الحريرة عند نخلة .. ثم تواعدوا من العام المقبل إلى عكاظ فلما توافوا الموعد ركب عتبة بن ربيعة جمله ونادى: يا معشر مضر علام تقاتلون؟! فقالت له هوازن: ما تدعو إليه؟ قال: الصلح. قالوا: وكيف؟ قال ندى قتلاكم ونرهنكم رهائن عليها، ونعفو عن دياتنا. قالواك ومن لنا بذلك؟ قالك أنا. قالوا: ومن أنت؟ قال: عتبة بن ربيعة. فوقع الصلح على ذلك وبعثوا إليهم أربعين رجلاً فيهم حكيم بن حزام فلما رأت بنو عامر بن صعصعة الرهن في أيديهم عفوا عن دياتهم وانقضت حرب الفجار.
قال الحافظ البيهقي عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شهدت مع مومتي حلف المطيبين فما أحب أن أنكثه - أو كلمة نحوها - وإن لي حمر النعم) قال: وكذلك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شهدت حلفاً لقريش إلا حلف المطيبين، وما أحب أن لي حمر النعم وأني كنت نقضته) قال: والمطيبون: هاشم، وأمية وزهرة، ومخزوم. قال البيهقي: كذا روى هذا التفسير مدرجاً في الحديث ولا أدرى قائله. وزعم بعض أهل السير أنه أراد حلف الفضول فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك حلف المطيبين.
الرسول يتزوج خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
قال ابن إسحاق: كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال على مالها فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج لها في مال تاجراً إلى الشام وتعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وخرج في مالها ذاك وخرج معه غلامها ميسرة حتى نزل الشام، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبة من صومعة راهب من الرهبان، فطلع الراهب إلى ميسرة فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت الشجرة، فقال ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم. فقال له الراهب: ما نزل تحت إلا نبي !!
ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته - يعني تجارته - التي خرج بها واشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلاً (راجعاً) إلى مكة ومعه ميسرة، فكان ميسرة - في يزعمون - إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره، فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعف أو قريباً، وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى في ظلال الملائكة إياه .. وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامتها فلما أخبرها ميسرة ما أخبرها بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: - فيما يزعمون - يابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك .. ثم عرضت نفسها عليه وكانت أوسط نساء قريش نسباً وأعظمهن شرفاً وأكثرهن مالاً وكان كل قومها حريصاً على ذلك منها لو يقدر عليه .. فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه عمه حمزة حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها عليه الصلاة والسلام.
قال ابن هشام: فأصدقها عشرين بكرة (ناقة صغيرة) وكانت أول تزوجها ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
أبناء النبي عليه السلام
قال ابن إسحاق: فولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولده كلهم إلا إبراهيم (فمن مارية القبطية): القاسم (وكان بن يكنى)، والطيب، والطاهر، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
قال ابن هشام: أكبرهم القاسم، ثم الطيب، ثم الطاهر، وأكبر بناته رقية، ثم زينب، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة.
قال البيهقي عن الحاكم: قرأت بخط أبي بكر بن أبي خيثمة حدثنا مصعب بن عبدالله الزبيري قال: أكبر ولده عليه الصلاة والسلام القاسم، ثم زينب، ثم عبدالله، ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية .. وكان أول من مات من ولده: القاسم، ثم عبدالله، وبلغت خديجة خمساً وستين سنة.
وقال غيره: بلغ القاسم أن يركب الدابة ونجيبه ثم مات بعد النبوة. وقيل: مات وهو رضيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن له مرضعاً في الجنة يستكمل رضاعه) والمعروف أن هذا في حق إبراهيم.
وقال يونس بن بكير: حدثنا إبراهيم بن عثمان عن القاسم عن ابن عباس قال: ولدت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين وأربع سيدات: القاسم، وعبدالله، وفاطمة، وأم كلثوم، وزينب، ورقية.
وقال الزبير بن بكار: عبدالله هو الطيب وهو الطاهر، سمي بذلك لأنه ولد بعد النبوة، فماتوا قبل البعثة وأما بناته فأدركن البعثة، ودخلن في الإسلام وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم. قال ابن هشام: وأما إبراهيم فمن مارية القبطية التي أهداها له المقوقس صاحب الاسكندرية من قرية حفن بكورة (الكورة: الإقليم) أنصنا (مدينة بصعيد مصر شرقي النيل).
قال ابن هشام وكان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة خمساً وعشرين سنة فيما حدثني غير واحد من أهل العلم، منهم أبو عمرو المدني.
</B>
النبي عليه السلام يتاجر ويرعى الغنم
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله نبياً إلا راعي غنم) فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ قال: (وأنا رعيتهما لأهل مكة بقراريط).
عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آجرت نفسي من خديجة سفرتين بقلوص) (القلوص من الإبل: الفتية المجتمعة الخلق، وذلك من حين تركب إلى التاسعة من عمرها، ثم هي ناقة)..
الرسول يشارك في بـنــاء الكعـبـة
ثبت في الصحيحين عن أبي ذر قالك قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: (المسجد الحرام) قلت: ثم أي؟ قال: (المسجد الأقصى). قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة). وفي الصحيحين: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة.
عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعث الله جبريل إلى آدم وحواء فقال لهما: ابنيا لي بيتاً، فخط لهما جبريل فجعل آدم يحفر وحواء تنقل، حتى أجابه الماء نودي من تحته: حسبك يا آدم، فلما بنيا أوحى الله تعالى إليه أن يطوف به وقيل له: أنت أول الناس، وهذا أول بيت. ثم تناسخت القرون حتى حجه نوح، ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه).
سأل رجل علياً كرم الله وجهه عن قوله تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين) أهو أول بيت بني في الأرض؟ قال: لا ولكنه أول بيت وضع فيه البركة للناس والهدى مقام إبراهيم ومن دخله كان ىمناً وإن شئت نبأتك كيف بناؤه. إن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتاً في الأرض فضاق به ذرعاً فارسل إليه السكينة وهي: ريح خجوج لها رأس فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت ثم تطوقت في موضع البيت تطوق الحية، فبنى إبراهيم حتى بلغ مكان الحجر قال لابنه: أبغني حجراً: فالتمس حجراً حتى أتاه به فوجد الحجر الأسود قد ركب فقال لأبيه: من أين لك هذا؟ قال: جاء به من لا يتكل على بنائك، جاء به جبريل من السماء فأتمه. قال: فمر عليه الدهر فانهدم فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ رجل شاب فلا أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود اختصموا فيه فقالوا: نحكم بيننا أول رجل يخرج من هذه السكة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من خرج عليهم فقضى بينهم أن يجعلوه في مرط (كساء من خز أو صوف أو كتان، يؤتزر به وتتلفع به المرأة) ثم ترفعه جميع القبائل كلها. عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: لما انهدم البيت بعد جرهم بنته قريش فلما أرادوا وضع الحجر تشاجروا من يضعه فاتفقوا أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل فخذ (أحد فصائل البطن من العشيرة) أن يأخذوا بطائفة من الثوب فرفعوه وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه.
عن ابن شهاب قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم جمرت (بخرت) امرأة الكعبة فطارت شرارة من مجمرها في ثياب الكعبة فاحترقت فهدموها حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تلي رفعه؟ فقالوا: تعالوا نحكم أول من يطلع علينا. فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم خرج سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه فكان لا يزداد على السن إلا رضى حتى دعوه الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي، فطفقوا لا ينحرون جزوراً إلا التمسوه فيدعو لهم فيها.
قال موسى بن عقبة: كان بناء الكعبة قبل المبعث بخمس عشرة سنة. وهكذا قال مجاهد وعروة، ومحمد بن جبير بن مطعم وغيرهم. فالله أعلم.
دعــوة إبـراهيم وبشارة عيسى
قال محمد بن إسحاق رحمه الله: كانت الأحبار من اليهود والكهان من النصارى ومن العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب زمانه أما الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه قال تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) (الأعراف 157).
عن ابن عباس قال: (ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه وليتبعنه) يعلم من هذا أم جميع الأنبياء بشروا به وأمروا باتباعه.
وقد قال إبراهيم عليه السلام فيما دعا به لأهل مكة: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك) (البقرة 129).
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر حدثنا الفرج بن فضالة حدثنا لقمان بن عامر: سمعت ابا أمامة قال: قلت: يا رسول الله، ما كان بدء أمرك؟ قال: (دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت امي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام). ومعنى هذا: أنه أراد بدء أمره بين الناس واشتهار ذكره وانتشاره فذكر دعوة إبراهيم الذي تنسب عليه العرب، ثم بشرى عيسى الذي هو خاتم أنبياء بني إسرائيل ودل هذا على أن من بينهما من الانبياء بشروا به أيضاً.
عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني عبدالله خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل (في أول خلقه) في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي ورؤيا أمتي التي رأت، وكذلك أمهات المؤمنين).
وقد رواه الليث عن معاوية بن صالح وقال: إن أمه رأت حين وضعته نوراً أضاءت منه قصور الشام.
وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا عبدالرحمن حدثنا منصور بن سعد بن بديل بن ميسرة عن عبدالله بن شفيق عن ميسرة الفجر قال: قلت: يا رسول الله متى كنت نبياً؟ قال: (وآدم بين الروح والجسد).
عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى وجبت لك النبوة؟ قال: (بين خلق آدم ونفخ الروح فيه) ورواه من وجه آخر عن الأوزاعي به وقال: (وآدم منجدل في طينته) وروى عن البغوي عن أبي هريرة - مرفوعاً - في قول الله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) (الأحزاب 7) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت أول النبيين في الخلق ولآخرهم في البعث) ومن حديث أبي مزاحم: عن ابن عباس: قيل: يا رسول الله متى كنت نبياً؟ قال: (وآدم بين الروح والجسد).
وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن مما تسترق من السمع، إذ كانت وهي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم، وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما بعض ذكر أموره ولا يلقى العرب لذلك فيه بالاً حتى بعثه الله تعالى، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها، فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر زمان مبعثه حجبت الشياطين عن السمع، وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها، فرموا بالنجوم فعرفت الشياطين أن ذلك لأمر حدث من أمر الله عزوجل.
قال: وفي ذلك أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا فرآناً عجباَ * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) (الجن 1-2).
اليهود يستبشرون ويستفتحون بالنبي وبعدها يكفرون به
قال ورقاء: عن ابن أبي نجيح عن علي الأزدي: كانت اليهود تقول: اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس (يستفتحون به - أي يستنصرون به).
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: كانت اليهود بخيبر تقاتل غطفان، فكلما التقوا هزمت يهود خيبر، فعاذت اليهود بهذا الدعاء فقالوا: اللهم نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم.
قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به فأنزل الله عزوجل: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) وروى عطيه عن ابن عباس نحوه وروى عن عكرمة من قوله نحو ذلك أيضاً.
قال ابن إسحاق: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد عن سلمة بن سلام بن وقش - وكان من أهل بدر - قال: كان لنا جار من يهود في بني عبدالأشهل. قال: فخرج علينا يوماً من بيته حتى وقف على بني عبدالأشهل.
قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيهم سناً على فروة لي مضطجع فيها بفناء أهلي، فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار.
قال: فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان أو ترى هذا كائناً؟ إن الناسيبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم، والذي يحلف به ويود أن له تحطة من تلك النار أعظم تنور في الدار يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه وإن ينجون من تلك النار غداً.
قالوا له: ويحك يا فلان! فما آية ذلك؟ قال: نبي مبعوث من نحو هذه البلاد - وأشار بيده إلي نحو مكة - قالوا ومتى نراه؟
قال: فنظر إلي وأنا من أحدثهم سناً فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه.
قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله ورسوله: وهو حي بين أظهرنا، فآمنا به وكفر به بغياً وحسداً، قال: فقلنا له ويحك يا فلان! ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت!
قال: بلى ولكن ليس به. رواه أحمد عن يعقوب عن أبيه عن ابن عباس. قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال: قال لي: هل تدري عم كان إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد - نفر من بني هدل - أخوة بني قريظة كانوا معهم في جاهليتهم، ثم كانوا سادتهم في الإسلام؟ قال: قلت: لا، قال: فإن رجلاً من اليهود من أرض الشام يقال له: ابن الهيبان قدم علينا قبل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا لا والله ما رأينا رجلاً قط لا يصلي الخمس أفضل منه، فأقام عندنا فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا لهك اخرج يابن الهيبان فاستسق لنا. فيقول: لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة. فنقول له: كم؟ فيقول: صاعاً من تمر أو مدين من شعير. قال: فنخرجها، ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرثنا فيستسقس لنا، فوالله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ويسقس قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثاً: قال: ثم حضرته الوفاة عندنا، فلما عرف أنه ميت قال: يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر إلى أرض البؤس والجوع؟ قال: قلنا: أنت أعلم. قال: فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف (أتوقع) خروج نبي قد أظل زمانه، هذه البلدة مهاجرة فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم زمانه فلا تسبقن إليه يا معشر يهود.
فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصر بني قريظة قال هؤلاء الفتية - وكانوا شباباً أحداثاً - يا بني قريظة والله إنه للنبي الذي عهد إليكم فيه ابن الهيبان. قالوا: ليس به. قالوا بلى والله لهو بصفته فنزلوا فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم.
نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم
كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وله من العمر أربعون سنة وحكى ابن جرير عن ابن عباس وسعيد بن المسيب: أنه كان عمره إذ ذاك ثلاثاً وأربعين سنة.
قال البخاري: عن عائشة رضي الله عنها. أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل (فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - في الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال اقرأ. فقالك ما أنا بقارئ.
قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ: فأخذني، فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم) (العلق 1-5).
