«منتزه الإسكندرية» .. جنة ساحرة تحرسها الشمس ويطوف بها نسيم البحر
يضم قصورا ملكية .. حدائق شاسعة ومارينا لليخوت
في إحدى ليالي صيف عام 1892، وقع الخديوي عباس حلمي الثاني في عشق تلك البقعة على طرف مدينة الاسكندرية الشرقي، فأمر بإعداد 80 حمارا من حمير المكارية ليركبها هو ومَنْ بصحبته وليسيروا في الصحراء بمحاذاة شاطئ البحر يرافقهم عزف الموسيقى الخديوية. وكلما سار الموكب زاد إعجاب الخديوي بتلك المنطقة بألسنتها الجميلة الداخلة في البحر وأسلوب تسرب الماء بين ثناياها الصخرية في خرير ساحر. ثم عاد في اليوم التالي وتجاوز هذه المنطقة بمسافة كبيرة حتى وصل الى مكان تكتنفه رابيتان عاليتان يبلغ ارتفاعهما 16 مترا؛ وبينهما ضلع صغير، وفي طرفه الشمالي جزيرة صغيرة. منذ ذلك اليوم استقر في ذهنه أن تكون هذه البقعة مصيفا له، وأن ينشئ بها قصرا أنيقا على احدى الرابيتين هو «قصر الحرملك» الذي أصبح إحدى التحف المعمارية التي تمزج بين العمارة الكلاسيكية والعمارة القوطية بمراحلها المختلفة بالاضافة الى طراز عصر النهضة الإيطالي والطراز الاسلامي. وأمام القصر، أنشأ كشكا للموسيقى ليشهد الحفلات الخديوية الصيفية. أما الرابية الأخرى فكانت عليها مدافع قديمة من عهد محمد علي باشا كانت تستخدم لحماية الشواطئ ولا زالت موجودة حتى الآن، وأقيم أمامها مبنى السلاملك وسينما الاميرات. وأحاطت بتلك المباني حدائق واسعة قدرت مساحتها بنحو 370 فدانا زرعت بزهور وأشجار نادرة. وعلى الجزيرة الصغيرة بني كشك كلاسيكي للشاي على الطراز الروماني. وتم ربط الجزيرة بالشاطئ من خلال جسر إيطالي ـ قوطي الطراز ينتهي بفنار يرشد السفن واليخوت الى خليج المنتزه الذي كان يرسو به يخت الملك فاروق والذي حمل اسم «المحروسة».
في تلك الجنة الارضية تم تصميم حمامات سباحة طبيعية للملك والأميرات داخل مياه البحر المتوسط ما زالت موجودة حتى الآن. ويعود الفضل الى محمود باشا شكري رئيس الديوان التركي في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني في إطلاق اسم «المنتزه» على تلك الجنة التي أضاف لها كل حاكم من حكام الاسرة العلوية إضافة نسبت اليه. منها على سبيل المثال الصوبة الملكية التي أنشأها الملك فؤاد عام 1934 وضمت أندر نباتات الظل التي لا تزال موجودة حتى الآن، وتبلغ مساحتها 3 آلاف متر مربع وتحتوي على نباتات استوائية وما زالت محتفظة برونقها منذ أكثر من 75 عاما. الى جانب عدد آخر من النباتات المهمة الاخرى ومنها الكانتيا والبوتس العملاق والزاميا والكريوتا أو النخيل ذيل السمكة ذي الاوراق الخضراء، والنباتات الكبيرة الحجم مثل الانتوريوم السهمي والأحمر وودن الفيل والهوكيري والأراليا والفيكتوريا والروبيليا. أما قصر المنتزه الشهير فقد أنشأه الملك فاروق في بداية الاربعينات بنظام معماري يتماشى مع النظام الذي بنيت به القصور الملكية في المنتزه ولعل أشهر ما يميزه برج الساعة الذي كان تخرج منه أربعة تماثيل ذهبية للملك فاروق عندما تدق عقارب الساعة. تلك ببساطة هي قصة بناء المنتزه التي تعد من التحف المعمارية الخالدة في فنون العمارة المصرية في مدينة الاسكندرية ولعل الموقع والتاريخ كانا السبب في إنشاء فندق هلنان فلسطين عام 1964، والذي يعد واحدا من أشهر الفنادق المصرية ليس بسبب موقعه فقط، ولكن لكونه الفندق الوحيد الذي تم بناؤه داخل أحد القصور الملكية التي آلت ملكيتها إلى الحكومة المصرية بعد قيام ثورة 23 يوليو (تموز) عام 1952. يقف فندق «هلنان فلسطين» مواجها لكوبري الجزيرة وفنار المنتزه. ويستقبلك بهو الفندق بألحان موسيقية خفيفة تتناغم مع الطبيعة الخلابة التي تحاصره من كل جانب. وترافقك هذه الألحان منذ وصولك الى مدخل الفندق وحتى الغرفة التي يقع عليها اختيارك. في بهو الفندق تقابلك جدارية تحكي تاريخ الاسكندرية منحوت عليها إله البحار بوسيدون وعروس البحر بالاضافة الى لوحات مشغولة يدويا بحرفية شديدة. وقد شيد الفندق بأمر من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليشهد أول قمة عربية تحتضنها مصر والتي حضرها جميع رؤساء الدول العربية وملوكها عام بنائه. ومنذ ذلك الحين يعتبر «هلنان فلسطين» مقرا لإقامة رؤساء وملوك العالم حتى انه وقع الاختيار عليه لإقامة كبار ضيوف مصر الذين حضروا افتتاح مكتبة الاسكندرية منذ عدة أعوام. ومن بينهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك وقرينته، وملكة إسبانيا الملكة صوفيا، ورئيس جمهورية المالاديف عبد الحي القيوم، والملكة رانيا قرينة الملك عبد الله ملك الاردن، وولي عهد المملكة العربية السعودية وولي عهد دولة الامارات المتحدة. كما يعد الفندق مقصدا للأدباء والفنانين؛ ومنهم الشاعر السوري أدونيس والكاتب المصري أسامة أنور عكاشة فهم يرونه واحة للاستجمام وفرصة للتمتع بالهدوء والماء والخضرة في آن واحد. ويضم الفندق 233 غرفة جميعها تطل على البحر والحدائق الملكية. ويضم 4 أجنحة جونيور و10 أجنحة كورنر وجناحين ملكيين وفيلا، وهي تحتل الطابق السادس من الفندق بأكمله، وهي مخصصة للعائلات الكبيرة أو للمجموعات حيث تضم 6 غرف وقاعة استقبال كبيرة ومطبخ خاص.
