طبعاً ستختلط مشاعر الحزن والغضب في آن واحد، ومن المؤكد أن القرارات ستأتي تباعاً من أجل تحسين خدماتها، وقطعاً ستتم التضحية بعدد من مسؤولي "الخطوط" الذين يحاولون تجميل صورة "الخطوط"، وذر أكوام الماكياج على وجهها المترهل!
ولكن أنا أدعو في هذه المقالة إلى أن يهيئ كل شخص منا نفسه لتوقُّع هذا الخبر، وألا يندهش من حدوثه بسبب هذا الإهمال المتزايد ورداءة الطائرات وكثرة أعطالها وهي في السماء والأرض؛ حيث تسقط أبوابها وتحترق محركاتها وترفض عجلاتها الخروج..
أليست كل هذه مؤشرات مخيفة قد تؤدي إلى سقوط واحدة من هذه الطائرات وهي في السماء؟
خاصة أننا لا ننتبه إلى المشكلة إلا بعد وقوعها مثل سيول جدة التي أفرزت فساداً طفا، بعد أن وقع الفأس في الرأس.. ولكن لماذا نحتاج إلى أن تقع الفأس في الرأس؟! فبالنسبة إلى "الخطوط الجوية" فالفأس ينتف "أشعار" الرأس، ولم يصل إلى الرأس نفسه، ولكنه قريب جداً.
كنتُ فخوراً ـ مثل كثير من المواطنين غيري ـ بناقلنا الوطني الذي كان مثالاً للدقة والأمان والانضباط، وكان قِبْلة للمسافرين من كثير من دول العالم، ولاسيما مواطني الدول المتقدمة، ولكن بمرور الأيام، وباستحكام عنصر اللامبالاة، وبتكريس الإهمال، وبسيادة روح الاستهتار، انحدر هذا الناقل - بكل أسف - حتى أصبح مصدر تندر وتهكم واستخفاف وسخرية من الناس، حتى الخطوط التي كانت أقل مستوى من الخطوط الجوية العربية السعودية لم تنل من النقد والاستهجان، بل الهجاء، ما نالته خطوطنا "المحروسة".
إن الوضع المتردي الذي تمر به الخطوط السعودية إذا استمر بالوتيرة ذاتها وفقاً للحيز الزمني الذي استغرقه التردي المريع السريع فإن الهاوية لن تكون بعيدة أبداً من خطوطنا "المباركة".
لأن الإهمال الشديد الذي تغذيه اللامبالاة في ظل إمكانيات مهولة وارتفاع مستمر في أسعار التذاكر لا يعني إلا السقوط الذي ربما يكون سقوطاً كارثياً - لا سمح الله -، وإذا سمحنا لهذا التردي السحيق بالاستمرار دون كوابح فلن تكون الخسائر التي نخشاها أقل من الأرواح؛ فقد شاهدنا وسمعنا وقرأنا أخطاء فادحة، ومظاهر إهمال واضحة، وحوادث فاضحة، لم يكن للقائمين على أمر الخطوط حولها قولٌ مقنعٌ، وفي كثير من الأحيان لم يكن هنالك رد أو تعليق في الأساس.
لقد بدأ مسلسل التردي في الخطوط السعودية من تأخر مواعيد الإقلاع، أو سقوط الحجز (سهواً)، أو تبديل الحجز، أو إلغاء الرحلة، أو البقاء في المطار ساعات تضيِّع الكثير من مصالح الناس، وخصوصاً رجال الأعمال الذين اعتادوا السفر بأشهر الخطوط العالمية، وغير ذلك من المواقف والأحداث، ثم تحول الأمر إلى تعاقد الناقل لنقل حجاج أو معتمرين أو غيرهم ثم عدم المقدرة على الوفاء بذلك العقد، وكم رأينا حجاجاً ومعتمرين يفترشون المطارات لأيام بحجة عدم المقدرة على نقلهم حتى يصل الأمر إلى الجهات الرسمية في البلدين، والشواهد على ذلك لا تُعَدُّ ولا تُحصى.