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زملوني زملوني. فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة - وأخبرها الخبر -: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق.
فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة، وكان امرؤ قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي.
فقالت له خديجة: يابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى ياليتني فيها جذعاً (الشاب الحدث)، ليتني أكون حياً، إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجي هم؟) فقال: نعم، لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر (تأخر - توقف) الوحي فترة، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه، تبدى له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقاً. فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا كمثل ذلك. قال: فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل، فقال له مثل ذلك. هكذا وقع مطولاً في باب التعبير من البخاري. قال ابن شهاب: وأخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن، أن جابر بن عبدالله الأنصاري قال - وهو يحدث عن فترة الوحي - فقال في حديثه: (بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني وملونين فأنزل الله (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر) (المدثر 1-5) فحمى الوحي وتتابع).
فتقول أم المؤمنين عائشة: (أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح) يقوي ما ذكره محمد بن إسحاق بن يسار عن عبيد بن عمر الليثي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقرأ، فقلت ما أقرأ؟ فغتني (ضغط ضغطاً شديداً) حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني).
عمره عندما أوتي النبوة
قال الإمام أحمد: عن عامر الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل من القرآن، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل، فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة، عشراً بمكة، وعشراً بالمدينة، فمات وهو ابن ثلاث وستين سنة.
أما الشيخ شهاب الدين أبو شامة فإنه قال: حديث عائشة لا ينافي هذا، فإنه يجوز أن يكون أول أمره الرؤيا، ثم وكل به إسرافيل في تلك المدة التي كان يخلو فيها بحراء، فكان يلقى إليه الكلمة بسرعة ولا يقيم معه، تدريجياً له وتمريناً، إلى أن جاءه جبريل فعلمه بعد ما غطه ثلاث مرات، فحكت عائشة ما جرى له مع جبريل، ولم تحك ما جرى له مع إسرافيل، اختصاراً للحديث، أو لم تكن وقفت على قصة إسرافيل. وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن هشام عن عكرمة عن ابن عباس: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين، فمكث بمكة عشراً، وبالمدينة عشراً، ومات وهو ابن ثلاث وستين عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن وهو ابن أربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة، والمدينة عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة. وقال الإمام أحمد: عن ابن عباس قالك أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة، سبع سنين يرى الضوء، ويسمع الصوت، وثماني سنين يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشر سنين.
النبي يحب الخلاء في غار حراء
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الخلاء والانفراد عن قومه، لما يراهم عليه من الضلال المبين، من عبادة الأوثان والسجود للأصنام، وقويت محبته للخلوة عند مقاربة إيحاء الله إليه، صلوات الله وسلامه عليه.
وقد ذكر محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى حراء في كل عام شهراً من السنة يتنسك فيه، وكان نسك قريش في الجاهلية، يطعم من جاءه من المساكين، حتى إذا انصرف من مجاورته لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة.
وهكذا روى عن وهب بن كيسان: أنه سمع عبيد بن عمير يحدث عبدالله بن الزبير مثل ذلك. وهذا يدل على أن هذا كان من عادة المتعبدين في قريش، أنهم يجاورون في حراء للعبادة.
وحراء يقصر ويمد، ويصرف ويمنع، وهو جبل بأعلى مكة على ثلاثة أميال منها، عن يسار المار إلى منى، له قلة (أعلى الجبل) مشرفة على الكعبة منحنية، والغار في تلك الحنية وما أحسن ما قال رؤبة بن العجاج:
فلا ورب الآمنات القطن .... ورب ركن من حراء منحنى
اختلف العلماء في تعبده عليه الصلاة والسلام قبل البعثة: هل كان على شرع، أم لا؟ وما ذاك الشرع؟ فقيل: شرع نوحز وقيل: شرع إبراهيم - وهو الأشبه الأقوى - وقيل: موسى. وقيل عيسى. وقيل: كل ما ثبت أنه شرع عنده اتبعه وعمل به.
عندما نزل الوحي على نبينا الكريم
عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين؟ فقالك (ذاك يوم ولدت فيه، ويوم أنزل علي فيه) وقال ابن عباس: ولد نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، ونبئ يوم الإثنين. وهكذا قال عبيد ابن عمير وأبو جعفر الباقر وغير واحد من العلماء: أنه عليه الصلاة والسلام أوحى إليه يوم الإثنين، وهذا مالا خلاف فيه بينهم. قال ابن إسحاق مستدلاً على ما قال الله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) (البقرة 185). فقيل: في عشرة.
وروى الواقدي عن أبي جعفر الباقر أنه قال: كان ابتداء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان وقيل: في الرابع والعشرين منه. قال الإمام أحمد: عن واثلة بن الأسقع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان).
أما قول جبريل (إقرأ) فقال: (ما أنا بقارئ) فالصحيح أن قوله (ما أنا بقارئ) نفي، أي لست ممن يحسن القراءة، وممن رجحه النووي، وقبله الشيخ أبو شامة. ومن قالك أنها استفهامية، فقوله بعيد، لأن الباء لا تزاد في الإثبات. ويؤيد الأول رواية أبي نعيم فمن حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خائف يرعد: (ما قرأت كتاباً قط، ولا أحسنه، وما أكتب وما أقرأ) فأخذه جبريل، فغته غتاً شديداً، ثم تركه فقال له: إقرأ فقال محمد صلى الله عليه وسلم (ما أرى شيئاً أقرأه، وما أقرأ وما أكتب) يروي: (فغطني) كما في الصحيحين: (وغتني) ويروي: (قد غتني) أي خنقني) حتى بلغ مني الجهد) يروي بضم الجيم وفتحها، وفعل به ذلك ثلاثاً.
قال أبو سليمان الخطابيك وإنما فعل ذلك به لاحتمال ما كلفه به من أعباء النبوة. ولذلك كان يعتريه مثل خال المحموم، وتأخذه الرحضاء: أي البهر والعرق. وقال غيره: إنما فعل ذلك لأمور: منها: أن يستيقظ لعظمة ما يلقى إلأيه بعد هذا الصنيع المشق على النفوس، كما قال تعالى: (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) (المزمل 5). ولهذا كان عليه الصلاة والسلام إذا جاءه الوحي يحمر وجهه ويتفصد جبينه عرقاً في اليوم الشديد البرد.
وقوله: فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة يرجف فؤاده. وفي رواية: بوادره. جمع بادرة، قال أبو عبيدة: وهي لحمة بين المنكب والعنق. وقال غيره: هو عروق تضطرب عند الفرع. وفي بعض الروايات: ترجف بآدله، واحدتها بادلة، وقيل بادل، وهو ما بين العنق والترقوة. وقيل: أصل الثدي. وقيل: لحم الثديين. وقيل: غير ذلك.
فقال: (زملوني زملوني) فلما ذهب عنه الروع، قال لخديجة: (مالي؟ أني شيء عرض لي؟) وأخبرها ما كان من الأمر، ثم قال صلى الله عليه وسلم (لقد خشيت على نفسي) وذلك لأنه شاهد أمراً لم يعهده قبل ذلك، ولا كان في خلده ولهذا قالت خديجة أبشر كلا والله لا يخزيك الله أبداً. قيل من الخزي وقيل: من الحزن. وهذا لعلمها بما أجرى الله به جميل العوائد في خلقه، أن من كان متصفاً بصفات الخير لا يخزى في الدنيا ولا في الآخرة. ثم ذكرت له من صفاته الجليلة ما كان من سجاياه الحسنة، فقالت: إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث - وقد كان مشهوراً ذلك صلوات الله وسلاه عليه عند الموافق والمفارق - وتحمل الكل (أي: عن غيرك) نعطي صاحب العيلة ما يريحه من ثقل مؤونة عياله، وتكسب المعدوم (أي تسبق إلى فعل الخير، فتبادر إلى إعطاء الفقير، فتكسب حسنته قبل غيرك) ويسمى الفقير معدوماً لن حياته ناقصة، فوجوده وعدمه سواء كما قال بعضهم.
ورقة بن نوفل رضي الله عنه
قال الإمام أحمد: حدثنا حسن عن ابن لهيعة حدثني أبو الأسود عن عروة عن عائشة: أن خديجة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ورقة بن نوفل؟ فقال: (قد رأيته، فرأيت عليه ثياب بياض، فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بياض) عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة بن نوفل؟ فقال: (قد رأيته، فرأيت عليه ثياب بياض، أبصرته في بطنان (وسط) الجنة وعليه السندس). وسئل عن زيد بن عمرو بن نفيل؟ فقال: (يبعث يوم القيامة أمة وحده).
وسئل عن خديجة - لأنها ماتت قبل الفرائض وأحكام القرآن - فقال: (أبصرتها على نهر في الجنة، في بيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب) عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا ورقة، فإني رأيت له جنة أو جنتين) ..
ما كان من أمر الجن والشياطين
قال تعالى: (وما تنزلت به الشياطين، وما ينبغي لهم وما يستطيعون، إنهم عن السمع لمعزولون) (الشعراء 210 212). عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا حفظوا الكلمة زادوا فيها تسعاً، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوا فتكون باطلاً، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم نعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبليس: هذا لأمر قد حدث في الارض، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي بين جبلين، فاتوه فأخبروه، فقال: هذا الأمر الذي قد حدث في الارض. وقال أبو عوانة عن ابي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قالك انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليه الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: مالكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب!
فقالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الارض ومغاربها. فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخل عامين إلى سوق كعاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الصبح، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا إلى قومهم فقالوا: (إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) (الجن 1-2).
فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) (الجن 1).
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: إنه لم تكن قبيلة من الجن إلا ولهم مقاعد للسمع، فإذا نزل قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟ فإن كان مما يكون في السماء قالوا الحق وهو العلي الكبير، وإن كان مما يكون في الأرض من أمر الغيب أو موت أو شيء مما يكون في الارض، تكلموا به فقالوا: يكون كذا وكذا، فتسمعه الشياطين فينزلونه على أوليائهم، فلما بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم دحروا النجوم فكان أول من علم بها ثقيف، فكان ذو الغنم منهم ينطلق إلى غنمه فيذبح كل يوم شاة، وذا الإبل ينحر كل يوم بعيراً، فأسرع الناس في أموالهم، فقال بعضهم لبعض: لا تفعلوان فإن كانت النجوم التي يهتدون بها، وإلا فإنه لأمر حدث، فنظروا فإذا النجوم التي يهتدي بها كما هي لم يزل منها شيء، فكفوا وصرف الله الجن، فسمعوا القرآن، فلما حضروه قالوا: أنصتوا. وانطلق الشياطين إلى إبليس فأخبروهن فقال: هذا حدث الارض، فأتوني من كل أرض بتربة، فأتوه بتربة تهامة، فقال: هنا الحدث.
نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم
(إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلا)
عن عائشة رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يأتيك الوحي؟ فقال: (أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس - وهو أشده علي - فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً يكلمني فأعي ما يقول).
قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وأن جبينه ليتفصد عرقاً.
عن عبادة بن الصامت، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كربه ذلك وتربد (تعبس) وجهه - وفي رواية وغمض عينيه - وكنا نعرف ذلك منه.
وفي الصحيحين مة حديث زيد بن ثابت حين نزلت (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) (النساء 95) فلما اشتكى ابن أم مكتوم ضرارته نزلت: (غير أولي الضرر) قال: وكانت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي وأنا اكتب، فلما نزل الوحي كادت فخذه ترض (تكسر) فخذي.
وفي صحيح مسلم من حديث همام بن يحيى عن عطاء عن يعلى بن أمية، قال: قال لي عمر: أيسرك أن تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه؟ فرفع طرف الثوب عن وجهه وهو يوحى إليه بالجعرانة، فإذا هو محمر الوجه، وهو يغط (النخير) كما يغط البكر.
وثبت في الصحيحين من حديث عائشة: لما نزل الحجاب وأن سودة خرجت بعد ذلك إلى المناصع ليلاً، فقال عمر: قد عرفناك يا سودة، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته وهو جالس يتعشى والعرق في يده، فأوحى الله إليه والعرق في يده، ثم رفع رأسه فقال (إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن) فدل هذا على أنه لم يكن الوحي يغيب عنه إحساسه بالكلية، بدليل أنه جالس ولم يسقط العرق أيضاً من يده، صلوات الله وسلامه دائماً عليه.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا عباد بن منصور حدثنا عكرمة عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي تربد لذلك جسده ووجهه، وأمسك عن أصحابه، ولم يكلمه أحد منهم.
وفي مسند أحمد وغيره من حديث ابن لهيعة حدثني يزيد بن ابي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبدالله ابن عمرو: قلت: يا رسول الله، هل تحس بالوحي؟ قال: نعم، أسمع صلاصل، ثم أثبت عند ذلك، وما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تفيض (تموت) منه).
وقال أبو يعلى الموصلي: حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا عبدالواحد بن زياد حدثنا عاصم بن كليب حدثنا أبي عن خاله العليان بن عاصم، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه، وكان إذا انزل عليه دام بصره وعيناه مفتوحة، وفرغ سمعه وقبله لما يأتيه من الله عزوجل.
عن أسماء بنت يزيد، قال: إني لآخذة بزمام العضباء - ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذ نزلت عليه المائدة كلها، وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة.
قال الإمام أحمد عن عبدالله بن عمرو، قال : أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله، فنزل عنها.
وروى ابن مردويه من حديث صباح بن سهل عن عاصم الأحول: حدثتني أم عمرو عن عمها: أنه كان في مسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت عليه سورة المائدة، فاندق عنق الاحلة من ثقلها.
ثم قد ثبت في الصحيحين نزول سورة الفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مرجعه من الحديبية، وهو على راحلته، فكان يكون تارة وتارة، بحسب الحال، والله أعلم.
كان عليه الصلاة والسلام من شدة حرصه على أخذه من الملك ما يوحى إليه عن الله عز وجل ليساوقه في التلاوة فأمره الله تعالى أن ينصت لذلك حتى يفرغ من الوحي، وتكفل له أن يجمعه في صدره، وأن ييسر عليه تلاوته وتبليغه، وأن يبينه له، ويفسره ويوضحه ويوقفه على المراد منه.
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك شفتيه، فأنزل الله (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه) قال: جمعه في صدرك، ثم تقرأه (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) فاستمع له وأنصت (ثم إن علينا بيانه) قال: فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه، كما وعده الله عزوجل.
قال ابن إسحاق: ثم تتابع الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصدق بما جاءه منه، قد قبله بقبوله، وتحمل منه ما حمله - على رضا العباد وسخطهم - وللنبوة أثقال ومؤونة لا يحملها ولا يستضلع (يتحملها) بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل، بعون الله وتوفيقه، لما يلقون من الناس، وما يرد عليهم مما جاءوا به عن الله عزوجل فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أمر الله، على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى.
التوقيع  mohamed motrash
mohamed motrash غير متواجد حالياً  
قديم 21-03-2007, 09:09 PM  
  مشاركة [ 2 ]
الصورة الرمزية mohamed motrash
mohamed motrash mohamed motrash غير متواجد حالياً
مساعد طيار
 
