[عاشق A380]

تعرض قطاع النقل الجوي والطيران المدني لحوادث عدة في الآونة الأخيرة، ونعني هنا السنوات الثلاث الماضية. ولعل أبرز تلك الحوادث غموضا حادثة سقوط طائرة إيرفرانس الإيرباص 330 في قاع المحيط الأطلسي والذي يتم انتشال بقايا أجزائها حاليا في محاولة لفك طلاسم سقوطها المبهم، والذي قد يكون ناتجا عن عدة أسباب يرجح الخبراء في الوقت الحالي فرضيات عدة أبرزها فقدان السيطرة على الطائرة أثناء التحليق، وهو الذي بات خطرا يهدد سلامة الملاحة الجوية في الوقت الحالي، خصوصا بعد تعدد حالات سقوط طائرات نتيجة لتلك الحالة، وهو ما نحن بصدد الخوض في أسبابه في الموضوع التالي،،

مع تطور الطيران وازدياد استخدام الكمبيوتر في التحكم شبه الكامل في نظام السيطرة والتحكم في الطائرات الحديثة، قد يعتقد البعض أن ذلك قد قضى على مشكلة فقدان الطائرة لاتزانها وهي في الجو. لكن ذلك ليس صحيحا، خصوصا أن الآونه الأخيرة قد باتت تشهد حالات وحوادث عديدة لعدم السيطرة والتحكم في الطائرات أثناء تحليقها نجمت عنها حوادث مريرة، كان أشهرها حادث تحطم طائرة من طراز «بوينغ أم دي - 88» أثناء محاولتها الإقلاع من على مدرج في أسبانيا، وتبين بعد ذلك أنها فقدت توازنها كليا قبيل سقوطها واندلاع النيران فيها بقليل. وهذا الحادث بالذات قد لفت أنظار المختصين لهذه الحالة الخطيرة التي قد تتعرض لها الطائرات خصوصا أن فرضية اختلال طائرة «إيرفرانس» الإيرباص 330 لتوازنها قبل أن تنتهي في قاع المحيط قد تكون واردة في ظل المعطيات الضئيلة التي تم الحصول عليها هنا وهناك.

نظام السيطرة على الطيران
يفترض بنظام التحكم بالطيران العامل بالأوامر الكهربائية ألا يدع الطيار يقع في اي خطأ، وأن يتولى تصحيح اخطائه بصورة اوتوماتيكية عند الضرورة، لكن ليس معظمها. وتخضع جميع الأوامر التي يقوم بإصدارها الطيار عبر عصا القيادة لمراقبة تامة من قبل كمبيوترات الطائرة التي على متنها في اجزاء من الثانية قبل القيام بتنفيذها، فلا يتم تنفيذ المناورة إلا اذا تأكد الكمبيوتر المراقب لمحتوى الطيران انها تقع ضمن الحدود القصوى للطائرة حتى لا تجهد البدن، ولهذا يطلق عليه نمط «المنطق» LOGEC، وهو منطق رياضي يؤدي عمليات لوغارتماتية معقدة، والنتيجة قدرة فائقة على اداء مناورات وحركات بهلوانية مثيرة من دون خطر فقدان السيطرة أو اجهاد الطائرة، وهذا بدوره يوفر في الوقود ويطيل من استثمار الطائرة لمدة أطول، كما انه أخف وزنا من النظام الهيدروليكي المعقد والثقيل، وأقل منه تعرضا للعطب ويخضع لمراقبة كمبيوتر التحكم بالطيران، وهذا الجهاز لا يسمح للطيار بتعدي الحدود القصوى للطائرة عن المألوف، حتى لا يتعرض بدنها للاجهاد، وبالتالي الانهيار والسقوط بعد ذلك أو فقدان الطائرة لتوازنها أثناء الطيران.