وتتفاوت أسعار الاقامة بالفندق بحسب الفصل، ففي الشتاء يبلغ سعر الاقامة للفرد في الغرفة المزدوجة 250 دولارا. بينما تتكلف في الصيف 350 دولارا.
ويمتاز الفندق بتعدد مطاعمه التي تحرص على إرضاء كافة الأذواق. وهو ما يؤكده الشيف زكريا، مدير المطاعم. وتأتي في مقدمة الأطباق التي تهتم بها مطاعم الفندق وجبات الاسماك التي يتم طهيها بأساليب مختلفة. ومن أشهر تلك الأطباق التي يتميز بها الفندق طبق «سي فود بلاتر»، والذي يصنع بخليط من الجمبري والكاليماري وسمك السيباس. وإذا كانت الاسماك تقدم طازجة في كل مطاعم فندق فلسطين، إلا أن «مطعم استاكوزا» بالفندق والذي يطل على البحر مباشرة يمنح الزبون فرصة تناول طبق من الأسماك عقب اصطيادها من البحر مباشرة. ومن بين مطاعم الفندق الرئيسية «مطعم ألكسندرينا» الذي يقدم جميع الأصناف العالمية من خلال بوفيه مفتوح للعشاء طوال أيام الأسبوع. هناك أيضا «المطعم الآسيوي» بأشهر مأكولات القارة الآسيوية. كما يختص مطعم تيرازا بتقديم أشهى المعجنات والأطباق الإيطالية. ويقدم مطعم «زودياك» الوجبات السريعة والمشروبات الساخنة والباردة والآيس كريم والحلويات الشرقية والغربية من بعد الإفطار وحتى وجبة الغداء. في حين يمنحك مطعم «غروب الشمس» الفرصة للاستمتاع بتناول الغذاء في الحديقة الملكية حيث يقدم أشهى المشويات في الهواء الطلق.
وعلى الربوة الأخرى لحدائق المنتزه حيث فندق وكازينو «السلاملك» يمكنك الاستمتاع بالاجواء الكلاسيكية والتاريخية للمكان الذي شيده الخديوي عباس حلمي الثاني ليكون استراحة صيد له ولصديقته النمساوية الكونتيسة ماي توروك هون زندرو التي سميت بعد زواجها من الخديوى جاويدان هانم. وليصبح واحدا من أروع تصميمات المعماري اليونانى ديميتري فابريسيوس، كبير مهندسي الخديوي آنذاك، والذي تلقى تعليمه فى فيينا، حيث أحاطه بغابات صناعية باهرة امتلأت بالحيوانات التي كان يستمتع بصيدها الخديوي وضيوفه.
يوفر فندق «السلاملك» لنزلائه فخامة الحياة الملكية، كما يحدث عند استقبال الملوك. وبمجرد دخولك إلى الردهة الرئيسية تجد صالون الخديوي بما يميزه من فخامة الأثاث الملكي الوثير الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، والذي يسعى رواد الفندق إلى التقاط الصور الفوتوغرافية وهم جالسون عليه أو بجوار صور الخديوي وملوك وملكات مصر التي تزين جدران الفندق وسط أنغام الموسيقى الكلاسيكية على الآلات الوترية. عند النزول في فندق قصر «السلاملك» تواجهك صعوبة في الاختيار ما بين أجنحته الاربعة عشر. ومنها جناح «مولانا المهيب» ذو الخمس غرف والإطلالة الفريدة على حدائق المنتزه الخلابة. أو الجناح الخاص «بصاحبة العصمة» والذي يضم ثلاث غرف وشرفة فسيحة. أو جناح «دولة الرئيس» الذي يحتوي على غرفتين وشرفة وجناح «أفندينا» الذي يضم ثلاث غرف وشرفة. إلا أن حيرتك قد تزول إذا عرفت أن جميعها تتفق في تصميمها على الطرز الملكية. واذا كنت من عشاق الرياضات المائية، فيتيح لك المنتزه نزهة بحرية خاصة في احد اليخوت الرابضة في خليجه، أو التزلج على صفحة المياه، كما تتوفر لك ايضا فرصة ممارسة الغطس، بالاضافة الى السباحة، حيث يستحوذ المنتزه على مجموعة من الشواطئ الخلابة تم تقسيمها لتمتد عليها الكبائن والشاليهات الأنيقة؛ ومن هذه الشواطئ: عايدة وسميراميس وفينسيا وباراديس وكليوباترا. كما تتوفر بالمنتزه ملاهٍ للأطفال بالاضافة الى سوق تجاري يضم محالا تجارية ومطاعم عالمية وقاعات للحفلات.