تاريخ التسجيل: 21 - 03 - 2007
العمر: 55
المشاركات: 137
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 217
mohamed motrash مازال في بداية الطريق
mohamed motrash mohamed motrash غير متواجد حالياً
مساعد طيار


الصورة الرمزية mohamed motrash

مشاهدة ملفه الشخصي
تاريخ التسجيل: 21 - 03 - 2007
العمر: 55
المشاركات: 137
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 217
mohamed motrash مازال في بداية الطريق
افتراضي رد: موسوعه الرسول صلي الله عليه وسلم

خديجة رضي الله عنها .. نعم الزوجة المؤمنة الصالحة
أول ما فرضت الصلاة
قال ابن إسحاق: وآمنت خديجة بنت خويلد، وصدقت بما جاءه من الله، وازرته على أمره، وكانت أول من آمن بالله ورسوله وصدقت بما جاء منهن فخفف الله بذلك على رسوله، لا يسمع شيئاً يكرهه من رد عليه، وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عنه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس، رضي الله عنها وأرضاها.
قال ابن إسحاق: وحدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عبدالله بن جعفر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب). قال ابن هشام: القصب هنا اللؤلؤ المجوف.
قال إبن إسحاق: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر جميع ما أنعم الله به عليه وعلى العباد من النبوة سراً إلى من يطمئن إليه من أهله.
وقال موسى بن عقبة عن الزهريك كانت خديجة أول من آمن بالله، وصدق رسوله، قبل أن تفرض الصلاة.
يعني الصلوات الخمس ليلة الإسراء، فأما الصلاة فقد وجب في حياة خديجة رضي الله عنها.
وقال ابن إسحاق: وكانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بما جاء به. ثم إن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افترضت عليه الصلاة، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت له عين من ماء زمزم، فتوضأ جبريل ومحمد عليهما السلام، ثم صلى ركعتين، وسجد أربع سجدات، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم وقد أقر الله عينه، وطابت نفسه، وجاءه ما يحب من الله، فأخذ يد خديجة حتى أتى بها إلى العين، فتوضأ كما توضأ جبريل، ثم ركع ركعتين وأربع سجدات، ثم كان هو وخديجة يصليان سراً.
صلاة جبريل هذه غير الصلاة التي صلاها به عند البيت مرتين، فبين له أوقات الصلوات الخمس، أولها وآخرها، فإن ذلك كان بعد فرضيتها ليلة الإسراء.
وأنذر عشيرتك الأقربين
قال تعالى: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) (القصص85) .. أي إن الذي فرض عليك وأوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إلى دار الآخرة - وهي المعاد - فيسألك عن ذلك.
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: لما أنزل الله: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (الشعراء 114) .. أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه، ثم نادى: (يا صباحاه) فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا بني عبدالمطلب يا بني فهر، يا بني كعب، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم! قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد) فقال أبو لهب - لعنه الله - تباً لك سائر اليوم! أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله عزوجل: (تبت يدا أبي لهب وتب) (المسد 1).
عن ابي هريرة. قال: لما نزلت هذه الآية: (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فعم وخص .. فقال: (يا معشر قريش، أنقذوا أنفسكم من النار، فجاءني .. يا فاطمة بنت محمد، أنقذي نفسك من النار. فإني والله لا أملك لكم من الله شيئاً، ألا إن لكم رحماً سأبلها ببلائها) عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأنذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره، فصمت، فجاءني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك بالنار) قال: فدعاني فقال: (يا علي، إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من طعام، وأعد لنا عس (قدح كبير) لبن، ثم اجمع لي بني عبدالمطلب) ففعلت، فاجتمعوا له يومئذ وهم أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصون، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة والعباس، وأبو لهب - الكافر الخبيث - فقدمت إليهم الجفنة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حذية فشقها بأسنانها، ثم رمى بها في نواحيها، وقال (كلوا باسم الله) فأكل القوم حتى نهلوا عنه، ما نرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استقم يا علي) فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم، بدره أبو لهب - لعنه الله - فقال: لهد ما سحركم صاحبكم! فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان الغد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عد لنا مثل الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب، فإن هذا الرجل قد بدر إلى ما سمعت قبل أن أكلم القوم) ففعلت، ثم جمعتهم له، وصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نهلوا عنه، وأيم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسقهم يا علي) فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بني عبدالمطلبن إني والله ما اعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتم به، إني قد جئتكم بامر الدنيا والآخرة).
الرسول يدعوا أهل مكة
فيلقى صدودهم فيحميه عمه أبو طالب
واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله تعالى ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا يرده عن ذلك راد ولا يصده عن ذلك صاد، يتبع الناس في أنديتهم، ومجامعهمن ومحافلهم، وفي المواسم، ومواقف الحج، يدعو من لقيه من حر وعبد، وضعيف وقوي وغني وفقير، جميع الخلق في ذلك عنده شرع سواء وتسلط عليه وعلى من اتبعه من آحاد الناس من ضعفائهم الأشداء الأقوياء من مشركي قريش بالأذية القولية والفعلية، وكان أشد الناس عليه عمه أبو لهب- واسمه عبدالعزى بن عبدالمطلب - وامرأته أم جميل - أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان - وعن ربيعة الديلين قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي المجاز (سوق) يتبع الناس في منازلهم، يدعوهم إلى الله، ووراءه رجل أحول تقد وجنتاه وهو يقول: أيها الناس، لا يغرنكم هذا عن دينكم ودين آبائكم قلت: من هذا؟ قيل: هذا أبو لهب.
عن طلحة بن يحيى عن عبدالله بن موسى بن طلحة أخبرني عقيل بن أبي طالب، قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا، فقال: يا عقيل، انطلق فأتني بمحمد.
فانطلقت إليه فاستخرجته من بيت صغير، فجاء به في الظهيرة في شدة الحر، فلما أتاهم قال: إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء، فقال: (ترون هذه الشمس؟) قالوا: نعم! قالك (فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشتعلوا منه بشعلة) فقال أبو طالب: والله ما كذب ابن أخي قط، فارجعوا.
عن ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، أنه حدث أن قريشاً حين قالت لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يابن أخي، إن قومك قد جاءوني وقالوا: كذا وكذا، فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر مالا أطيق أنا ولا أنت، فكفف عن قومك ما يكرهون من قولك .. فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد بدا لعمه فيه، وانا خاذله ومسلمه، وضعف عن القيام معهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ياعم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه) ثم استعبر (جرى دمعه) رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، فلما ولى قال له حين رأى ما بلغ الأمر برسول الله صلى الله عليه وسلم: يابن أخي، فأقبل عليه، فقال: امض على أمرك وافعل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء ابداً.
قال ابن إسحاق: ثم قال أبو طالب في ذلك:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ..... حتى أوسد في التراب دفينا
فامضي لأمرك ما عليك غضاضة ..... أبشر وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك ناصحي ..... فلقد صدقت وكنت قدم أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه ..... من خير أديان البرية دينا قال البيهقي: وذكر ابن إسحاق لأبي طالب في ذلك إشعاراً، وفي ذلك دلالة على أن الله تعالى عصمه بعمه مع خلافه إياه في دينه، وقد كان يعصمه حيث لا يكون عمه بما شاء، لا معقب لحكمته.
وقال يونس بن كبير: حدثني محمد بن إسحاق حدثني رجل من أهل مصر قديماً منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس، في قصة طويلة جرت بين مشركي مكة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام رسول الله قال أبو جهل بن هشام: يا معشر قريش، إن محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم أبائنا وتسفيه أحلامنا وسب آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلس له غذاً بحجر، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم.
فلما أصبح ابو جهل - لعنه الله - أخذ حجراً ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو وكان قبلته الشام (سوريا - الأردن - فلسطين - لبنان)، فكان إذا صلى صلى بين الركنين الأسود واليماني، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منبهتاً ممتقعاً لونه مرعوباً قد يبست يده على حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقام إليه رجال من قريش، فقالوا له: ما بك يا أبا الحكم؟ فقال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل، والله ما رأيت مثل هامته، ولا قصرته (القصرة: أصل العنق) ولا أنيابه، لفحل قط، فهم أن يأكلني !!
قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ذلك جبريل، ولو دنا منه لأخذه).
عن أبان بن صالح عن علي بن عبدالله بن عباس عن أبيه عن عباس بن عبدالمطلبن قال: كنت يوماً في المسجد، فأقبل أبو جهل - لعنه الله- فقال: إن لله علي إن رأيت محمداً ساجداً أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضباناً حتى جاء المسجد، فعجل أن يدخل من الباب فاقتحم الحائط، فقلت: هذا يوم شر، فأتزرت ثم اتبعته، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق) (العلق 1-2). فلما بلغ شأن أبي جهل: (كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى) (العلق 6-7). فقال إنسان لأبي جهل: يا ابا الحكم هذا محمد؟ فقال أبو جهل: ألا ترون ما أرى؟ والله لقد سد أفق السماء علي.
عن سعيد بن وهب عن خباب. قال: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم شدة الرمضاء، فما أشاكنا - يعني في الصلاة، وقال ابن جعفر: فلم يشكنا. وقال أيضاً. حدثنا سليمان بن داود حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت سعيد بن وهب يقول سمعت خباباً يقول: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرمضاء فلم يشكنا. قال شعبة: يعني في الظهيرة ورواه مسلم والنسائي والبيهقي من حديث أبي إسحاق البيعي عن سعيد بن وهب عن خباب، قالك شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء - زاد البيهقي: في وجوهنا وأكفنا - فلم يشكنا وفي رواية: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة في الرمضاء فلم يشكنا ورورى ابن ماجة عن علي بن محمد الطنافسي عن وكيع عن الأعمش عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب العبدي عن خباب، قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء، لم يشكنا. وهو أنهم شكو إليه صلى الله عليه وسلم ما يلقون من المشركين من التعذيب بحر الرمضاء، وأنهم يسحبونهم على وجوههم فيتقون بأكفهم، وغير ذلك من أنواع العذاب وسألوا منه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم على المشركين أو يستنصر عليهم، فوعدهم ذلك ولم ينجزه لهم في الحالة الراهنة، وأخبرهم عمن كان قبلهم أنهم يلقون من العذاب ما هو أشد مما أصابهم ولا يصرفهم ذلك عن دينهم، ويبشرهم أن الله سيتم هذا الأمر ويظهره ويعلنه، وينشره وينصره في الأقاليم والآفاق، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله عزوجل والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون .. ولهذا قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في وجوهنا وأكفنا، فلم يشكنا - أي لم يدع لنا في الساعة الراهنة.
وفاة أبو طالب واشتداد أذى قريش
قال ابن إسحاق: فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن نالته منه في حياة عمه أبي طالب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصرة والمنعة بهم من قومه، ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله تعالى، فخرج إليهم وحده.
عن محمد بن كعب القرظي قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وعمد إلى نفر من ثقيف هم سادة ثقيف وأشرافهم وهم أخوة ثلاثة: عبدياليل، ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف .. وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وكلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال أحدهم: هو يمرط (يسقط) ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك.
وقال الآخر: أما وجد الله أحداً أرسله غيرك؟
وقال الثالث: والله لا أكلمك أبداً لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام ولأئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم إن فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم (يجرئهم) ذلك عليه فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس والجأوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه، ورجع عنه سفهاء ثقيف من كان يتبعه فعمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - المرأة التي من بني جمح، فقال لها: ماذا لقينا من احمائك. فلما اطمأن قال - فيما ذكر - (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتهجمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك) .. قال: فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة وما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له: عداس وقالا له: خذ قطفاً من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه .. ففعل عداس ثم ذهب به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له: كل ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فيه قال: (بسم الله) ثم أكل، ثم نظر عداس في وجهه ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل أي بلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟ قال: نصراني وأنا رجل من أهل نينوى (إحدى محافظات العراق) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى.
فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك أخي كان نبياً وأنا نبي .. فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه. قال: يقول أبناء ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاء عداس قالا له: ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟
قال: يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي قالا له: ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه.
وقد ذكر موسى بن عقبة نحواً من هذا السياق إلا أنه لم يذكر الدعاء وزاد وقعد له أهل الطائف صفين على طريقه، فلما مر جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموه فخلص منهم وهما يسيلان الدماء فعمد إلى ظل نخلة وهو مكروب وفي ذلك الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعه، فكره مكانهما لعداوتهما الله ورسوله. عند موت أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان ناصراً له وقائماً في صفه ومدافعاً عنه بكل ما يقدر عليه من نفس ومال ومقال وفعال ، اجترأ سفهاء قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونالوا منه مالم يكونوا يصلون إليه ولا يقدرون عليه.
عن عروة بن الزبير عن عبدالله بن جعفر قال: لما مات أبو طالب عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم سفيه من سفهاء قريش فألقى عليه تراباً، فرجع إلى بيته فأتت امرأة من بناته تمسح عن وجهه التراب وتبكي، فجعل يقول: (أي بنية لا تبكين فإن الله مانع أباك) ويقول ما بين ذلك: (ما نالت قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب ثم شرعوا) عن هشام بن عروة عن ابيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما زالت قريش كاعين (كاع عن الشيء: هابه وجبن عنه) حتى مات أبو طالب).