اختلال في نظام الكمبيوتر
تعرضت طائرة ايرباص 330 استرالية تابعة لشركة كوانتاس في احدى رحلاتها لمطبات هوائية عنيفة ادت إلى حدوث خلل في كمبيوتر الطائرة الموصول بانظمة التحكم بها، مما أدى إلى فقدان الطائرة لتوازنها ونجم عن ذلك هبوط اضطراري ادى إلى تعرض بعض الركاب إلى اصابات عديدة. هذا إلى جانب حالات أخرى مشابهة حدثت لطائرات من طراز بوينغ 777 - 200 أدى خلل في نظام الطيار الآلي الملحق بالطبع بكمبيوتر أنظمة السيطرة على الطيران للطائرة إلى اتخاذ الطائرة أثناء إقلاعها وصعودها بقليل لوضع شبه عمودي الأمر الذي دفع بطياريها إلى التدخل وفصل الطيار الآلي واستعادة السيطرة على الطائرة يدويا، والهبوط بها مرة أخرى وسط ذعر حقيقي للركاب والطاقم، وتم بعد تلك الحادثة إدخال تعديلات على معطيات نظام الطيارالآلي في الطائرة.

سقوط طائرة بسبب «فيروس»
رجحت التقارير الأخيرة الواردة حول حادثة سقوط طائرة تابعة لشركة «سبان إير» الاسبانية من طراز بوينغ «إم دي ـ 82» في 20 من أغسطس 2008، أثناء محاولة الإقلاع أن تكون أنظمة الطائرة الملاحية والكمبيوتر الخاص بها قد أصيبت بـ«فيروس» من نوع «تورجن»، ونجم عنه حجب معلومات تنبيهية خطيرة وحيوية حول عدم ملاءمة وضعية السطوح الرافعة كالخفقات والشقبات slats / flaps، غير مستخدمة كالعادة عند محاولتي الإقلاع والهبوط، وهذا ما أدى إلى انهيار الطائرة أثناء محاولتها الإقلاع، وأدى ذلك إلى سقوطها وتحطمها ومقتل جميع من كانوا على متنها من طاقم وركاب عددهم 172. وهذا قد يفتح مدى ضرورة مناعة أنظمة الطائرات الملاحية وكمبيوتراتها، خصوصا انها باتت تعتمد عليها أكثر مما كان في السابق.

خطر داهم
لقد عززت حادثة طائرة اسبان إير الإم دي - 88 الاسبانية إلى جانب حوادث أخرى مخاوف المختصين بمجال سلامة الملاحة الجوية من خطر فقدان الطائرات لاتزانها المفاجئ في الجو، خصوصا أن الإحصائيات الأخيرة بينت أن ذلك الخطر قد بات على رأس قائمة المسببات الرئيسية لحوادث الطائرات، متفوقا بذلك على خطر الاصطدام بالموانع والتضاريس الأرضية حيث باتت الأخيرة هذه أقل بفضل تزويد ما نسبته %95 من الطائرات الحالية بنظام التنبيه من الارتطام بالموانع والتضاريس الأرضية، الأمر الذي يستدعي ضرورة إيجاد حل سريع وناجع لتلك المشكلة.

الحل القادم مكلف لكنه فعال
من الأنظمة المتطورة جدا التي يؤمل أن تزود بها طائرات الركاب في المستقبل، نظام الإشراف والتكيف مع المتغيرات الذاتي؛ أو Automatic Supervisory Adaptive Control – ASAC والذي طورته شركة «روكويل كولينز» للانظمة الملاحية الجوية، وهو عبارة عن نظام ذكي مقرون بكمبيوتر السيطرة على أنظمة الطيران بالطائرة بحيث يقوم بمتابعة أي قصور قد يطرأ على السطوح الرافعة في الطائرة، مثل فقد نصف جناح كامل ويقوم بالتعويض عنه في لحظات بسطوح الرفع الباقية من الطائرة واتزانها في الجو بل وحتى تمكين طاقمها بالهبوط بها بسلام دون انحراف عن المدرج. لكن الأمر اقتصر على الاستخدام والتطبيق العسكري كما هو معهود، لذا قد ينتظر الجانب المدني وقتا طويلا كي يتم تطبيق هذا النظام المكلف لكن المجدي من الناحية العملية بصورة كلية.