هذا كله هيّن، مع أنه ليس جيداً؛ لأنه يرتبط بضياع الوقت، وضياع الالتزام، لكنه على الأقل أفضل من ضياع الأرواح، لكن حينما ينتقل الوضع إلى تردي الوضع داخل جسم الطائرة نفسها، وينعدم أو تقل أو تتردى عملية الصيانة، ويقل أو ينعدم أو يتردى التدريب، سواء للفنيين أو للإداريين أو للطيارين، وكذلك تقل أو تنعدم أو تتردى الجاهزية بشكل عام، فإن النتيجة الحتمية هي ـ كما نرى ونشاهد ـ تعطل محرك طائرة، ومن ثم جعل الحالة النفسية لركابها في أقصى درجات السوء، وما ينتج من ذلك من أضرار صحية، وخصوصاً لأصحاب أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم والأزمات وغيرها، أو ما نسمعه من هبوط اضطراري، وما ينتج منه من أضرار نفسية وصحية وغيرها، وكذلك ما يحدث من سقوط طائرة عند مدرج المطار، أو انحراف إطاراتها عن المدرج الرئيسي، أو احتراقها في أحد مطارات الدول الأخرى، وما يجره ذلك من عوامل نفسية ومن سمعة سيئة ومن هواجس وتوجسات تصيب ركاب الخطوط السعودية بشكل عام.
الخطأ وارد في كل مكان وفي كل مؤسسة وجهاز، وهو ليس عيباً ولا غريباً، لكن تكرر الأخطاء، بل تفاقمها بوتيرة متوالية تصاعدية وبشكل كارثي، لا يدع للمرء مجالاً للتفاؤل بل ـ وأرى من الحكمة ذلك ـ يجب أن يحتاط الناس للأسوأ، وهذا هو الذي يجول بخاطر كثير من الناس، ولا أتوقع أن يكون لمسؤولي الخطوط الجوية العربية السعودية أي رد مقنع ولا حتى غير مقنع لا سمح الله إذا حدث سقوط إحدى طائراتها ومقتل مَنْ هم على متنها، سواء كانوا مواطنين أو أجانب.
لماذا يجول بخاطري مثل هذا التشاؤم؟ لأن التردي السريع والسحيق لا يجد أمامه كوابح تمنعه من الوصول إلى الهاوية؟ في ظل غياب روح الإحساس بالمسؤولية وغياب الشفافية وتفشي الإهمال.
ولماذا لا أتوقع ردًّا مقنعاً من الخطوط في حال وقوع مثل ذلك الحادث الكارثي ـ لا سمح الله ـ؟ لأني لا ألمس اليوم أي رد مقنع على أي مستوى إزاء فضائح وكوارث وأخطاء أقل حدة وأخف وطأة، فمن أين لهم الرد على حوادث أكبر حجماً وأكبر خسائر؟! فالذهنية واحدة، والمسؤولية هي نفسها، والسوء يسري سريان النار في الهشيم؛ فكيف أرجو ما يسرُّ النفس ويُطمئن القلب و"يُبيّض الوجه" وما يعيد لناقلنا الوطني سيرته الأولى؟ من أين لي ذلك؟ أحتاج إذن لعصا موسى - عليه السلام -.
إبراهيم ناصر المعطش
رئيس تحرير مجلة نون
ط?ط®ظ?ظ‘ظژظ„.. ط³ظ‚ظˆط· ط·ط§ط¦ط±ط© ط³ط¹ظˆط¯ظ?ط© ظˆظ…ظ‚ط?ظ„ ط¬ظ…ظ?ط¹ ط±ظƒط§ط¨ظ‡ط§ط?! - طµط*ظ?ظپط© ط³ط¨ظ‚ ط§ظ„ط¥ظ„ظƒط?ط±ظˆظ†ظ?ط©
تعليق