عن ثعلبة بن صعير وحكيم بن حزام أنهما قالا: لما توفي أبو طالب وخديجة - وكان بينهما خمسة أيام - اجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبتان ولزم بيته وأقل الخروج، ونالت منه قريش مالم تكن تنال ولا تطمع فيه، فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال: يا محمد تمض لما أردت وما كنت صانعاً لإذ كان أبو طالب حياً فاصنعه، لا واللات لا يوصل إليك حتى أموت وسب ابن الغيطة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل إليه أبو لهب فنال منه، فولى يصيح يا معشر قريش صبأ أبو عتبة، فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبي لهب فقال: ما فارقت دين عبدالمطلب ولكني أمنع ابن أخي أن يضام حتى يمضي لما يريد.
فقالوا: لقد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم.
فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أياماً يأتي ويذهب لا يعرض له أحد من قريش، وهابوا أبا لهب إذ جاء عقبة بن أبي معيط وأبو جهل إلى أبي لهب فقالا له: أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟ فقال له أبو لهب: يا محمد أين مدخل عبدالمطلب؟ قال: مع قومه. فخرج إليهما فقال: قد سألته فقال: (مع قومه). فقالا: يزعم أنه في النار.
فقال: يا محمد أيدخل عبدالمطلب النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن مات على ما مات عليه عبدالمطلب دخل النار) فقال أبو لهب - لعنه الله - والله لا برحت لك إلا عدواً أبداً وأنت تزعم أن عبدالمطلب في النار.. واشتد عند ذلك أبو لهب وسائر قريش عليه.
قال ابن إسحاق: وكان النفر الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته: أبو لهب، والحكم بن أبي العاص بن امية، وعقبة بن معيط، وعدي بن الحمراء، وابن الأصداد الهزلي. وكانوا جيرانه لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص. وكان أحدهم - فيما ذكر لي - يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلي، وكان أحدهم يطرحها في برمته (القدر من الحجارة) إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجراً يستتر به منهم إذا صلى، فكان إذا طرحوا شيئاً من ذلك يحمله على عود ثم يقف به على بابه ثم يقول: يا بني عبد مناف أي جوار هذا؟ ثم يلقيه في الطريق.
وأن غالب ما روي مما تقدم من طرحهم سلا الجزور بين كتفيه وهو يصلي كما رواه ابن مسعود وفيه: أن فاطمة جاءت فطرحته عنه وأقبلت عليهم فشتمتهم، ثم لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على سبعة منهم وكذلك ما أخبر به عبدالله بن عمرو بن العاص نت خنقهم له عليه السلام خنقاً شديداً حتى حال دونه أبو بكر الصديق قائلاً: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، وكذلك عزم أبي جهل - لعنه الله - على أن يطأ على عنقه وهو يصلي فحيل بينه وبين ذلك. وما أشبه ذلك كان بعد وفاة أبي طالب والله أعلم.
وفاة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
عن الزهري أنه قال: توفيت خديجة بمكة قبل خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقبل أن تفرض الصلاة.
وقال محمد بن إسحاق: ماتت خديجة وأبو طالب في عام واحد.
عن ابي هريرة. قال: أتى جبرائيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه غدام - أو طعام أو شراب - فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
لأنها حازت قصب السبق إلى الإيمان. لا صخب فيه ولا نصب لأنها لم ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم ولم تتعبه يوماً من الدهر فلم تصخب عليه يوماً ولا أذته أبداً.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما غرت على امراة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وماتت قبل ان يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن. لفظ البخاري، وفي لفظ عن عائشة: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وتزوجني بعدها بثلاث سنين، وأمره ربه - أو جبرائيل - أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب.
وفي لفظ له قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها ولكن كان يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة فيقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة. فربما قلتك كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: (إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد) .
عن عائشة قال: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع فقال: (اللهم هالة) فغرت فقلت: ما تذكر عن عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين ماتت في الدهر أبدلك الله خيراً منها. قال: (ما ابدلني الله خيراً منها، وقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني، وآستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء) - كان قبل أن يولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية. وقبل مقدمها بالكلية وهذا معين فإن جميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم - كما تقدم وكما سيأتي - من خديجة إلا إبراهيم فمن مارية القبطية المصرية رضي الله عنها.
عن عبدالله بن جعفر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد) أخير زمانهما. وروى شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قرة بن إياس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا ثلاث مريم بنت عمران، وآسيا امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).
والقدر المشترك بين الثلاثة نسوة - آسية ومريم وخديجة - أن كلاً منهن كفلت نبياً مرسلاً وأحسنت الصحبة في كفالتها وصدقته. فآسية ربت موسى وأحسنت إليه وصدقته حين بعث، ومريم كفلت ولدها أتم كفالة وأعظمها وصدقته حين أرسل وخديجة رغبت في تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وبذلك في ذلك أموالها - كما تقدم - وصدقته حين نزل الوحي من الله عزوجل.
ويحمل قوله: (وفضل عائشة على النساء) أن يكون محفوظاً فيعم المذكورات وغيرهن، ويحتمل أن يكون عاماً فيما عداهن ويبقى الكلام فيها وفيهن موقوفاً يحتمل التسوية بينهن فيحتاج من رجح واحدة منهن على غيرها إلى دليل والله أعلم.
عندما انشق القمر
جعل الله آية على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الهدي ودين الحق حيث كان ذلك وقت إشارته الكريمة حيث قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر) (الفجر 1-3) وقد أجمع المسلمون على وقوع ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
عن قتادة عن أنس: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فاراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما.
عن ابن عباس في قوله: (اقتربت الساعة وانشق القمر) قال ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وابو جهل بن هشام والعاص بن وائل والعاص بن هشام والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والنضر بن الحارث ونظراؤهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم (إن كنت صادقاً فشق لنا القمر فرقتين نصفاً على ابي قبيس ونصفاً على قعيقعان. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم (عن فعلت تؤمنوا؟!) قالوا: نعم! وكانت ليلة بدر. فسأل الله عزوجل أن يعطيه ما سالوا، فأمسى القمر قد سلب نصفاً على أبي قبيس ونصفاً على قعيقعان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: يا أبا سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن الأرقم اشهدوا.
عن ابن عباس قال: انتهى أهل مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل من آية نعرف بها أنك رسول فهبط جبرائيل فقال: يا محمد قل لأهل مكة أن يحتفلوا هذه الليلة فسيروا آية إن انتفعوا بها فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالة جبرائيل فخرجوالليلة الشق ليلة أربع عشرة فانشق نصفين نصفاً على الصفا ونصفاً على المروة فنظروا .. فقالوا: يا محمد ما هذا إلا سحر واهب.
فأنزل الله (اقتربت الساعة وانشق القمر) ثم روى الضحاك عن ابن عباس قال: جاءت أحبار اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أرنا آية حتى نؤمن بها، فسال ربه فأراهم القمر قد انشق جزءين أحدهما على الصفا والآخر عل المروة، قدر ما بين العصر إلى الليل ينظرون إليه ثم غاب فقالوا هذا سحر مفترى.
عن مسروق عن عبدالله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: هذا سحر ابن ابي كبشة فقالواك انظروا ما يأتيكم به السفار؟ فغن محمداً لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم. قال: فجاء السفار فقالوا ذلك. عن مسروق عن عبدالله قال: اشق القمر بمكة حتى صار فرقتين فقال كفار قريش لأهل مكة: هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة، انظروا السفار فإن كانوا رأوا ما رايتم فقد صدق وإن لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به. قالك فسئل السفار. قال - وقدموا من كل وجهة - فقالوا: رأينا.
قال الإمام أحمد: حدثنا مؤمل حدثنا إسرائيل عن سماك عن إبراهيم عن الأسود عن عبدالله - وهو ابن مسعود - قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رايت الجبل بين فرجتي القمر.
عن زيد بن وهب عن عبدالله بن مسعود قال: رايت القمر والله منشقاً باثنتين بينهما حراء.
وروى ابو نعيم من طريق السدي الصغير عن ال---ي عن ابي صالح عن ابن عباس قال: انشق القمر فلقتين: فلقة ذهبت وفلقة بقيت.
قال ابن مسعود: لقد رايت جبل حراء بين فلقتي القمر، فذهب فلقة فتعجب أهل مكة من ذلك وقالوا هذا سحر مصنوع سيذهب.
وقال ليث بن ابي سليم: عن مجاهد قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: (فاشهد يا ابا بكر) وقال المشركون: سحر القمر حتى انشق.
ليلة الإسراء والمعراج
اختلف العلماء في أن الإسراء والمعراج هل كانا في ليلة واحدة؟ أو كل في ليلة على حدة؟ فمنهم من يزعم أن الإسراء في اليقظة، والمعراج في المنام. وقد حكى المهلب بن أبي صفرة في شرحه البخاري عن طائفة: أنهم ذهبوا إلى أن الإسراء مرتين: مرة بروحه مناماً، ومرة ببدنه وروحه يقظة.
وقد حكاه الحافظ أبو القاسم السهيلي عن شيخه أبي بكر بن العربي الفقيه .. قال السهيلي: وهذا القول يجمع الأحاديث فإن في حديث شريك عن أنس وذلك فيما يرى قلبه وتنام عيناه ولا ينام قلبهن وقال في آخره: ثم استيقظت فإذا أنا في الحجر وهذا منام. ودل غيره على اليقظة.
ومنهم من يدعى تعدد الإسراء في اليقظة أيضاً حتى قال بعضهم: أنها أربعة إسراءات.
عن أنس بن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسرى به قال: بينما أنا في الحطيم - وربما قال: في الحجر مضجعاً إذ أتاني آت) فقال: وسمعته يقول: (فشق ما بين هذه إلى هذه) (فاستخرج قلبي) ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيماناً فغسل قلبي ثم حشى ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض) فقال الجارود: وهو البراق يا أبا حمزة؟ قال: أنس: نعم!: (يضع خطوة عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتي السماء الدنيا فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه. قال: نعم! قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه. فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحباً بالإبن الصالح والنبي الصالح .. ثم صعد إلى السماء الثانية فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح. فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت عليهما فردا ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح جبرائيل قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح. فلما خلصت إذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا إدريس قال: هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا هارون قال: هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا موسى قال: هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزت بكى فقيل له ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر من ما يدخلها من أمتى. ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبرائيل قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا إبراهيم قالك هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام ثم قالك مرحباً بالإبن الصالح والنبي الصالح.
ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: ما هذا يا جبرائيل؟ قال: أما الباطنان: فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع لي البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من عسل، فأخذت اللبن قال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك. ثم فرض علي الصلوات خمسون صلاة كل يوم فرجعت فمررت على موسى فقال: بم أمرت قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك. فرجعت فوضع عني عشراً فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشراً فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشراً فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ فقلت بخمس صلوات كل يوم.
قال إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك. قال: سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضي وأسلم قال: فلما جاوزت ناداني مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي.
قال البخاري: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، والشجرة الملعونة في القرآن قال: هي شجرة الزقوم.
لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من صبيحة ليلة الإسراء جاءه جبرائيل عند الزوال فبين له كيفية الصلاة وأوقاتها، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فاجتمعوا وصلى به جبرائيل في ذلك اليوم إلى الغد والمسلمون يأتمون بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقتدي بجبرائيل.
كما جاء في الحديث عن ابن عباس وجابر (أمني جبرائيل عند البيت مرتين) فبين له الوقتين الأول والآخر، فهما وما بينهما الوقت الموسع ولم يذكر توسعة في وقت المغرب وقد ثبت ذلك في حديث أبي موسى وبريدة وعبدالله بن عمرو وكلها في صحيح مسلم. فأما ما ثبت في صحيح البخاري عن معمر عن عمرو وكلها في صحيح مسلم. فأما ما ثبت في صحيح البخاري عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر . وكذا رواه الأوزاعي عن الزهري ورواه الشعبي عن مسروق عنها. وهذا من جهة أن عائشة كانت تتم الصلاة في السفر، وكذا عثمان بن عفان. وقد قال تعالى (وإذا ضربتم الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) قال البيهقي: وقد ذهب الحسن البصري إلى صلاة الحضر أول ما فرضت أربعاً كما ذكره مرسلاً من صلاته عليه السلام صبيحة الإسراء الظهر أربعاً، والعصر أربعاً والمغرب ثلاثاً يجهر في الأوليين، والعشاء أربعاً يجهر في الأوليين والصبح ركعتين يجهر فيهما.
فلعل عائشة أرادن أن الصلاة كانت قبل الإسراء تكون ركعتين ركعتين ثم فرضت الخمس حضراً على ما هي عليه، ورخص في السفر أن يصلي ركعتين كما كان الأمر عليه قديماً.
ومن هنا نرى أنه فرض الله سبحانه وتعالى على عبده محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته الصلوات ليلتئذ خمسين صلاة في كل يوم ولية، ثم لم يزل يختلف (يتردد) بين موسى وبين ربه عزوجل حتى وضعها الرب جل جلاله وله الحمد والمنة خمساً وقال: هي خمس وهي خمسون ، الحسنة بعشر أمثالها، فحصل له التكليم من الرب عز وجل ليلتئذ، وأئمة السنة كالمطبقين على هذا. واختلفوا في الرؤية: فقال بعضهم رآه بفؤاده مرتين، قاله ابن عباس وطائفة، وأطلق ابن عباس وغيره الرؤية وهو محمول على التقييد.
وممن أطلق الرؤية أبو هريرة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما ، وصرح بعضهم بالرؤية بالعينين واختاره ابن جرير وبالغ فيه وتبعه على ذلك آخرون من المتأخرين. وممن نص على الرؤية بعيني رأسه الشيخ أبو الحسن الأشعري فيما نقله السهيلي عنه، واختاره الشيخ أبو زكريا النووي في فتاويه.
وقالت طائفة: لم يقع ذلك لحديث أبي ذر في صحيح مسلم: قلت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: (نوراني آراه) وفي رواية (رأيت نوراً). قالوا: ولم يكن رؤيةالباقي بالعين الفانية ولهذا قال الله تعالى لموسى فيما روي في بعض الكتب الإلهية: يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده. والخلاف في هذه المسأله مشهور بين السلف والخلف والله أعلم.
ثم هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس والظاهر أن الأنبياء هبطوا معه تكريماً له وتعظيماً عند رجوعه من الحضرة الإلهية العظيمة، كما هي عادة الوافدين لا يجتمعون بأحد قبل الذي طلبوا إليه، ولهذا كان كلما مر علي واحد منهم يقول له جبريل - عندما يتقدم ذلك للسلام عليه - هذا فلان فسلم عليه، فلو كان قد اجتمع بهم قبل صعوده لما احتاج إلى التعرف بهم مرة ثانية. ومما يدل على ذلك أنه قال: (فلما حانت الصلاة أممتهم) ولم يحن وقت إذ ذاك إلا صلاة الفجر فتقدم إماماً بهم عن أمر جبريل فيما يرويه عن ربه عزوجل، فاستفاد بعضهم من هذا أن الإمام الأعظم يقدم الإمامة على رب المنزل حيث كان بيت المقدس محلتهم ودار إقامتهم، ثم خرج منه فركب البراق وعاد إلى مكة فأصبح بها وهو غاية الثبات والسكينة والوقار. وقد كاين في تلك الليلة من الآيات والأمور التي لو رآها - أو بعضها - غيره لأصبح مندهشاً أو طائش العقل، ولكنه صلى الله عليه وسلم أصبح واجماً - أي ساكناً - يخشى إن بدأ فأخبر قومه بما رأى أن يبادروا إلى تكذيبه، فتلطف بإخبارهم أولاً بأنه جاء بيت المقدس في تلك الليلة وذلك أن أبا جهل - لعنه الله - رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام وهو جالس واجم فقال له: هل من خبر؟ فقال: نعم! قال: وما هو؟ فقال: إني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس.
قال: إلى بيت المقدس؟ قال: نعم! قال: أرايت إن دعوت قومك لك لتخبرهم أتخبرهم بما أخبرتني به؟ قال نعم! فأراد أبو جهل جمع قريش ليسمعوا منه ذلك وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم ليخبرهم ذلك ويبلغهم.
فقال أبوجهل: هيا معشر قريش وقد اجتمعوا من أنديتهم فقال: أخبر قومك بما أخبرتني به. فقص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى وأنه جاء بيت المقدس هذه الليلة وصلى فيه، فمن بين مصفق وبين مصفر تكذيباً له واستبعاداً لخبره وطار الخبر بمكة وجاء الناس إلى أبي بكر رضي الله عنه فأخبروه أن محمداً صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا فقال: إنكم تكذبون عليه. فقالوا: والله إنه ليقوله .. فقال: إن كان قاله فلقد صدق ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله بعض مشركي قريش فسأله عن ذلك فأخبره فاستعلمه عن صفات بيت المقدس ليسمع المشركون ويعلموا صدقه فيما أخبرهم به. وفي الصحيح: أن المشركين هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
قال: فجعلت أخبرهم عن آياته فالتبس علي بعض الشيء، فجلى الله لي بيت المقدس حتى جعلت أنظر إليه دون دار عقيل وأنعته لهم) فقالك أما الصفة فقد أصاب.
فقال وآية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوداي كذا وكذا، فأنفرهم حس الدابة فند لهم بعير فدللتهم عليه وأنا متوجه إلى الشام، ثم أقبلت حتى إذا كنت بصحنان مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نياماً ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان وآية ذلك: أن عيرهم تصوب الآن من ثنية التنعيم البيضاء يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء.
قال: فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أول من الجمل الذي وصف لهم، وسألوهم عن الإناء وعن البعير فأخبروهم كما ذكر صلوات الله وسلامه عليه.
وذكر يونس بن بكير عن اسباط عن إسماعيل السدي: أن الشمس كادت تغرب قبل أن يقدم ذلك العير، فدعا الله عزوجل فحبسها حتى قاموا كما وصف لهم. قال: فلم تحتبس الشمس على أحد إلا عليه ذلك اليوم وعلى يوشع بن نون. رواه البيهقي.
قال ابن إسحاق: واخبرني من لا أتهم عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لما فرغت مما كان في بيت المقدس أتى بالمعراج ولم أر شيئاً قط أحسن منه وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حضر، فأصعدني فيه صاحبي حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة عليه بريد من الملائكة يقال له: إسماعيل تحت يده إثنا عشر ألف ملك، تحت يد كل ملك منهم إثنا عشر ألف ملك. قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حدث بهذا الحديث: (وما يعلم جنود رب إلا هو).
لما فرغ صلى الله عليه وسلم من أمر بيت المقدس نصب له المعراج وهو السلم فصعد فيه إلى السماء ولم يكن الصعود على البراق كما قد يتوهمه بعض الناس بل كان البراق مربوطاً على باب مسجد بيت المقدس ليرجع عليه إلى مكة فصعد من سماء إلى سماء في المعراج حتى جاوز السابعة وكلما جاء سماء تلقته منها مقربوها ومن فيها من أكابر الملائكة والأنبياء.
وذكر أعيان من رآه من المرسلين كآدم في سماء الدنيا، ويحيى وعيسى في الثانية وإدريس في الرابعة وموسى في السادسة - على الصحيح - وإبراهيم في السابعة مسنداً ظهره إلى البيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يتعبدون فيه صلاة وطوافاً ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، ثم جاوز مراتبهم كلهم حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام.
ورفعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى وإذ ورقها كآذان الفيلة، ونبقها كقلال هجر، وغشيها عند ذلك أمور عظيمة أوان متعددة باهرة، وركبتها الملائكة مثل الغربان على الشجرة كثرة وفراش من ذهب وغشيها نور الرب جل جلاله.
ورأى هناك جبريل عليه السلام له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين السماء والأرض وهو الذي يقول الله تعالى (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى) (النجم 13 - 17). أي مازاغ يميناً ولا شمالاَ ولا ارتفع عن المكان الذي حد له النظر إليه وهذا هو الثبات العظيم والأدب الكريم وهذه الرؤيا الثانية لجبريل عليه السلام على الصفة التي خلقه الله تعالى عليها كما نقله ابن مسعود وأبو هريرة وأبوذر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين. والأولى هي قوله تعالى: (علمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى. وهو بالأفق الأعلى. ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى) (النجم 5 - 10). وكان ذلك بالأبطح، تدلى جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساداً عظيم خلقه ما بين السماء والأرض حتى كان بينه وبينه قاب قوسين أو أدنى، هذا هو الصحيح كما دل عليه كلام أكابر الصحابة المتقدم ذكرهم رضي الله عنهم. وعن سعيد بن مينا عن جابر وابن عباس قالا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات.
عن ابن إسحاق قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - وهو بيت المقدس من إيلياء - وقد فشا الإسلام بمكة في قريش وفي القبائل كلها.
قال: وكان من الحديث فيما بلغني من مسراه صلى الله عليه وسلم عن ابن مسعود وأبي سعيد وعائشة ومعاوية وأم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنهم والحسن ابن أبي الحسن وابن شهاب الزهري وقتادة وغيرهم من أهل العلم ما اجتمع في هذا الحديث كل يحدث عنه بعض ما ذكر لي من أمره وكان في مسراه صلى الله عليه وسلم وما ذكر لي منه بلاء وتمحيص وأمر من أمر الله وقدرته وسلطانه فيه عبرة لأولي الألباب، وهدي ورحمة وثبات لمن أمن وصدق وكان من أمر الله على يقين، فأسرى به كيف شاء وكما شاء ليريه من آياته ما أراد حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما يريد.
وكان عبدالله بن مسعود فيما بلغني يقول: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله، تضع حافرها في موضع منتهى طرفها فحمل عليها ثم خرج به صاحبه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض حتى انتهى إلى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمعوا له فصلى بهم ثم أتى بثلاث أوان من لبن وخمر وماء فذكر أنه شرب إناء اللبن، فقال لي جبريل: هديت وهديت أمتك.
وذكر ابن إسحاق في سياق الحسن البصري مرسلاً أن جبريل أيقظه ثم خرج به إلى باب المسجد الحرام فأركبه البراق وهو دابة أبيض بين البغل والحمار وفي فخذيه جناحان يحفر بهما رجليه يضع حافره في منتهى طرفه ثم حملني عليه ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته.
عن قتادة فيما ذكره ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد ركوب البراق شمس (جمح وجنح) به فوضع جبريل يده على معرفته (وجهه) ثم قال: ألا تستحي يا براق مما تصرع؟ فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه. قال: فانحى حتى ارفض عرقاً ثم قر ختى ركبته.
قال الحسن في حديثه فمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضي معه جبريل حتى انتهى إلى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم. ثم ذكر اختياره إناء اللبن على إناء الخمر. وقول جبريل له هديت وهديت أمتك، وحرمت عليكم الخمر. قال: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فأصبح يخبر قريشاً بذلك فذكر أنه كذبه أكثر الناس وارتدت طائفة بعد إسلامها، وبادر الصديق إلى التصديق وقال: إني لأصدقه في خبر السماء بكرة وعشية أفلا أصدقه في بيت المقدس؟! وذكر أن الصديق سأله عن صفة بيت المقدس فذكرها له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيومئذ سمى أبوبكر الصديق.
قال الحسن: وأنزل الله في ذلك (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) (الإسراء 6) وذكر ابن إسحاق فيما بلغه عن أم هانئ أنها قالت: ما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من بيتي نام عندي تلك الليلة بعدما صلى العشاء الآخرة فلما كان قبيل الفجر أهبنا فلما كان الصبح وصلينا معه قال: (يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة في هذا الوادي ثم جئت ببيت المقدس فصليت فيه ثم صليت الغداة معكم الآن كما ترين) ثم قام ليخرج فأخذت بطرف ردائه فقلت: يا نبي الله لا تحدث بهذا الحديث الناس فيكذبوك ويؤذونك. قال: (والله لأحدثنهموه) فأخبرهم فكذبوه.
اشتداد أذى قريش ومقاطعتها بني هاشم
فقال عند ذلك النفر من بني عبد مناف وبني قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء من بني هاشم منهم أبو البحتري والمطعم ابن عدي وزهير بن أبي أمية بن المغيرة وزمعة بن الأسود وهشام بن عمرو - وكانت الصحيفة عنده وهو من بني عامر بن لؤي - في رجال في أشرافهم ووجوههم: نحن برءاء مما في هذه الصحيفة.
فقال أبو جهل لعنه الله: هذا أمر قضي بليل وأنشأ أبو طالب يقول الشعر في شأن صحيفتهم .. ويمدح النفر الذين تبرءوا منها ونفضوا ما كان فيها من عهد ويمتدح النجاشي.
قال ابن إسحاق: لما اجتمعت على ذلك قريش وصنعوا فيه الذي صنعوا قال أبو طالب:
ألا أبلغا عني على ذات بيننا .... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا .... نبياً كموسى خط في أول الكتب
قال ابن إسحاق: فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثاً حتى جهدوا ولم يصل إليهم شيء إلا سراً مستخفياً به من أراد صلتهم من قريش .. وقد كان أبو جهل بن هشام، فيما يذكرون - لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد معه غلام يحمل قمحاً يريد به عمته خديجة بنت خويلد وهي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب فتعلق به وقال أتذهب بالطعام إلى بني هشام بن الحارث بن أسد فقال: مالك وله.
فقال: يحمل الطعام إلى بني هاشم فقال له أبو البحتري: طعام كان لعمته عنده بعثت به إليه أتمنعه أن يأتيها بطعامها؟ خل سبيل الرجل.
قال فأبى أبوجهل - لعنه الله - حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ البحتري لحى بعير فضربه فشجه ووطئه وطئاً شديداً، وحمزة ابن عبد المطلب قريب يرى ذلك وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيشتمون بهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً منادياً بأمر الله تعالى لا يتقي فيه أحداً من الناس.
فجعلت قريش - حين منعه الله منها وقام عمه وقومه من بني هاشم وبني عبد المطلب دونه وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به - يهمزونه ويستهزئون به ويخاصمونه وجعل القرآن ينزل في قريش بأحداثهم وفيمن نصب لعداوته، منهم من سمي ومنهم من نزل القرآن في عامة ذكر الله من الكفار.
فذكر ابن إسحاق أبا لهب ونزول السورة فيه. وأمية بن خلف ونزول قوله تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) (الهمزة 1) السورة بكاملها فيه.
قال ابن إسحاق : وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا - يوماً مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون. لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل ما فيها خالدون. لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون) (الأنبياء 98 - 100).
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عبدالله بن الزبعري السهمي حتى جلس فقال الوليد بن المغيرة له والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبدالمطلب آنفاً وما قعد، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم فقال عبدالله الزبعري: أما والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمداً أكل من نعبد من دون الله حصب جهنم مع من عبده فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيزاً والنصارى تعبد عيسى؟ فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول ابن الزبعري ورأوا أنه قد احتج وخاصم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده في النار أنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته). قال موسى بن عقبة عن الزهري: ثم إن المشركين اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، وجمعت قريش في مكرها أن يقتلوا محمد صلى الله عليه وسلم علانية فلما رأى أبوطالب عمل القوم جمع بني عبدالمطلب وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم، وأمرهم أن يمنعوه ممن أرادوا قتله فاجتمع على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حمية، ومنهم من فعه إيماناً ويقيناً.
فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمعوا على ذلك اجتمع المشركون من قريش فأجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهوداً ومواثيق ولايقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً ولا يأخذوهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل.
فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين واشتد عليهم البلاء والجهد وقطعوا عنهم الأسواق فلا يتركوا لهم طعاماً يقدم مكة ولا بيعها إلا بادروهم إليه فاشتروه يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضجع على فراشه حتى يري ذلك من أراد به مكراً واغتيالاً له، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو أخوته أو بني عمه فاضجعوا على فراش رسول الله صلى الله عليه وسم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بعض فرشهم فينام عليه. فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن قصي ورجال من سواهم من قريش قد ولدتهم نساء من بني هاشم، ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم واستخفوا بالحق، واجتمع أمرهم في ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه، وبعث الله على صحيفتهم الأرض فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق.
ويقال: كانت معلقة في سقف البيت وأطلع الله رسوله على الذي صنع بصحيفتهم فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب.
لا والثواقب ما كذبني، فانطلق يمشي بعصابته (أهله) من بني عبدالمطلب حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش فلما رأوهم عامدين لجماعتهم أنروا ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء فأتوهم ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم أبو طالب فقال: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم، فاتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها فعله أن تكون بيننا وبينك صلح - وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها - فأتوا بصحيفتهم معجبين بها لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفوعاً إليهم فوضعها بينهم وقالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد جعلتموه خطراً لأهلك قومكم وعشيرتم وفسادهم..
فقال أبو طالب: إنما أتيتكم لاعطيكم أمراً لكم فيه نصف: إن ابن أخي أخبرني - ولم يكذبني - أن الله برأ من هذه الصحيفة التي في أيديكم ومحا كل اسم هو له فيه وترك في غدركم وقطيعتكم إيانا وتظاهركم عليها بالظلم فإن كان الحديث الذي قال ابن أخي كما قال فأفيقوا والله لا نسلمه أبداً حتى يموت من عندنا آخرنا، وإن كان الذي قال باطلا دفعناه إليكم فقتلتموه ان استحييتم (استحيا السير: تركه حياً فلم يقتله) قالوا: قد رضينا بالذي تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر خبرها، فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب قالوا: والله إن كان هذا قط الأسحر من صاحبكم فارتكسوا (ارتدوا) وعادوا بشر ما كانوا عليه من كفرهم والشدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام على رهطه بما تعاهدوا عليه.
فقال أولئك النفر من بني عبدالمطلب: إن أولى بالكذب والسحر غيرنا فكيف ترون فإنا نعلم ان الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر من أمرنا، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم وهي في أيديكم طمس ما كان فيها من اسمه وما كان فيها من بغي تركه أفنحن السحرة أم أنتم؟
الهجرة إلى الحبشة
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية، بمكانه من الله عزوجل، ومن عمه أبي طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم: (لو خرجتم إلى أرض الحبشة؟ فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه) فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفراراً إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام، وكان أول من خرج من المسلمين: عثمان بن عفان، وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو حذيفة بن عتبة، وامرأته سهلة بنت سهيل، والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وعبدالرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبدالأسد، وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة العنزي، وامرأته ليلى بنت أبي حثمة، وأبو سبرة بن أبي رهم - ويقال: بل أبو حاطب بن عمرو - وسهيل بن بيضاء، وعبدالله بن مسعود، رضي الله عنهم أجمعين. قال ابن جرير: وقال آخرون: بل كانوا اثنين وثمانين رجلاً، سوى نسائهم وأبنائهم، وعمار بن ياسر نشك فإن كان فيهم فقد كانوا ثلاثة وثمانين رجلاً. روى الواقدي أن خروجهم إليها في رجب سنة خمس من البعثة، قال ابن إسحاق: ثم خرج جعفر بن أبو طالب ومعه امرأته أسماء بنت عميس، وولدت له بها عبدالله بن جعفر، وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة، وسرد اسحاق الخارجين صحبة جعفر رضي الله عنهم، وهم: عمرو بن سعيد بن العاص، وامرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث بن شق الكناني. وأخوه خالد، وامرأته أمينة بنت خلف ابن أسعد الخزاعي - وولدت له بها سعيداً - وأمه التي تزوجها بعد ذلك الزبير، فولدت له عمراً وخالداً: قال: وعبدالله بن جحش بن رئاب، وأخوه عبيد الله، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان، وقيس بن عبدالله من بني أسد بن خزيمة، وامرأته بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان، ومعيقيب بن أبي فاطمةن وهو من موالي سعيد بن العاص قال ابن هشام: وهو من دوس: قال: وأبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس حليف ىل عتبة بن ربيعة وعتبة بن غزوان، ويزيد بن زمعة بن الأسود، وعمرو بن أمية بن الحارث بن أسد، وطليب بن عمير بن وهب بن أبي كثير بن عبد، وسويبط بن سعد بن حريملة، وجهم بن قيس العبدوي، ومعه امرأته ام حرملة بنت عبد الاسود بن خزيمة وولداه عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم، وأبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبدمناف، وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة، وعامر بن أبي وقاص أخو سعد، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهري، وامرأته رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة - وولدت بها عبدالله - وعبدالله بن مسعود، وأخوه عتبة، والمقداد بن الأسود، والحارث بن خالد بن صخر التيمي، وامرأة ريطة بنت الحارث بن جبيلة، وولدت له بها موسى وعائشة وزينب وفاطمة، وعمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، شماس بن عثمان - وهبار بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي، وأخوه عبدالله، وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم، وسلمة بن هشام بن المغيرة، وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة، ومعتب بن عوف بن عامر - ويقال له عيهامة - وهو من خلفاء بني مخزوم.
صور من إعراض رؤوس الكفر عن الحق
عن المغيرة بن شعبة، قال: إن أول يوم عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وابو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة، إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل (يا أبا الحكم، هلم إلى الله وإلى رسوله، أدعوك إلى الله).
فقال أبو جهل: يا محمد. هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت؟ فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك.
فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأقبل علي فقال: والله إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن يمنعني شيء، أن بني قصي قالوا: فينا الحجابة. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا السقاية. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا الندوة. فقلنا نعم ثم قالوا: فينا اللواء. فقلنا: نعم. ثم أطعموا وأطعمنا، حتى إذا تحاكت الركب قالوا منا نبي، والله لا أفعل - عن أبي إسحاق. قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي جهل وأبي سفيان، وهما جالسان .. فقال أبو جهل: هذا نبيكم يا بني عبد شمس. قال أبو سفيان: وتعجب أن يكون منا نبي؟ فالنبي يكون فيمن أقل منا وأذل. ف
قال أبو جهل: أعجب أن يخرج غلام من بين شيوخ نبياً. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع، فأتاهمان فقال: (أما أنت يا أبا سفيان، فما لله ورسوله غضبت، ولكنك حميت للأصل. وأما أنت يا ابا الحكم، فوالله لتضحكن قليلاً ولتبكين كثيراً) فقال: بئسما تعدني يابن أخي من نبوتك.
وقول أبي جهل - لعنه الله - كما قال الله تعالى مخبراً عنه وعن إضرابه: (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولاً إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا) (الفرقان: 41 - 42).
----------------------------------
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) (الإسراء 110) قال: كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن وسبوا من أنزله ومن جاء به، قال: فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (ولا تجهر بصلاتك) أي بقراءتك)، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن: (ولا تخافت بها) عن أصحابك، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك (وابتغ بين ذلك سبيلاً).
وقال محمد بن إسحاق: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يستمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله بعض ما يتلو وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقا منهم فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يستمع فإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم . لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئاً فأنزل الله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك) فيتفرقوا عنك (ولا تخافت بها) فلا يسمع من أراد أن يسمعها ممن يسترق ذلك، لعله يرعوى إلى بعض ما يسمع فينتفع به (وابتغ بين ذلك سبيلاً).
----------------------------------
قالت قريش للرسول عليه السلام : أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً، وإن كان إنما بك الباه (الزواج) فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرغت؟) قال: نعم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم (حم تنزيل من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون) (فصلت 1 - 3) إلى أن بلغ: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود).
فقال عتبة: حسبك ما عندك غير هذا؟ قال: فرجع إلى قريش، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئاً أرى أنكم تكلمونه إلا كلمته. قالوا: فهل أجابك؟ فقال: نعم ثم قال: لا، والذي نصبها بنية ما فهمت شيئاً مما قال، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود.
قالوا: ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا والله، ما فهمت شيئاً مما قال غير ذكر الصاعقة.
وعنده: أنه لما قال: (فإن أعرضوا فقل أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) أمسك عقبة على فيه، وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله، واحتبس عنهم.
فقال أبو جهل: والله يا معشر قريش ما نرى عتبة إلا صبا إلى محمد، وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة اصابته، انطلقوا بنا إليه فأتوه.
فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما جئنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد. فغضب، وأقسم بالله لا يكلم محمداً أبداً، وقال: لقد علمتم إني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته - وقص عليهم القصة - فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا بشعر ولا كهانة، قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (حم. تنزيل من الرحمن الرحيم) حتى بلغ (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) فأمسكت بفيه، وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتهم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفت أن ينزل عليكم العذاب.
----------------------------------
عن ابن إسحاق حدثني الزهري، قال: حدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل منهم مجلساً ليستمع منه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، قال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا.
فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود، فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق، أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها.
فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به.
ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نسمع به أبداً ولا نصدقه. فقام عنه الأخنس بن شريق.
----------------------------------
عن عكرمة عن ابن عباس: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً، قال لم؟
قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمداً لتعرض ما قبله.
قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً.
قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له.
قال: وماذا أقول؟ فوالله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته.
قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه.
قال قف عني حتى أفكر فيه،
فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثر، يؤثره عن غيره، فنزلت (ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالاً ممدوداً وبنين شهوداً) (المدثر 11 - 13).
----------------------------------
عن عكرمة عن ابن عباس. أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش، وكان ذا سن فيهم، وقد حضر المواسم، فقال: إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، ويرد قول بعضكم بعضاً.
فقيل: يا أبا عبد شمس، فقل، وأقم لنا رأياً نقوم به.
فقال: بل أنتم فقولوا وأنا أسمع.
فقالوا: نقول كاهن؟
فقال: ما هو بكاهن، رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكهان.
فقالوا: نقول مجنون؟
فقال: ما هو بمجنون، ولقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بحنقه ولا تخالجه ولا وسوسته.
فقال نقول شاعر؟
فقال: ما هو بشاعر، وقد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر.
قالوا: فنقول هو ساحر؟ قال: ما هو بساحر، قد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا بعقده.
قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟
قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لمغدق، وإن فرعه لجني، فما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول لأن تقولوا: هذا ساحر فتقولوا: هو ساحر يفرق بين المرء ودينه وبين المرء وزوجته وبين المرء وأخيه وبين المرء وعشيرته. فتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون للناس حتى قدموا المواسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره، وأنزل الله في الوليد: (ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالاً ممدوداً وبنين شهوداً) وفي أولئك النفر الذين جعلوا القرآن عضين (فوربك لنسألهم أجمعين عما كانوا يعملون) (الحجر 92 - 93).
وفي ذلك قال الله تعالى أخباراً عن جهلهم وقلة عقلهم: (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فيأتنا بآية كما أرسل الأولون) (الأنبياء 5).
فحاروا ماذا يقولون فيه، فكل شيء يقولونه باطل، لأن من خرج عن الحق مهما قاله أخطأ، قال الله تعالى: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً) (الإسراء 48).
عن جابر بن عبدالله، قال: اجتمع قريش يوماً، فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه؟
فقالوا: ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة.
فقالوا: أنت يا أبا الوليد، فآتاه عتبة، فقال: يا محمد أنت خير أم عبدالله؟
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أنت خير أم عبدالمطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبدت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك، فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلي أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى.
الرسول يعقد الألوية ويأمّر القواد
قال ابن إسحاق: ثم لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ وادياً يقال له : سفوان من ناحية بدر، وهي غزوة بدر الأولى، وفاته كرز فلم يدركه وقال الواقدي: وكان لواؤه مع علي بن أبي طالب. قال ابن هشام والواقدي: وكان قد استخلف على المدينة زيد بن حارثة.
قال ابن إسحاق: فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام جمادى ورجب وشعبان وقد كان بعث بين يدي ذلك سعداً في ثمانية من المهاجرين، فخرج حتى بلغ الخرار من أرض الحجاز.
قال ابن هشام: ذكر بعض أهل العلم أن بعث سعد هذا كان بعد حمزة في رمضان، وبعث عبيدة في شوال، وبعث سعد في ذي القعدة كلها في السنة الأولى.
عن سعد بن أبي وقاص قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا: إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق حتى نأتيك وقومنا، فأوثق لهم فأسلموا.
قال: فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب ولا نكون مائة وأمرنا أن نغير على حي من بني كنانة إلى جنب جهينة فأغرنا عليهم وكانوا كثيراً فلجأنا إلى جهينة فمنعونا وقالوا: لم تقاتلون في الشهر الحرام؟ فقال بعضنا لبعض: ما ترون؟ نأتي نبي الله فنخبره. وقال قوم: لا بل نقيم ههنا. وقلت أنا في أنا معي: لا بل نأتي عير قريش فنقتطعها. وكان الفيء إذ ذاك من أخذ شيئاً فهو له، فانطلقنا إلى العير وانطلق أصحابنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر فقام غضبان محمر الوجه فقال: (أذهبتم من عندي جمعياً ورجعتم متفرقين؟! إنما أهلك من كان قبلكم الفرقة، لأبعثن عليكم رجلاً ليس بخيركم أصبركم على الجوع والعطش) فبعث علينا عبدالله بن جحش الأسدي فكان أول أمير في الإسلام.
قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن جحش بن رئاب الأسدي في رجب مقفله (مرجعه) من بدر الأولى وبعث معه ثمانية من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد وهم: أبو حذيفة بن عتبة، وعكاشة بن محصن بن حرثان حليف بني أسد بن خزيمة، وعتبة بن غزوان حليف بني نوفل، وسعد بن أبي وقاص الزهري، وعامر بن ربيعة الوائلي حليف بني عدي، وواقد بن عبدالله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع التميمي حليف بني عدي ايضاُ، وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليث حليف بني عدي أيضاً، وسهل بن بيضاء الفهري فهؤلاء سبعة ثامنهم أميرهم عبدالله بن جحش رضي الله عنه.
وقال يونس عن ابن إسحاق: كانوا ثمانية وأميرهم التاسع فالله أعلم.
قال ابن إسحاق: وكتب له كتاباً وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به، ولا يستكره من أصحابه أحداً. فلما سار بهم يومين فتح الكتاب فإذا فيه إذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر في الكتاب قالك سمعاً وطاعة، وأخبر أصحابه بما في الكتاب وقال: قد نهاني استكره أحداً منكم فمن يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع أما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف منهم أحد وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال لهك بحران، اضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يتعقبانه فتخلفا في طلبه ومضى عبدالله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزلوا نخلة، فمر عير قريش فيقم عمرو بن الحضرمي فلما رآهم القوم خافوهم، وقد نزلوا قريباً منهم، فرأوا عكاشة بن محض فأمنوا، وقال: عمار لا بأس عليكم منهم.
تغـيـيـر القـبـلة
عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر - أو سبعة عشر - شهراً، وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة فأنزل الله: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) (البقرة 144).
قال: فوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس - وهم اليهود - : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟!
فأنزل الله: (قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) (البقرة 142).
والأمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه - كما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه - فلما هاجر إلى المدينة واستدبر الكعبة ستة عشر شهراً - أو سبعة عشر شهراً - وهذا يقتضي أن يكون ذلك إلى رجب من السنة الثانية والله أعلم.
وكان عليه الصلاة والسلام يحب أن يصرف قبلته نحو الكعبة قبلة إبراهيم وكان يكثر الدعاء والتضرع والابتهال إلى الله عزوجل فكان مما يرفع يديه وطرفه إلى السماء سائلاً ذلك فأنزل الله عزوجل: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) فلما نزل الأمر بتحويل القبلة خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وأعلمهم بذلك - كما رواه النسائي عن أبي سعيد بن المعلي - وأن ذلك كان وقت الظهر - وقال بعض الناس: نزل تحويلها بين الصلاتين. قاله مجاهد وغيره.
ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين عن البراء: أن أول صلاة صلاها عليه الصلاة والسلام إلى الكعبة بالمدينة العصر .. وأن أهل قباء لم يبلغهم خبر ذلك إلى صلاة الصبح من اليوم الثاني كما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها. وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك نحو ذلك، أنه لما نزل تحويل القبلة إلى الكعبة ونسخ به الله تعالى حكم الصلاة إلى بيت المقدس طعن طاعنون من السفهاء والجهلة الأغبياء قالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟!
هذا والكفرة من أهل الكتاب يعلمون أن ذلك من الله لما يجدونه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم من أن المدينة مهاجرة وأنه سيؤمر بالاستقبال إلى الكعبة كما قال: (وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم) وقد أجابهم الله تعالى مع هذا كله عن سؤالهم ونعتهم فقال: (سيقول السفهاء من الناس وما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) أي هو المالك المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه الذي يفعل ما يشاء في خلقه ويحكم ما يريد في شرعه وهو الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ويضل من يشاء عن الطريق القويم وله في ذلك الحكمة التي يجب لها الرضا والتسليم ثم قال تعالى: (وكذلك جعلناهم امة وسطا) أي خياراً (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول شهيداً عليكم) أي وكما احترنا لكم أفضل الجهات في صلاتكم وهديناكم إلى قبلة أبيكم إبراهيم والد الأنبياء بعد التي كان يصلي بها موسى فمن قبله من المرسلين كذلك جعلناكم خيار الأمم وخلاصة العالم وأشرف الطوائف وأكرم التالد (القديم الأصلي وهو عكس الطارف) والطارف لتكونوا يوم القيامة (شهداء على الناس) لإجماعهم عليكم وإشارتهم يومئذ بالفضيلة إليكم كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد مرفوعاً من استشهاد نوح بهذه الأمة يوم القيامة وإذا استشهد بهم نوح مع تقدم زمانه فمن بعده بطريق الأولى والأحرى.
غزوة الأبواء
قال ابن هشام: وهي أول غزوة غزاها عليه السلام. قال الواقدي وكان لواؤه مع عمه حمزة، وكان أبيض. قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامه ذلك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي في ستين - أو ثمانين - راكباً من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة فلقي بها جمعاً عظيماً من قريش، فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمي به في سبيل الله في الإسلام. ثم انصرف القوم عن القوم وللمسلمين حامية وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة، وعتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني نوفل بن عبد مناف، وكانا مسلمين، ولكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار.
قال ابن إسحاق: وكان على المشركين يومئذ عكرمة بن أبي جهل وروى ابن هشام عن أبي عمرو بن العلاء عن أبي عمرو المدني أنه قال: كان عليهم مكرز بن حفص. قلت: وتقدم عن حكاية الواقدي قولان: أحدهما: أنه مكرز والثاني: أنه سفيان صخر بن حرب وأنه رجح أنه أبو سفيان فالله أعلم. وبعث رسول الله عليه وسلم في مقامه ذلك حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم إلى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكباً من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد فلقي أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلاثمائة راكب من أهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان موادعاً للفريقين جميعاً، فانصرف بعض القوم عن بعض ولم يكن بينهم قتال.
قال ابن إسحاق: وبعض الناس يقول : كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معاً فشبه ذلك على الناس.
حكى موسى بن عقبة الزهري أن بعث حمزة قبل عبيدة بن الحارث، ونص على أن بعث حمزة كان قبل غزوة الأبواء. فلما قفل عليه الصلاة والسلام من الأبواء بعث عبيدة بن الحارث في ستين من المهاجرين، وذكر نحو ما تقدم.
وقد تقدم عن الواقدي أنه قالك كانت سرية حمزة في رمضان من السنة الأولى وبعدها سرية عبيدة في شوال منها والله أعلم. وقد أورد ابن إسحاق عن حمزة رضي الله عنه شعراً يدل على أن رايته أول راية عقدت في الإسلام لكن قال ابن إسحاق : فإن كان حمزة قال ذلك فهو كما اقل، لم يكن يقول إلا حقاً، والله أعلم. قال ابن إسحاق: ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول - يعني في السنة الثانية - يريد قريشاً.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون. وقال الواقدي: استخلف عليها سعد بن معاذ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتي راكب، وكان لواؤه مع سعد ابن أبي وقاص وكان مقصده أن يعترض لعير قريش وكان فيه أمية بن خلف ومائة رجل وألفان وخمسمائة بعير.
قال ابن إسحاق: حتى بلغ بواط من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى.
قال ابن إسحاق: فسلك على نقب بني دينار، ثم على فيفاء الخيار فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها: ذات الساق فصلى عندها فثم مسجده، فصنع له عندها طعام فأكل منه وأكل الناس معه، فرسوم أثافي البرمة معلوم هناك، واستسقى له من ماء يقال له: المشيرب ثم ارتحل فترك الخلائق بيسار وسلك شعبة عبدالله، ثم هبط ملل، فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة ثم سلم فرش ملل حتى لقي الطريق بصخيرات اليمام ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة من بطن ينبع فأقام بها جمادى الأولى وليال من جمادى الآخرة، ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً.
غزوات وسرايا الرسول
قال ابن إسحاق: أول ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبواء ثم بواط، ثم العشيرة. ثم روى عن زيد بن أرقم: أنه سئل كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: تسع عشرة ، شهد منها سبع عشرة أولاها العسيرة - أو العشيرة.
عن بريدة قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة ولمسلم عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.
وفي رواية له عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وقاتل في ثمان منها وقال الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا سبع عشرة غزوة وقاتل في ثمان يوم بدر، وأحد والأحزاب والمريسيع، وقديد، وخيبر، ومكة، وحنين، وبعث أربعاً وعشرين سرية.
عن مكحول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا ثماني عشرة غزوة قاتل في ثماني غزوات أولاها بدر، ثم أحد ثم الأحزاب، ثم قريظة ثم بئر معونة، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة، ثم غزوة خيبر، ثم غزوة مكة، ثم حنين والطائف.
عن قتادة: أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ثلاث وأربعون: أربع وعشرون بعثاً، وتسع عشرة غزوة، خرج في ثمان منها بنفسه: بدر، واحد، والأحزاب، والمريسيع، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، وقال موسى بن عقبة عن الزهري: هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها يوم بدر في رمضان سنة اثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق - وهو يوم الأحزاب - وبني قريظة في شوال من سنة أربع، ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس ثم قاتل يوم خيبر سنة ست، ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان، ثم قاتل يوم حنين وحاصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان، ثم حج أبوبكر سنة تسع، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر، وغزا اثنتي عشرة غزوة ولم يكن فيها قتال، وكانت أول غزوة غزاها: الأبواء. عن الزهري قال: أول آية نزلت في القتال: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) (الحج 39). بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فكان أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان، إلى أن قال: ثم غزا بني النضير، ثم غزا أحداً في شوال - يعني في سنة ثلاث - ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع، ثم قاتل بني بني لحيان في شعبان سنة خمس، ثم قال يوم خيبر سنة ست، ثم قاتل يوم الفتح في شعبان سنة ثمان، وكانت حنين في رمضان سنة ثمان. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدى عشرة غزوة لم يقاتل فيها، فكانت أول غزوة غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبواء. ثم العشيرة، ثم غزوة غطفان ثم غزوة الصفراء ثم غزوة تبوك آخر غزوة. قال محمد بن إسحاق قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الإثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل لإثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وحمسين سنة، وذلك بعد أن بعثه الله بثلاث عشرة سنة فأقام بقية شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجمادين ورجباً وشعبان وشهر رمضان وشوالاً وذا القعدة وذا الحجة وولى تلك الحجة المشركون والمحرم، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غازياً في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مقدمة المدينة. قال ابن هشام: واستعمل على المدينة سعد بن عبادة.
قال ابن إسحاق: حتى بلغ ودان وهي غزوة الأبواء.
قال ابن جرير: ويقال لها: غزوة ودان أيضاً، يريد قريشاً وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كناة، فوادعته فيها بنو ضمرة وكان الذي وادعه منهم مخشى ابن عمرو الضمري، وكان سيدهم في زمانه ذلك.
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيداً فاقام بها بقية صفر وصدراً من شهر ربيع الأول.
الأذان للصلاة والإقامة
قال ابن إسحاق: فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين واجتمع أمر الأنصار استحكم أمر الإسلام فقامت الصلاة، وفرضت الزكاة والصيام، وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام وتبوأ الإسلام بين أظهركم وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوأوا الدار والإيمان وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل بوقاً كبوق يهود الذي يدعون به لصلاتهم ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة، فبينما هم على ذلك رأى عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه طاف بي هذه الليلة طائف مر بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوساً في يده فقلت: يا عبدالله أتبيع هذا الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة قال: ألا أدلك على خير من ذلك؟ قلت: وما هو؟
قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمد رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها فإنه أندى صوتاً منك) فلما أذن بها بلال سمعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه وهو يقول: يا نبي الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد.
وعند أبي داود أنه علمه الإقامة قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
عن عبدالله بن زيد الأنصاري قال في ذلك:
الحمد لله ذي الجلال وذي الإ ... كرام حمداً على الأذان كبيرا
إذ أتاني به البشير من الله ... فأكرم به لدي يشيرا
في ليال والى بهن ثلاث ... كلما جاء زادني توقيرا قال ابن هشام: وذكر ابن جريج قال: قال لي عطاء سمعت عبيد بن عمير يقول: ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الناقوس للإجتماع للصلاة، فبينا عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى عمر في المنام: لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة.
فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بما رأى وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فما ارع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره ذلك: (قد سبقك بذلك الوحي) وهذا يدل على أنه قد جاء الوحي بتقرير ما رآه عبدالله بن زيد بن عبد ربه كما صرح به بعضهم والله تعالى أعلم.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن عليه للفجر كل غداة فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينتظر الفجر، فإذا رآه تمطى (نهض ومد يديه) ثم قال: اللهم أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك.
قالت: ثم يؤذن: قالت: والله ما علمته كان تركها ليلة واحدة - يعني هذه الكلمات - ورواه أبو داود من حديثه منفرداً به.
بناء المسجد الأول
عن أنس بن مالك قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في علو المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملأ بني النجار فجاءوا متقلدي سيوفهم. قال: وكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب.
قال: فكان يصلي حيث أدركته الصلاة، قال: ثم إنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملاء بني النجار فجاءوا فقال: (يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا) فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عزوجل، قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخرب فسويت، وبالنخل فقط.
قال: فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه (جانبيه) حجارة.
قال: فجعلوا ينقلون ذلك الصخر وهم يرتجزون (ينشدون) ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يقول: (اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة).
عن الزهري عن عروة: أن المسجد الذي كان مربداً - وهو بيدر التمر - ليتيمين كانا في حجر أسعد بن زرارة وهما: سهل وسهيل، فساومهما فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله فأبى حتى ابتاعه منهما وبناه مسجداً.
وعن الحسن قال: لما بني رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد أعانه عليه أصحابه وهو معهم يتناول اللبن حتى اغبر صدره، فقال: (ابنوه عريشاً كعريش موسى فقلت للحسن: ما عريش موسى؟ قال: إذا رفع يديه بلغ العريش - يعني السقف - .
وعن ابن عمر: أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سواريه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخيل، اعلاه مظلل بجريد النخل. ثم إنها تخربت في خلافة أبي بكر، فبناها بجذوع وبجريد النخيل. ثم إنها تخربت في خلافة عثمان فبناها بالآجر، فما زالت ثابتة حتى الآن. ولم يكن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بني منبر يخطب الناس عليه، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس مستنداً إلى جذع عند مصلاه في الحائط القبلي فلما اتخذ له عليه السلام المنبر - كما سيأتي بيانه في موضعه - وعدل إليه ليخطب عليه، فلما جاوز ذلك الجذع خار ذلك الجذع وحن حنين النوق العشار لما كان يسمع من خطب الرسول عليه السلام عنده، فرجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه حتى سكن.
التاريخ الإسلامي الهجري
اتفق الصحابة رضي الله عنهم في سنة ست عشرة - وقيل: سنة سبع عشرة، أو ثماني عشرة - في الدولة العمرية على جعل ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وذلك أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رفع إليه صك - أي حجة - لرجل على آخر وفيه أنه يحل عليه في شعبان.
فقال عمر: أي شعبان؟ اشعبان هذه السنة التي نحن فيها، أو السنة الماضية، أو الآتية؟
ثم جمع الصحابة فاستشارهم في وضع تاريخ يتعرفون به حلول الدين وغير ذلك.
فقال قائل: أرخوا كتاريخ الفرس. فكره ذلك، وكانت الفرس يؤرخون بملوكهم واحداً بعد واحد.
وقال قائل: أرخو بتاريخ الروم. وكانوا يؤرخون بملك اسكندر بن فلبس المقدوني فكره ذلك.
وقال آخرون: أرخوا بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وقال آخرون: بل بمبعثه..
وقال آخرون: بل بهجرته.
وقال آخرون: بل وفاته عليه السلام.
فمال عمر رضي الله عنه إلى التاريخ بالهجرة لظهوره واشتهاره .. واتفقوا معه على ذلك.
ثم قالوا: وأي الشهور نبدأ؟
قالوا: رمضان.
ثم قالوا: المحرم فهو مصرف الناس من حججهم، وهو شهر حرام، فاجتمعوا على المحرم.
منقول للفائده


تنبيه من إدارة الساحات
mohamed motrash غير متواجد حالياً  
قديم 21-03-2007, 11:34 PM  
  مشاركة [ 3 ]
الصورة الرمزية عاشق الطائرات
عاشق الطائرات عاشق الطائرات غير متواجد حالياً
][ محب المنتدى ][
 
تاريخ التسجيل: 20 - 03 - 2006
الدولة: Jordan, Saudi Arabia, Qatar
المشاركات: 3,225
شكر غيره: 0
تم شكره 5 مرة في 4 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 2910
عاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقدير
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى عاشق الطائرات إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى عاشق الطائرات
عاشق الطائرات عاشق الطائرات غير متواجد حالياً
][ محب المنتدى ][


الصورة الرمزية عاشق الطائرات

مشاهدة ملفه الشخصي
تاريخ التسجيل: 20 - 03 - 2006
الدولة: Jordan, Saudi Arabia, Qatar
المشاركات: 3,225
شكر غيره: 0
تم شكره 5 مرة في 4 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 2910
عاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقديرعاشق الطائرات يستحق الثقة والتقدير
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى عاشق الطائرات إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى عاشق الطائرات
افتراضي رد: موسوعه الرسول صلي الله عليه وسلم

مشكور اخوي
من طول الموضوع انا راح انسخه واحطه ةبي ملف ورد واقراه على راحتي


وتحياتي
التوقيع  عاشق الطائرات
[




change in the sky of the ivao coming soon withe royal jordanian


we make our living from the sky
عاشق الطائرات غير متواجد حالياً  
قديم 27-03-2007, 08:21 PM  
  مشاركة [ 4 ]
الصورة الرمزية كحيلان
كحيلان كحيلان غير متواجد حالياً
كابتن طيار
 
تاريخ التسجيل: 13 - 03 - 2007
المشاركات: 389
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 233
كحيلان مازال في بداية الطريق
كحيلان كحيلان غير متواجد حالياً
كابتن طيار


الصورة الرمزية كحيلان

مشاهدة ملفه الشخصي
تاريخ التسجيل: 13 - 03 - 2007
المشاركات: 389
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 233
كحيلان مازال في بداية الطريق
افتراضي رد: موسوعه الرسول صلي الله عليه وسلم

جزاك الله الف خير وبارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك
التوقيع  كحيلان
كحيلان غير متواجد حالياً  
قديم 27-03-2007, 08:25 PM  
  مشاركة [ 5 ]
الصورة الرمزية Faisal Alasiri
Faisal Alasiri Faisal Alasiri غير متواجد حالياً
Flight Sim Expert
مشرف سابق
 
تاريخ التسجيل: 20 - 12 - 2006
الدولة: Kuala Lumpur, MY
المشاركات: 232
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 228
Faisal Alasiri يستحق التميز
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى Faisal Alasiri إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى Faisal Alasiri
Faisal Alasiri Faisal Alasiri غير متواجد حالياً
Flight Sim Expert
مشرف سابق


الصورة الرمزية Faisal Alasiri

مشاهدة ملفه الشخصي
تاريخ التسجيل: 20 - 12 - 2006
الدولة: Kuala Lumpur, MY
المشاركات: 232
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 228
Faisal Alasiri يستحق التميز
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى Faisal Alasiri إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى Faisal Alasiri
افتراضي رد: موسوعه الرسول صلي الله عليه وسلم

اللهم صلي وسلم على حبيبنا محمد
جزاك الله كل خير أخ محمد
مشكور ما قصرت
Faisal Alasiri غير متواجد حالياً  
قديم 28-03-2007, 11:15 AM  
  مشاركة [ 6 ]
[System] [System] غير متواجد حالياً
درجة الضيافة
 
تاريخ التسجيل: 01 - 03 - 2007
المشاركات: 90
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 214
[System] مازال في بداية الطريق
[System] [System] غير متواجد حالياً
درجة الضيافة



مشاهدة ملفه الشخصي
تاريخ التسجيل: 01 - 03 - 2007
المشاركات: 90
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 214
[System] مازال في بداية الطريق
افتراضي رد: موسوعه الرسول صلي الله عليه وسلم

اللهم صلي وسلم على نبينا محمد

يعطيك العافيه اخوي على النقل المبارك


تقبلو مرووووووووري
التوقيع  [System]
[System] غير متواجد حالياً  
قديم 28-03-2007, 10:58 PM  
  مشاركة [ 7 ]
الصورة الرمزية جناح جده
جناح جده جناح جده غير متواجد حالياً
نجم خط الطيران الشراعي
مدرب طيران شراعي
 
تاريخ التسجيل: 13 - 10 - 2006
الدولة: ملف أخضرعلاقي
المشاركات: 4,916
شكر غيره: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
معدل تقييم المستوى: 1348
جناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقدير

مشاهدة أوسمتي

جناح جده جناح جده غير متواجد حالياً
نجم خط الطيران الشراعي
مدرب طيران شراعي


الصورة الرمزية جناح جده

مشاهدة ملفه الشخصي
تاريخ التسجيل: 13 - 10 - 2006
الدولة: ملف أخضرعلاقي
المشاركات: 4,916
شكر غيره: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
معدل تقييم المستوى: 1348
جناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقديرجناح جده يستحق الثقة والتقدير
افتراضي رد: موسوعه الرسول صلي الله عليه وسلم

مجهود كبير تشكر عليه والله لا يحرمك أجره
وصلى الله على نبي الرحمه عليه الصلاة والسلام
التوقيع  جناح جده
دروس طيران من اعداد عبدالله القرني
مدرب طيران شراعي ppg
جناح جده غير متواجد حالياً  
قديم 29-03-2007, 12:35 AM  
  مشاركة [ 8 ]
الصورة الرمزية زحوفي
زحوفي زحوفي غير متواجد حالياً
مخالف قوانين المنتدى
 
تاريخ التسجيل: 28 - 03 - 2007
العمر: 33
المشاركات: 158
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 0
زحوفي مازال في بداية الطريق
زحوفي زحوفي غير متواجد حالياً
مخالف قوانين المنتدى


الصورة الرمزية زحوفي

مشاهدة ملفه الشخصي
تاريخ التسجيل: 28 - 03 - 2007
العمر: 33
المشاركات: 158
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 0
زحوفي مازال في بداية الطريق
افتراضي رد: موسوعه الرسول صلي الله عليه وسلم

مشكور على الموضوع الرائع و الجميل و مشكور على الموسوعه
زحوفي غير متواجد حالياً  
قديم 20-04-2007, 06:24 PM  
  مشاركة [ 9 ]
جارة الوادي جارة الوادي غير متواجد حالياً
أميرة المنتدى
 
تاريخ التسجيل: 19 - 04 - 2007
العمر: 37
المشاركات: 1,746
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 326
جارة الوادي له تواجد مميز في خط الطيران
جارة الوادي جارة الوادي غير متواجد حالياً
أميرة المنتدى



مشاهدة ملفه الشخصي
تاريخ التسجيل: 19 - 04 - 2007
العمر: 37
المشاركات: 1,746
شكر غيره: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
معدل تقييم المستوى: 326
جارة الوادي له تواجد مميز في خط الطيران
Icon Star رد: موسوعه الرسول صلي الله عليه وسلم

سلمت يمينك .. موضوع رائــــع
الله لايحرمك ولايحرمنا الأجر والمثوبة ,،،
التوقيع  جارة الوادي
جارة الوادي غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

الكلمات الدلالية (Tags)
موسوعه, الله, الرسول, صلى, عليه, وسلم
الملتقى الإســلامـي


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إعرف نبيك صلى الله عليه وسلم خالد999 الملتقى الإســلامـي 2 21-10-2007 04:50 AM
اوصاف ربما لم تسمع بها لرسولنا الكريم الملاك الحزين الملتقى الإســلامـي 14 04-08-2007 06:42 PM
موسوعه صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم mohamed motrash الملتقى الإســلامـي 1 29-03-2007 01:11 AM
اللحظات الاخيره في حياه سيد الخلق عليه الصلاه والسلام mohamed motrash الملتقى الإســلامـي 9 29-03-2007 01:01 AM


الساعة الآن 07:17 PM.
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
حق العلم والمعرفة يعادل حق الحياة للأنسان - لذا نحن كمسؤلين في الشبكة متنازلون عن جميع الحقوق
All trademarks and copyrights held by respective owners. Member comments are owned by the poster.
خط الطيران 2004-2024

 
Copyright FlyingWay © 2020